إذا كانت السياحة الداخلية خلال فصل الصيف قد شهدت تراجعا ملحوظا لأنها تزامنت مع شهر الصيام الذي يفضّل المواطن الجزائري قضاءه وسط عائلته وبمسكنه وحيه ومدينته، فإن الأمر ينطبق تماما كذلك مع تقاليد الجزائري مع السياحة خارج الوطن، حيث يحجم عن السفر لقضاء عطلته الصيفية خارج أسوار وطنه ويؤجل كل مشاريعه إلى ما بعد شهر رمضان. ولئن كانت المواسم الماضية قد شهدت نفس السيناريو وفق ما أفصح لنا عنه أصحاب وكالات السفر، فإن جديد هذا الموسم يبقى بدون منازع تراجع وجهة الجزائريين نحو الشقيقة تونس، حيث كان الإقبال لحد الآن محتشما جدا حسب ما علمناه والسبب الرئيسي الذي قدم لنا يكمن أساسا في الأوضاع الأمنية غير المستقرة التي تعيشها حاليا الجارة تونس. إلى وقت غير بعيد كانت تونس تمثل الوجهة المفضلة للسواد الأعظم من الجزائريين الذين يفضلون قضاء عطلهم في هذا البلد المجاور لعدة أسباب، منها أنه يعد من البلدان القليلة التي ما يزال الجزائري يدخلها دون تأشيرة، وكذا قرب المسافة التي توجد بين البلدين، دون أن ننسى الخدمات السياحية التي توجد هناك مقارنة بتلك التي توفرها له السياحة الداخلية، وخلال جولتنا في بعض الوكالات السياحية أكد لنا أصحابها أن هذا العام يختلف كثيرا عن الأعوام الماضية من حيث تهافت السائح الجزائري على السفر إلى تونس، ومع إقرارهم بأن هناك تراجعا كبيرا ومتفاوتا من حيث المقاطعة، فإن ذلك لا يعني، حسب رأيهم، بأن الجزائري أصبح لا يسافر تماما إلى الجارة تونس كما جاء على لسان أحد أصحاب هذه الوكالات السياحية "قد أفاجئكم إن قلت إن وجهة تونس هذه السنة شهدت تراجعا كبيرا مقارنة بالماضي، حيث سجلنا أعدادا محدودة من الجزائريين الذين قصدوا تونس وبالضبط منذ أن تردت الأوضاع الأمنية، حيث ساهمت هذه النقطة في التراجع الذي حصل في عدد المسافرين نحو تونس". وذهب صاحب الوكالة السياحية بعيدا عندما أشار إلى أن هناك العديد من الجزائريين الذين اختاروا الوجهة التونسية رغم عدم الاستقرار الذي يعيشه هذا البلد، غير أن ذلك لم يمنع السواد الأعظم منهم من التراجع عن السفر إلى هذا البلد "هناك العديد من الزبائن الذين ألغوا رحلاتهم نحو تونس، وبقية مدنها بسبب ما يسمعونه يوميا من أخبار حول تردي الأوضاع هناك وحدوث عدة اعتداءات إرهابية وهو ما أدى إلى تغيير وجهات السواح الجزائريين إلى بلدان أخرى أكثر أمانا". وإذا كانت تونس هذا العام قد عرفت عزوفا ملحوظا للجزائريين ما عدا القليل منهم، فإن ذلك لم يمنع توجههم إلى وجهات أخرى ممثلة أساسا في تركيا، المغرب، روسيا وماليزيا.. إلخ، بالإضافة إلى الدول الأوروبية المطلة على البحر المتوسط مثل فرنسا، إسبانيا وإيطاليا، غير أن ذلك حسب أحد أصحاب الوكالات السياحية لم يمر دون أن يترك بصماته على سلوكات السائح الجزائري الذي اعتاد على زيارة تونس كل عام وفي بعض الأحيان خلال فترات متقدمة من السنة "شئنا أم أبينا، تبقى تونس الوجهة المفضلة للجزائريين خلال العشريات الماضية لما تتوفر عليه من إمكانات ومرافق سياحية ممثلة أساسا في الفنادق والمناطق الخلابة، ناهيك عن الأسعار المعقولة والتنافسية الموجودة هناك، وهو ما يفسر إلى حد كبير جنوح الجزائري إلى اختيار قضاء عطلته بهذا البلد. لكن هذا الموسم مع الأسف الشديد سجلنا تراجعا كبيرا في إقبال السواح الجزائريين على المدن التونسية التي اعتاد زيارتها كل فصل صيف وخلال طول أشهر السنة". ويعتقد صاحب الوكالة السياحية بأن السبب المباشر الذي ساهم في تغيير وجهة الجزائريين نحو بلدان أخرى غير تونس، يعود أساسا إلى الأوضاع الأمنية التي يعيشها هذا البلد في الأشهر الأخيرة "من خلال الصور التي تبثها الفضائيات حول تطورات الأوضاع في هذا البلد، فإننا سجلنا هذا الموسم إقبالا قليلا للسواح الجزائريين، حيث تشير الأرقام على مستوى وكالتنا إلى تراجع محسوس في الطلبات على تذاكر السفر إلى تونس وكذا الإقامة هناك". ونحن نحاول معرفة المزيد عن الوجهات التي يقصدها الجزائري نحو الخارج، علمنا من جل أصحاب الوكالات السياحية أن جميع التذاكر نحو بعض البلدان على منوال المغرب، تركيا، ماليزيا، روسيا قد حجزت قبيل حلول شهر رمضان مما يعني أن النشاط السياحي بعد شهر الصيام سيعرف انتعاشا من جديد بعد أن عرف ركودا كبيرا خلال رمضان، الأمر الذي أثّر على مداخيل هذه الوكالات، حسب ما أكده لنا أحد أصحابها. «صراحة لقد تأثرنا كثيرا خلال هذا الشهر، حيث قلّ نشاطنا نتيجة إحجام السائح الجزائري عن قضاء شهر رمضان خارج الديار، وهو منطق رغم سلبيته على نشاطنا كوكالات، إلا أنني أجده منطقيا". وتبقى النقطة الجوهرية التي أثرناها كذلك مع الوكالات السياحية تتعلق أساسا بالسياحة الداخلية ومدى إقبال المواطن الجزائري عليها من عدمه، غير أن آراء بعض أصحاب الوكالات السياحية ذهبت كلها في اتجاه واحد وهو أن الإمكانات والظروف والخدمات وكذا الأسعار التي تقدمها السياحة الجزائرية للمواطن تبقى بعيدة عن المقاييس الموجودة عند جيراننا حتى لا نقول في الدول الأخرى. هل تعلم أن فنادقنا هي الأغلى في العالم، وهل تعلم أن الخدمات تكاد تكون منعدمة وأن ظروف الإقامة والأسعار تبقى مرتفعة مقارنة بما يوفر للسائح بتونس، تصور أن مصاريف أسبوع بأحد المناطق السياحية الجزائرية يستطيع بها السائح قضاء شهر كامل بتونس".