البطولة المغاربية المدرسية للعدو الريفي: المنتخب الجزائري يحصل على 6 ميداليات منها ذهبيتين    رسالة من تبّون إلى رئيس غينيا بيساو    استئناف النزاع بالكونغو الديمقراطية يُقلق الجزائر    شرفة يترأس اجتماعاً تقييمياً    نقل قرابة 6 مليون طن من البضائع في 2024    مؤسّسات ناشئة تقدم حلولاً مبتكرة    بلمهدي يُحذّر من الأفكار المشوهة والمدمّرة    رسائل صمود وتحدّي    الصحفية حيزية تلمسي في ذمّة الله    صادي: يجب أن نعمل بهدوء    غويري لاعباً لمارسيليا    بن ناصر يواجه بن موسى وزروقي    ثلوج نادرة    الشرطة تُحسّس..    الغاز يقتل عشرات الجزائريين    سايحي يلتقي نقابة الممارسين الأخصائيين    مؤسسة ميناء الجزائر تعلن عن فتح أربعة مكاتب قريبا    يوسف شرفة يترأس اجتماع عمل    الإطاحة ب 3 شبكات إجرامية وضبط 100 ألف كبسولة مهلوسات    الرئاسة تعزي عائلة المرحومة حيزية تلمسي    سايحي يلتقي أعضاء النقابة الوطنية للممارسين الأخصائيين    انتصار جديد لقضية الصحراء الغربية    ممتنّون لجهود الجزائر والرئيس تبون في دعم القضية الفلسطينية    "العميد" لتعزيز الصدارة و"الترجي" للاستفاقة    بن رحمة "سعيد" بالإمضاء لنادي نيوم السعودي    ضبط مراحل جائزة ساقية سيدي يوسف    9 دول تدشّن "مجموعة لاهاي"    الشعب المغربي يسجل انتصارا جديدا في معركته الشرسة ضد التطبيع المخزني-الصهيوني    دفعة أولى من الأئمة تتوجه إلى أكاديمية الأزهر العالمية    رئيس كوبا يشيد بانجازات الدبلوماسية الجزائرية بقيادة الرئيس تبون    القفطان القسنطيني.. يعانق عبق التاريخ الجزائري العريق    أتطلع لبلوغ العالمية بنافورات تنبض بالحياة    إعادة تشجير غابة جامعة "محمد بوضياف" بوهران    طاقة الأكوان والألوان    حبكة مشوقة بين الأب والابن والزوجة المنتظرة    12 مسرحية.. "من أجل فعل إبداعي مؤثر"    الإذاعة الثقافية تحتفي بالذكرى الثلاثين لتأسيسها    القوات البحرية تفتح أبوابها للمواطنين    التعريف بالفرص الاستثمارية المتاحة في الجزائر    صناعة صيدلانية: السيد غريب يأمر بالمعالجة المستعجلة للملفات الاستثمارية العالقة    نهب ثروات الشعب الصحراوي: مجلس الاتحاد الأوروبي يقر بعدم شرعية الاتفاقيات المبرمة بين الاتحاد والمغرب    السيد بوغالي يؤكد بأكرا أن الجزائر ستظل في طليعة الداعمين للتكامل الإفريقي    معرض "شوكاف" يكشف عن التطور الملحوظ لصناعة الشوكولاتة بالجزائر    تمنراست : إبراز دور الزوايا الكنتية في المحافظة على الهوية الوطنية وحسن الجوار    باتنة: إطلاق جائزة الشهيد مصطفى بن بولعيد للفن التشكيلي في طبعتها الأولى    العدوان الصهيوني: ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى ما يقارب 47500 والإصابات إلى أزيد من 111500    قمة التكنولوجيا المالية: مؤسسات ناشئة تقدم حلولا مبتكرة لمواكبة تطور التجارة الإلكترونية    الجمعية العامة العادية للفاف: المصادقة بالإجماع على الحصيلتين الادبية والمالية لسنة 2024    الحماية المدنية: تراجع في ضحايا حوادث المرور وارتفاع في وفيات التسمم بالغاز    هذه صفات عباد الرحمن..    هذا موعد ترقّب هلال رمضان    وزير الصحة يُطمئن الأطبّاء    840 ألف دينار تكلفة الحج لهذا العام    معسكر: الشهيد شريط علي شريف… نموذج في الصمود والتحدي والوفاء للوطن    الشعب الفلسطيني مثبت للأركان وقائدها    فتح باب الترشح لجائزة أشبال الثقافة    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الذكرى الخمسين لتهجير النوبيين: أركي.. التغريبة النوبية
نشر في الجزائر نيوز يوم 18 - 10 - 2013

النوبة.. ليست مفردة موسيقية عالية الإيقاع - كما يصفها الفنان الأسمر النوبي محمد منير - فحسب، بل هي حكاية حضارة ضاربة أطنابها في القدم.. النوبة أو "بلاد الدهب" هي حكاية مجتمع آمن عاش عاشقا ومعانقا للنيل، يمد له ألف ذراع ليستريح على جسده المتعب والمثقل بآلام الآلهة. يفيض فتُزف له عرائسا من جسد النور، لا من مجاز الأسطورة ولا من خيالات الرواة و«الحواة الذين يصنعون من الطين العجين ".
