على غير العادة، قد يجد المواطن الجزائري نفسه مضطرا لقضاء شهر رضمان دون تمر، بسبب الارتفاع الجنوني الذي بلغته أسعاره قبل أيام من حلول شهر الرحمة. فإذا كانت مادة التمر تمثل إحدى الأولويات التي يحرص عليها الجزائري أن تكون موجودة على مائدة الفطور، فإنه هذا العام قد يغير من سلوكاته ويقاطعها إلى حين تنخفض أسعارها.. ربما خلال الموسم القادم. ولا يجد المرء أي عناء لاكتشاف الغلاء الفاحش االذي بلغته التمور بمختلف أنواعها هذه الأيام، حيث تتراوح أسعارها ما بين 400 دج و550دج و650دج. وهو الأمر الذي جعل الإقبال عليها محتشما من طرف المواطنين، الذين ذهلوا من الأسعار التي تباع بها. والثابت أن هناك أسبابا موضوعية ساهمت بقسط كبير في ارتفاع أسعار التمور، وهو ما حاولنا معرفته من خلال جولة قادتنا إلى بعض نقاط بيع التمور بالعاصمة، حيث اتفق تجار التجزئة على فكرة موحدة، وهي أن وراء ظاهرة ارتفاع أسعار التمور أسبابا مباشرة ومؤثرة لا تتعلق بالضرورة بمبدأ العرض والطلب، الذي يعتبر عادة مقياسا لتفسير ارتفاع الأسعار وانخفاضها. وهو ما حاول أحد التجار إيصاله للمواطن من خلال هذه الآراء التي سردها حول هذا الموضوع: "بحكم تجربتي في مهنة بيع التمور، فقد لاحظت هذا العام نقصا محسوسا في كمية التمور، والسبب المباشر يعود أساسا إلى قلة الأمطار التي تهاطلت خلال الخريف على المناطق المعروفة بإنتاجها الوفير للتمور، على منوال منطقة الوادي. وكان من نتائج هذا السبب الطبيعي أن جاء الإنتاج ناقصا وغير جيد، خاصة أن بعض أنواع التمور قد أتلفت". بعيدا عن المناخ الذي أثر بشكل مباشر على إنتاج التمور في بعض المناطق، فإن أزمة الندرة والغلاء الفاحش الذي تعرفه هذه المادة عبر أسواق التجزئة هذه الأيام، فسره لنا بعض التجار بظاهرة التهريب التي استفحلت هذه السنة على مستوى الحدود الشرقية للبلاد، وبالتحديد مع الجارتين تونس وليبيا، حيث تم تهريب كميات كبيرة من شتى أنواع التمور، كما جاء على لسان أحد التجار المختصين في بيع هذا المنتوج. وشهدت هذه السنة، وبالضبط خلال فترة أكتوبر الماضي، دخول العديد من التونسيين والليبيين إلى بعض مناطقنا الجنوبية الشرقية وبالتحديد بالوادي وبسكرة، كانت مهمتهم الأولى هي شراء التمور بأسعار مرتفعة جدا، وهو ما وجد فيه الفلاحون بالمنطقة فرصة للربح، لكن على حساب من؟ فهذه الظاهرة أثرت بشكل كبير على الإنتاج الموجه إلى السوق الجزائرية. وإذا اعتمدنا على قانون العرض والطلب، يمكننا تفسير الارتفاع الذي عرفته الأسعار هذه الأيام. نفس الانطباعات والآراء لمسناها من حديث تاجر جزائري آخر، حيث لم يتوان عن توجيه سهامه إلى العصابات القادمة من تونس وليبيا، والتي تمكنت من شراء كميات كبيرة من مختلف التمور وإدخالها إلى بلدانها، فيما وجد التجار الجزائريون صعوبة كبيرة في التموّن بهذه المادة. وما يمكن الإشارة إليه، هو أن الفلاحين يفضلون بيع منتوجهم من التمور إلى التونسيين والليبيين بأسعار عالية ويرفضون توجيهها إلى الأسواق الجزائرية وتحديدا بيعها للتجار. الولوج في خبايا إنتاج التمور وتصديرها والوقوف على بعض الجوانب الأخرى التي تؤثر في وفرتها أو ندرتها، قادنا إلى اكتشاف بعض الأسباب الأخرى التي أثرت بشكل مباشر في الأسعار هذا الموسم، وأبرزها على الإطلاق غلاء غرف التبريد التي تتم فيها عملية تخزين التمور.. وهو ما أوضحه لنا أحد التجار: "ما يجب معرفته، هو أن مادة التمر يتم جنيها عادة خلال الخريف (أكتوبر)، وبالتالي حاليا ليس وقتها. وما يعرض اليوم في السوق مصدره التخزين. وبالنظر إلى غلاء غرف التخزين التي يصل سعرها إلى 10 ملايين سنتيم للغرفة الواحدة التي تتسع لحوالي 1000 صندوق، سبب ذلك ارتفاع الأسعار، باعتبار أن الممونين يحافظون على هامش الربح لتعويض مصاريف التخزين التي تمتد من شهر أكتوبر إلى غاية بدايات الصيف". عندما طلبنا من أحد التجار تفسير ارتفاع أسعار التمور مقارنة بالعام الماضي، وماذا تغير في معادلة الإنتاج والعرض والطلب.. لم يتردد في التأكيد لنا بأن ذلك يعود أساسا إلى أن ظاهرة التهريب لم تكن موجودة بالحجم الذي ظهرت به هذه السنة: "لعلّ الكل لاحظ العام الماضي أن التمور خلال هذه الفترة، وبالضبط خلال شهر رمضان، كانت متوفرة وبأسعار معقولة، إلى حد أن الممونين خسروا الملايير بعد أن هبطت أسعارها في السوق إلى أدنى درجاتها. كما يمكن كذلك إضافة وفرة الإنتاج على مستوى المناطق المعروفة بجني التمور". وفي تقديره للزيادة التي عرفتها هذه المادة، مقارنة بالموسم الماضي، قدرها هذا التاجر ما بين 50 و100دج، لتستقر الأسعار اليوم ما بين 400 و650دج. خلال جولتنا بأسواق بيع التمور، التقينا بعض المواطنين الذين اندهشوا من الارتفاع الواضح في الأسعار، حيث أكدوا لنا جميعا بأنهم سيعزفون عن شرائها ومقاطعتها حتى وإن تعلق الأمر بمادة استهلاكية اعتادوا بها تزيين موائدهم الرمضانية.. كما جاء على لسان سيدة: "في الحقيقة تعتبر التمور من المواد الاستهلاكية التي نشتريها خلال كل شهر رمضان، لكن هذه السنة، وبفعل ارتفاع أسعارها، وجدنا أنفسنا مضطرين للتخلي عنها رغما عنا". وبنبرة فيها الكثير من الإحباط، لم يجد مواطن، في العقد السادس من عمره، من تفسير لظاهرة ارتفاع أسعار التمور سوى التعليق قائلا: "بعد اللحوم والخضر والفواكه التي التهبت أسعارها، جاء الدور هذه المرة على التمور، لتزيد من مشقة ومتاعب المواطن الجزائري وهو يستعد لاستقبال شهر الرحمة. بصراحة، سأقضي رمضان هذه السنة رفقة عائلتي دون تمور، والأكيد أننا سنصوم رغم كل ذلك، وسوف لن نموت إذا استغنينا عن التمر في رمضان هذا العام".