في عالم كرة القدم، يمكننا أن نميز بين طائفتين من اللاعبين: طائفة من يصنعون التاريخ، وطائفة من يمثلونه. والأرجنتيني فرانشيسكو فارايو ينتمي بلا أدنى شك لتلك الطائفة الثانية، حيث كان هدافاً وعلماً بارزاً في المنتخب الأرجنتيني وفريق بوكا جونيور، وهو آخر لاعب يتوفى ممن خاضوا نهائي أولى بطولات كأس العالم التي أقيمت في أوروغواي. بدأ فارايو رحلته مع كرة القدم في نادي 12 أكتوبر، وهو أحد الأندية الصغيرة الواقعة في لوس أورنوس، وهي منطقة تابعة لمدينة لا بلاتا. واشتهر أيام كان يلعب باسم "المدفع الصغير" وكذلك باسم "بانشو". وهناك، رغم صغر سنه، قرر أن يجرب حظه مع إستوديانتيس دي لا بلاتا. فخاض ثلاث مباريات تجريبية أحرز فيها 11 هدفاً، ولكن المسؤولين في نادي 12 أكتوبر رفضوا التخلي عنه. لماذا؟ لأنهم كانوا يشجعون نادي خيمناسيا إي إسجريما لا بلاتا! وكما لفت الأنظار فانتقل من الفريق الثالث إلى الأول بعد مباراة تجريبية واحدة نال اهتمام خوان تراموتولا مدرب المنتخب الأرجنتيني الذي استرعى انتباهه ذلك الهداف القدير، فاستدعاه لينضم إلى الفريق الذي كان يستعد لخوض نهائيات أول بطولة لكأس العالم في التاريخ. ولم يخيب بارايو الآمال، فشمر عن ساعديه وأظهر كل ما لديه، وفاز بمكان في فريق كأس العالم. وكانت افتتاحية أهدافه في تلك البطولة في يوم 19 جويلية أمام المكسيك، وفازت الأرجنتين بكل سهولة 6-3. ولكن الفرحة لم تتم: فالإصابة الغادرة التي تعرض لها في مباراة الأرجنتين ضد تشيلي أضاعت عليه فرصة المشاركة في نصف النهائي وجعلت مشاركته في المباراة النهائية موضع شك. والتاريخ معروف: أنهت الأرجنتين الشوط الأول متقدمة 2-1 بهدفي كارلوس بيوسيلي وجييرمو ستابيلي، ولكن أوروغواي قلبت الطاولة في الشوط الثاني وفازت 4-2. وحتى الآن لم يفهم بارايو ماذا حدث حيث قال "لقد توقفنا، تلك هي الحقيقة. عاودتني آلام الإصابة بعد أن سددت الكرة فأصابت العارضة في فرصة كانت لتحسم الأمر. لم أعد قادراً حتى على المشي! وهنا بدأوا هم يزيدون من ضغطهم علينا، ونحن، مع كل الاحترام لزملائي، فقدنا فعاليتنا. كم بكيت ذلك اليوم! إنني أذكره ومازال يثير حنقي..." وفي العام التالي، انتقل بارايو إلى بوكا جونيور، النادي الذي سجل وهو يرتدي قميصه أكثر من 180 هدفاً. وهو بذلك يحتل مكاناً بارزاً في تاريخ النادي والمنتخب على حد السواء. كما أنه خاض مع المنتخب بطولة أمريكا الجنوبية عام 1937 التي انتهت بمباراة حاسمة درامية ضد البرازيل. واعتزل عندما كان في التاسعة والعشرين من العمر، في عام 1939، بسبب إصابة غادرة في ركبته. والآن؟ لم ينطفئ عشق كرة القدم في قلب فارايو. وعندما وُجه إليه مؤخراً سؤال حول عدد الأهداف التي أحرزها في سنوات احترافه مع بوكا جونيور، وهو الرقم الذي لم ينجح في تجاوزه إلا مارتن باليرمو، أفصح بوضوح وإيجاز قائلا: "هل يزعجني أن يتجاوزني؟ ... قليلاً. هل يعرف أحدكم هدافاً يفرح عندما يتم تجاوز رقمه القياسي؟ يسعدني أن يحرز باليرمو أهدافاً لأنه شاب مقدام، ولكن لا يروقني أن ينتزع مني هذا الرقم." يعتبر فارايو آخر اللاعبين المتوفيين من الذين شاركوا في بطولة كأس العالم الأولى عام 1930، وفي سنة 1994 منحه الاتحاد الدولي لكرة القدم وسام الشرف لإسهاماته في لعبة كرة القدم، وفي نهاية التسعينات قال فارايو دعابة بأنه سيعود عن الاعتزال من أجل أن يستعيد رقمه القياسي الذي كسره مارتن باليرمو، واحتفل اللاعب ببلوغ عامه المائة يوم 5 فبراير 2010، وقررت الحكومة الأرجنتينية إطلاق اسمه على أحد شوارع لابلاتا المدينة التي وُلد فيها اللاعب.