- بدون التداول على السلطة لا توجد ديمقراطية - لو ذهبنا للدور الثاني من الانتخابات التشريعية لصرنا نشبه حالة أفغانستان آنذاك - عدم استقرار الدول المجاورة يجدد مخاوفنا بوجود خطر محدق بأمن الجزائر - الشاذلي بن جديد استقال بمحض إرادته بدافع الحفاظ على استقرار البلاد ولم يلزمه أحد أكد المحامي والمجاهد علي هارون، خلال جلسة توقيع كتابه "الجدار" بمكتبة العالم الثالث، أول أمس السبت، أن حيثيات اغتيال محمد بوضياف، يمكن التطرق إليها بمزيد من الشرح والاعترافات، طالما مبارك بومعرافي على قيد الحياة. وأبدى المناضل أمله في إعطاء الملازم السابق فرصة للكشف عن أسرار قد تغير من الرواية الرسمية المعروفة. كتابك يروي النتائج الوخيمة للتجربة الإسلاموية في الجزائر، ويبرز قرار توقيف المسار الانتخابي آنذاك؟ كانت لنا تجربة مهمة في 1991، لأننا لو ذهبنا للدور الثاني من الانتخابات التشريعية، لوصلنا إلى حالة أفغانستان آنذاك، لما أُوقف الدور الثاني، عدد كبير من الديمقراطيين في أوروبا وغيرها اعتبروا ذلك سلوكا غير ديمقراطي، ونُصحنا يومها بمواصلة العملية الانتخابية واحترام ما أسفرت عنه صناديق الاقتراع، ومنح الحكم لصاحب أكثر الأصوات. لكن هل كان يمكن أن نكون ديمقراطيين مع أتباع "الفيس" وهم لا يؤمنون بها؟ هم يرون أن الديمقراطية لا معنى لها في الإسلام، وهم لا يحتكمون إلى نظام التشريع البرلماني، وينطلقون من فكرة وجود قانون إلهي قرآني، وبالتالي لم يكن "الفيس" مستعدا للعبة الديمقراطية. لهذا لما توقف الدور الثاني وجدنا حلا في إطار الدستور يتمثل في إنشاء المجلس الأعلى للدولة، الذي كان له دور مؤقت، لإتمام مهمة الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد. وفي أواخر جانفي 1994 أتمّ المجلس مهمته وترك المجال لاستمرار الحكم بشكل طبيعي، فقد اتفقنا كلنا في المجلس أننا مع فكرة التداول على السلطة، فبدون تداول لا ديمقراطية أبدا. في تصدير مؤلفك كتبت أن المجلس الأعلى للدولة، كان بمثابة الدرع الذي حمى الجزائر وأوصلها إلى بر الأمان، لكنك أنهيت النص بسؤال: عشرون عاما بعد ذلك، هل حققنا فعلا دولة القانون؟ نتمنى ذلك، لكن بصراحة ما زلنا مهددين في أمننا وسلامتنا. ما يحدث حولنا من عدم استقرار الدول المجاورة، يجدد مخاوفنا بوجود خطر محدق في الأفق، لهذا الحذر مطلوب للغاية. عدت في كتابك إلى قضية اغتيال محمد بوضياف، ما علاقة هذه القضية بتوقيف المسار الانتخابي، ما هي منطلقاتك لمعالجة المسألة؟ في كتابي عدت إلى تفاصيل اغتيال محمد بوضياف، وعبرت عن قناعتي بما جاء في كتاب الدكتور ريدوح. قلت أيضا طالما مبارك بومعرافي ما يزال على قيد الحياة، ثمة إمكانية ثانية للاستماع إليه، التعرف على مزيد من الأسرار والمعلومات، قد تفيدنا في فهم عملية الاغتيال في حق بوضياف، فكل شيء ممكن وقد نصل إلى حقائق جديدة. علما أنه ليومنا هذا لا نملك رواية أخرى لفهم أسباب اغتيال بوضياف. تطرقت إلى القضية مجددا بحكم معايشتي للظروف، وعلمي بحيثيات الأشياء في تلك الفترة. ولمعرفتي بأن بومعرافي الذي اغتال بوضياف، ما هو سوى اليد التي نفذت الحكم، ولكن من يقف وراءه؟ هل هي المافيا الاقتصادية؟ إذا كانت موجودة من هو زعيمها؟ ونحن لم نر أو نسمع بذلك الزعيم، طيلة عشرين عاما سالفة، على حد علمي. كما اقتنعت أيضا بتحليل الدكتور ريدوح الذي تابع الملازم نفسيا وعقليا، وألف كتابا مهما، شرح فيه الخلفيات الفكرية والنفسية لذلك العسكري لتنفيذ مهمته. وقد أخبرنا ريدوح، أن بومعرافي خضع لغسيل مخ، كان عضوا في الفيس، كان مستمعا وفيا لسيد قطب، وقد وجدت بحوزته أشرطة وكتبا للإخوان المسلمين، ناهيك عن الرسالة التي عثرت عليها في جيب بومعرافي، يشرح فيها دوافعه في العملية. تطرقت إلى الشاذلي بن جديد أيضا، وقلت إنه استقال من منصبه كرئيس جمهورية ولم يكن تحت أي ضغط؟ الشاذلي يقول إنه في 9 جانفي أعلن بصريح العبارة أنه يقدم استقالته، ولم يقل أن الظروف حتمت عليه ذلك. غادر الحكم، والتزم الصمت ولم يصرح بأي شيء إلا بعد تسع سنوات، في حوار مع "لوماتان" الجزائرية، صرح بأنه لم يكن تحت أي طائلة فوقية. وعامان قبل رحيله، تحدث إلى صحفيين يابانيين بنفس المعلومة، ولدينا اعتراف شقيقه مؤخرا الذي أكد بدوره أن بن جديد استقال ولم يُقل. شخصيا وكشاهد عيان، أؤكد أني تحدثت إلى الشاذلي، وسألته هل تعرض إلى إقهار ما، فنفى ذلك نفيا تاما. قال لي يومها: "كيف يلزمني أحدهم وقد كنت أنا رئيس الجمهورية والكل كان يخضع لأوامري، لم يلزمني أحد على الرحيل، بل رأيت من الحكمة بعد تصاعد الأوضاع أن أترك الكرسي، فاستقلت لنجد جميعنا حلا للأزمة". أما السيناريو الذي ألفته بعض الجرائد الفرنسية، وكأن الجنرالات هددته بالموت إذا لم يرحل، فهذا كذب وكلام فارغ. هل ننتظر منك مذكرات خاصة بحياتك ومسيرتك النضالية والسياسية؟ لماذا أكتب مذكراتي، كنت دائما وما أزال أدعو جيل 54 إلى كتابة شهاداتهم على الأحداث، وتدوين كل المحطات التاريخية، لتبقى رصيدا للأجيال القادمة. وأظن أني قمت بذلك بالشكل الذي أقدر عليه. أما أن أؤلف كتابا أحكي فيه متى ولدت، وأين، ومن هي أمي ووالدي، وعمتي... ومرضت باللوزتين في أحد الأيام، فهذا شيء خاص وشخصي لا يهمني، فالإنسان مهما كانت درجاته، يعيش تلك الحالات. المطلوب هي حقائق مهمة تفيد الذاكرة الجماعية. بحوزتك رصيد من الوثائق الأرشيفية الهامة، على غرار نسخة أصلية من جريدة "المقاومة" التي سلمتها لمركز الأرشيف الوطني، هل يمكن أن تكشف عن المزيد خاصة ما تعلق بفيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا؟ نسخة "المقاومة" هي الآن بصدد الرقمنة وإصدار نسخ عنها، فهي ملك الشعب الجزائري. أما فيدرالية فرنسا، فوثائق كثيرة موجودة بحوزة مناضلين، وقد لامست فيهم مؤخرا وعيا عميقا بضرورة الحفاظ عليها، إذ منحني البعض ما بحوزتهم، سواء منشورات أو مذكرات أو مقال.. لكن أرشيف الفيدرالية موجود عند الشرطة الفرنسية، التي تملك أعدادا هامة من الوثائق عندما كانت تقوم بعمليات التفتيش والحجز. أتمنى لو تطالب بها دولتنا اليوم، أو إيجاد طريقة للاطلاع عليها، أو الحصول على نسخ منها.