النوبة لون الأرض المسكونة بالخضرة.. وبخرائط الإخصاب.. أجنحة ترفرف على سماوات الزرقة اللامتناهية.. سيرة "كنداكة" التي بعثت لتتمم ما سقط من الرسالات.. النوبة عنوان النبع الممتد من الأعماق إلى الأعماق.. حين يشق دروب الإرواء والإغواء متحديا سطوة القحط وسلطة العطش. متماهيا مع سؤال الإنسان الأبدي.
فعلى ضفافه شيدت معالم إحدى أعرق الحضارات الإنسانية، وعلى جسد آدمه وحواءه وشمت حكاية لسان يعاند العدم، مهما تكالب عليه تتار اللغة وتأويل المعنى الوافد من صحاري الجدب. النوبة هي المعادل الموضوعي لأن تكون مختلفا.. بل أن تكون متشبثا بهذا الاختلاف الذي يحيل إلى الثراء الثقافي واللساني وتعدد روافد الحضارة.
وكان قدرا مأساويا أن تكون النوبة تاريخيا هي خارطة "العرائس" التي تزف دوما للنيل ولمن يبحث عن "الحياة" على حساب اختزال حياتها في عمق 60 مترا تحت الماء.. تغرق النوبة لتعيش على أنقاضها بقية الخرائط.. وليبقى النوبي شاهدا على أطلال حضارة كانت في الزمن ذاته، قائمة هنا. في هذا "الأركي"، لكنها النوبة أو بلاد الدهب ككل الأساطير.. أو كالتنين الأسطوري الذي ما إن تقص منه رأسا حتى أشاح لك بمئات الرؤوس العنيدة التي ترفض العدم. تولد من تحت الماء.. من عيون الصغار الشاخصة، من متاحف التاريخ.. من أجراس المعابد. من وادي الملوك. ومن عيون الآلهة في أبي سمبل. تولد.. تماماً كما تولد من عزيمة الصغار في "إحياء عابدين وامبابة القاهرية.. تولد من "وادي الشيطان" ومن تفاصيل الملائكة الصغار.
تستعيد أمجاد الذين قضوا نحبهم غرقا أو حرقا للأعصاب. يحملون على أكفهم حلم الأسلاف وإن سقطت اللغة سهوا من الألسن أو هوت التفاصيل الصغيرة من الأمكنة. فلم تسقط بعد السيرة من الذاكرة.
هي حاضرة في "الشاي النوبي" وفي "القرقوش". وفي "التار" الذي ينظم إيقاع الرقص على الأنقاض. لم تسقط السيرة من الذاكرة تماما كما لم تُسقط البشرة لونها والإيقاع مزاجه الخماسي والزفة عرائس السمرة والنيل.
هنا نقبض على حلم طازج بالتفاصيل، دافئ كخبز الصباح مكتمل الإشراق كفجر صيفي.. نشق معه رحلتنا نحو الجنوب بحثا عمن غاب هناك في زبد المياه الغادرة، التي غمرت عشرات القرى النوبية في ذات زمن أغبر طالما تغنى به المصريون لجهة انجازه المادي المتمثل في بناء السد العالي، على حساب مأساة انسانية لم تكتمل فصولها إلا بتهجير أجيال من النوبيين نحو صحاري التيه والموت.. هنا نخطوا مع "شادي الكاشف" بطل فيلم "أركي" الوثائقي الذي يستعيد طرح الأسئلة بكاميرا المبدع (وائل جزولي)، بحثا عن حقيقة تتخفى تحت زرقة النبع، نستعيد معه نبوءة "أمل دنقل" حين يقرأ أنجيل المفردات: الجنوبي يا سيدي.. يشتهي أن يكون الذي لم يكنه..
يشتهي أن يلاقي اثنين: الحقيقة والأوجه الغائبة!
أركي ببساطة "فيلم وثائقي" يحاول التنقيب عن الحقيقة في "التغريبة النوبية"، التي لم تطويها أمواج السد العالي، حيث معالم "المأساة" لا تزال شاخصة أمامنا.. ثلاثة أجيال لا تزال تتجرع مرارة "التهجير القسري" تستطعم قهوة الحنين الكامن. على أنغام أحمد منيب، "مشتاقين ياناس للبيت. لنبع الحبايب. لبلاد النخيل والغيط. هيعود اللي غايب. للحب الكبير. والشوق الكتير. مشتاقين لبلاد الدهب. ناذرين لما نرجع تاني. لبلاد الجمال الرباني. جوة البيت حنزرع نخلة. تطرح خير وتعمل ضلة. والعصافير تلقط غلة. في الحوش الكبير والرملة. دار الساقية في العصرية. نحكي حكاوي. والأفراح حتملي الناحية ويا غناوي". فهل تصدق نبوءة "منيب" والنوبيون يطوون خمسون عاما من "التغريب" والتهجير القسري، رغم وعود من بني "السد" بأن العودة ستكون حتمية بعد استقرار المنسوب؟! أم أن أمواج السد ستعصف مجددا بكل تلك الوعود، لعقود أخرى من الزمن. في ظل تخاذل السلطات الرسمية المتعاقبة عن تلبية "حق العودة" الذي يطالب به هذا الجيل المارد الذي كان جزءا لا يتجزأ من ثورة يناير المجيدة؟!
تلك أسئلة تستطعم مرارات السنوات الخمسين التي أكملت موسمها بحلول يوم أمس الثامن عشر من أكتوبر، لتعيد صياغة كل الأطروحات التي لم تبارح موقعها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.