فتح مركز البحث الأسقفي بالجزائر، أمس السبت، نقاشا تاريخيا اجتماعيا حول موضوع “مسيحيون في الحرب"، تناول المتدخلون فيه دور الكنيسة في نصرة الثورة الجزائرية، ومحاولة فهم التحولات الداخلية التي دفعت بعض رجال الدين إلى تغيير خطابهم الاستعماري لصالح حق تقرير المصير. اللقاء تزامن مع عودة النقاش حول رهبان تبحيرين. قال رئيس الحكومة الأسبق رضا مالك، في مداخلته المختصرة، أنه لفهم كنيسة الجزائر يجب الرجوع إلى مختلف التيارات التي شكلتها، والتغيرات الجذرية التي طالت فعاليتها بسبب انخراطهم في الحركة الاجتماعية الرافضة للحكومات الاستعمارية. وقبل ذلك، ذكر رضا مالك أنه قبل أن يسجل تاريخ الثورة الجزائرية إسهام عدد من القساوسة والآباء البيض وغيرهم. لايجب أن ننسى دورهم السلبي عند احتلال الجزائر في 1830، عندما دق رجال الدين طبول الحرب ومشوا في الصفوف الأولى، معلنين العودة إلى أرض سانت أوغستين.. وهي النقطة التي أشارت إليها الباحثة في التاريخ، دارسي فونتان، في إشارتها إلى القداس الجماعي المنظم بمدينة القصبة العتيقة لمباركة الحملة الاستعمارية وإعلان الاستحواذ على أرض جديرة بالاستكشاف. كما احتفت كنيسة سان بيار في روما بما سمي آنذاك ب"عودة كنيسة إفريقيا". تحدث رضا مالك عن روبير بارت، بصفته قلم دافع عن القضية الجزائرية، وأنجز في سبتمبر 55 حوارا مع أوعمران في جبال الأخضرية، نشره في صحيفة “فرانس أوبسرفاتور"، فتعرض للطرد من قبل وزير الداخلية الفرنسي حينذاك. وعن دوفال، قال مالك إنه “ندد بحزم ووضوح بالتعذيب الممارس على الجزائريين"، بينما أكدت فونتان أن دوفال يعد شخصية “شبه أسطورية في تاريخ المسيحية في الجزائر ورمزا للكنيسة الكاثوليكية أثناء حرب التحرير"، وأضافت: “منذ مجيئه سنة 1947 كأسقف قسنطينة وعنابة، تميز برأيه المتمسك بفكرة الجزائر فرنسية. وعندما عين مطران الجزائر في 1954، واجهته مجموعة كاثوليكية منقسمة سياسيا، الواحدة تبحث عن ربط علاقات بين المسيحيين والمسلمين، والثانية منغلقة على نفسها". كما حمّلت الباحثة “السلطات الدينية مسؤولية إعطاء توجه أخلاقي للمؤمنين ضمن سياق قوض سياسيا وأخلاقيا"، ما جعل موقفهم من الثورة غائبا “تماما" بخصوص وضع حد للاستعمار"، واستثنت في هذا الباب مجلس العالم للكنائس. اتفق المتدخلون في اللقاء التاريخي أن الكنيسة لم تبق على حالها، وظهرت تيارات تقدمية وسط رجال الدين أخلطت أوراق الإدارة الاستعمارية، كما هو الحال مع لابيير فوتو، الذي قال بشأنه المؤرخ دحو جربال: “تعرف إلى رضا مالك ودماغ العتروس وآوى إطارات جبهة التحرير الوطني والكشافة الاسلامية الجزائرية، على رأسها محفوظ قداش"، وأردف: “اكتشف عالم الجزائريين البسطاء وأحوالهم الفقيرة والتعيسة بفضل صديقه لابي لوكليير، الذي كان يجيد اللغة العربية". الأستاذة مليكة قورصو، من جهتها، رأت في أسبوعية “témoignages chrétiens" مثالا حيا لتجند المسيحيين في حرب الجزائر، وإعلانهم الوقوف في صف جبهة التحرير الوطني: هي صحيفة معارضة للاستعمار، دافعت عن حقوق الإنسان في الجزائر، اتهمها جاك سوستال بالخائنة بعد تمسكها بموقفها.. كانت تطبع 600 نسخة عشية اندلاع الثورة وسرعان مت تراجعت وانخفض عدد قرائها بسبب خطها الافتتاحي". دعت قورصو إلى قراءة هذه الصحيفة لفهم التوجهات الجديدة في فرنسا، والأفكار التقدمية التي كتبت لصالح الثوار، مثل آندري مندوز، جورج سوفان، أرفي بورج وحتى كاتب ياسين: “كلهم تعاونوا من أجل خط افتتاحي منفتح ومتسامح ووفي لمبادئ المقاومة".