فاق عدد الجمهور المتوافد في السهرة الختامية للمهرجان الثقافي الدولي للموسيقى السيمفونية، الخميس الماضي، بقصر الثقافة، توقع المنظمين، إذ تجاوز العدد 1600 متفرج، فيما لم يحالف الحظ باقي الحضور الدخول إلى القاعة. العثور على مقعد شاغر بالخيمة الكبيرة التي نصبتها محافظة المهرجان الدولي للموسيقى السيموفنية، هذه السنة بشرفة قصر الثقافة مفدي زكريا، كان ضربا من المستحيل، ولحظات عسيرة للظفر بمكان يضمن لهم الفرجة في آخر سهرة من الطبعة الخامسة. عند الخامسة والنصف مساء، ارتفع الضغط على المضيفين والمضيفات، الذين اشتغلوا طيلة أيام المهرجان بشكل عادي، إلا أن سيل الوافدين أخلط أوراق الجميع، وأربك التنظيم الذي اضطر إلى إضافة مقاعد في كل مكان، واستنجد بمقاعد القصر (غياب مديرته على مدار الفعالية؟) رصت خارج الخيمة التي استوعبت أزيد من قدرتها الأساسية (1200 مقعد)، ليصل إلى 1600 مقعد ناهيك عن المتمسكين بالحضور وقوفا في غياب إمكانية توفير كراس لهم. وبسبب الحركة الكثيفة للحضور، تعطل موعد انطلاق السهرة على السابعة والنصف، وقد زاد الحضور الأجنبي المتمثل في عائلات الدبلوماسيين والموظفين من "تأزم" الوضع. درجات الحرارة في ارتفاع، ولم تعد المكيفات تفي بالغرض، ما دفع المسؤول على الخيمة إلى فتح واجهات جانبية لتهوية المكان، وإن نجح في الترويح على الحضور، عانى أعضاء الكورال والأوركسترا المختلطة التي نشطت الحفل، من أجواء ساخنة حارة بسبب الإضاءة المسلطة على المنصة. جمهور الموسيقى السيمفونية ظاهرة للبحث؟ بعيدا عن ضوضاء التحضير للسهرة الختامية، كان المشهد يوم الخميس الماضي، مثير للإعجاب، عائلات بأكملها بلباس أنيق، أصدقاء ترافقوا هم أيضا للمناسبة، إعلاميون وموسيقيون وأعضاء قدامى للكورال، شخصيات تاريخية مثل لآني ستينر فضلت الجلوس إلى الصحافة ترنحت على أنغام فيفالدي ولوحت بمنديلها إلى الأوركسترا المختلطة، تحييهم من بعيد علهم يرون جسدها المهتز وابتسامتها الطفولية، وهي تزاحم أجساد مصورين شباب اجتاحوا مقدمة المقاعد. بين توجس عبد القادر بوعزارة من عدم التكفل بالحضور، وفرحته المستترة في أعماق عينيه الصغيرتين، أثبت المهرجان أنه الأفضل من كل المهرجانات التي تنظمها وزارة الثقافة، بكونه احتفظ بوتيرة جمهور مرتفعة طيلة أيامه الثمانية، وفاء يجب على القائمين على الموسيقى أن يدرسوا ما حدث في قصر الثقافة كظاهرة اجتماعية وفنية، وأن تواكب مثل هذه الفعاليات بملاحظين في علم الاجتماع لاستقاء مواضيع بحث جديدة، تختلف عن المجتر في مذكرات التخرج. وفي الوقت الذي يطرح فيه المتتبعون للموسيقى الكلاسكية والسيمفونية أسئلة عن ما هية جمهور هذا النوع الإبداعي، هل هو طور الاندثار؟ انتماؤه الطبقي، مستواه التعليمي، معارفه ومشاربه الثقافية والاجتماعية؟ في الجزائر طفت إلى السطح ظاهرة ملفتة، تراكمت في السنوات الأربعة الأخيرة منذ ترسيم مهرجان الجزائر للموسيقى السيمفونية. إذ عرفت الدورات السالفة الاكتظاظ نفسه أيام تنظيمه بالمسرح الوطني، وغالبا ما كانت الأبواب توصد في وجه الناس، مقابل خيبة كبيرة تثير غضبهم. حاجة ملحة لدار أوبرا تليق بالمهرجان إن العدد الهائل للجمهور سهرة أول أمس، وأمام أعين وزيرة الثقافة خليدة تومي، يدعو إلى التساؤل عن حاجة الجزائر الملحة لأوبرا بالمقاييس الدولية، تستوعب مثل هذه التظاهرات، وتجنب وضع أوركسترات عالمية تحت خيمة، مهما اجتهد أصحابها في إعطائها وجها جميلا وتوفير شروط تقنية أصيلة، إلا أنها تبقى خيمة يمشي جمهورها على أرضية من ورق لوحي يحدث ضجة مزعجة حتى وإن مشيت على أصابع قديمك!! علما أن الجزائر ما تزال تنتظر تحقيق مشروع الأوبرا (منذ 2006) الذي يعتبر ثمرة تعاون وصداقة عريقة بين الجزائر والصين، وقد أعلنت تومي أن تكاليف إنشائه تقدر ب 30 مليون اورو وهي عبارة عن هبة من الصين. «درع القوة" و«كأس الصداقة" مسك الختام.. تحت قيادة المايسترو الأوكراني فلودمير شيكو، عزفت المجموعات الدولية المشاركة في الطبعة الخامسة لحنا واحدا، وعلى سلم مشترك تعالت أصوات الكورال المختلطة أيضا ورددت مقطوعات مشهورة بعد تدريب صارم من الجزائري عزيز حمولي والأوكرانية آلة شيكو. برنامج ثري وصلت إلى عشر معزوفات كانت عبارة عن فرجة بصرية وسمعية وسمعية أيضا، ومع أصوات أوبرالية من الدرجة الأولى، أدتها كل من الأوكرانيتان بوزنياك آلة (سوبرانو-ميزو)، تاتيانا أنيسيموفا (سوبرانو)، إلى جانب مواطنهما أندري رومانينكو (تيينور) والياباني ونغ فينغ (تينور). مساحات صوتية فائقة الجمال، واسعة الأفق، روت على طريقتها قصة "جيوكاندا"، و«سولا، بردوتا، أبوندونيتا"، ومع الكورال حضرت "كارمن" مجددا إلى المسرح، أما تشيكوفسكي فكان هناك ب "دام دو بيك"، وكذلك فاردي وليسانكو. توجت السهرة الختامية بجلسة لتبادل الهدايا والتكريمات، حيث تلقت وزيرة الثقافة خليدة تومي "كأس الصداقة" من يد مدير عام إذاعة أوكرانيا ورئيس الوفد السيمفوني المشارك في الدورة ال 5، فيما سلم شيكو "درع القوة" إلى محافظ المهرجان عبد القادر بوعزارة. أسماء جزائرية نالت هي الأخرى الاعتراف بقيمتها الفنية والأكاديمية على غرار فيرا ايت طاهر، عبد الكريم ندال، نصر الدين بوعتورة (عضو الأوركسترا الغرفة لأوركرانيا)، عبد الوهاب أمشيري، حسان لونيس وحسين بويفرو.