كانت مسرحية "عرفية في صمت الليل" لمسرح بجاية الجهوي، بمثابة الصرخة التي هزت ليلة الأربعاء الفارط، خشبة مسرح باتنة في السهرة الثالثة من الأيام المسرحية المغاربية في طبعتها الرابعة. وقد أعجب الجمهور الذي صفق مطولا لبطلة المسرحية "عرفية" التي أدت دورها ببراعة كبيرة الممثلة دراغلة جوهرة، شكلا ومضمونا في حين حيا جرأة الطرح في هذه المسرحية التي عالجت بذكاء "الاغتصاب الذي كانت تتعرض له النساء من طرف الجماعات الإرهابية خلال العشرية السوداء". وهزت صرخة "عرفية" الجريحة التي دنستها "وحوش" في ليلة عيد الأضحى لتجعلها ضحية "آدمية" حملت في بطنها "وحش المكتوب" كما أسمته وهي تتلوى على ركح الحضور الذين حيوا فيها صمود المرأة ومن خلالها كل النساء والفتيات اللواتي أهن في شرفهن بالباطل من طرف الظلاميين في سنوات العشرية السوداء. وتابع الجمهور الذي كان حاضرا بقوة كالعادة وبتأثر كبير قصة عرفية التي كانت ترمز لكل المغتصبات اللواتي فقدهن شرفهن تحت طائلة التهديد بالموت وكيف واجهت الضحية التي دمرت الوحوش منزلها وقتلت ببشاعة أسرتها سكان القرية الذين اعتبروها عارا وخطرا على حياتهم لأنها تحمل في أحشائها ابن "الوحوش". ولم يجد الحضور بعد إسدال الستار على العرض الذي كان رائعا ومتكاملا وصادقا حسب الجميع سوى الوقوف احتراما وتقديرا ل "عرفية" ومن خلالها كل "عرفيات" الجزائر اللواتي احترقن وعانين في صمت واتهمن بجريمة لم يكن طرفا فيها. ولم يخف الحسين الوناس وهو مثقف وإعلامي ومتتبع للحركة المسرحية بالجزائر منذ سنوات، بأنه "كان مشدودا للخشبة منذ بداية العرض لجرأة الطرح وبراعة الأداء وتكامل عناصر المسرحية من ديكور وموسيقى وأغاني"، مشيرا إلى أن كاتب المسرحية عمر فطموش "تجرأ في كتابة نص هذه المسرحية التي عالجت طابو لم نتمكن من الحديث عنه بتفتح إلى حد الآن، في حين تمتعت الممثلة بجرأة كبيرة في أداء الدور إلى أبعد الحدود ودون خوف أو عقدة". أما مؤدية دور "عرفية" الممثلة ومخرجة المسرحية دراغلة جوهرة، فأكدت بأنها عاشت بأحاسيسها الموضوع وحاولت أن تعبر بكل جوارحها عن صرخة وألم عرفية التي تروي قصة حقيقية لفتاة اسمها ياسمين تعرضت للاغتصاب من طرف مجموعة إرهابية ثم طردت من قريتها لتعيش الألم والموت مرتين. ولم تخف جميلة إعجابها الشديد بالجمهور الذي كان حاضرا في القاعة والذي تتبعها باهتمام بالغ بل عاش معها بأحاسيسه وقائع العرض وقالت بأن ذلك "أعطاني قوة كبيرة على الركح جعلتني أحس فعلا بأنني عرفية". واستطاعت مسرحية "عرفية" في صمت الليل - حسب الكثيرين - أن تضع الأصبع على الجرح كما يقال من خلال معالجتها لإحدى الطابوهات المسكوت عنها في المجتمع التي جدير بالمسرح أن يخوض فيها لمعالجتها وتحريك النقاش الفعال حولها حتى يكون قريبا من انشغالات جمهوره ومساهما في تطوير ذوقه وحتى تنويره. وتلقى العروض المقدمة منذ 17 جوان الجاري بالمسرح الجهوي بباتنة في إطار الطبعة الرابعة للأيام المسرحية المغاربية، إقبالا كبيرا من طرف الجمهور لاسيما العائلات التي وجدت في سهراتها متنفسا لها في أوقات الحرارة التي تشهدها هذه الأيام عاصمة الأوراس.