لا تخلو نهاية كل سنة ميلادية من احتفالات يستعد لها جزائريون حتى قبل أسابيع من حلول السنة الميلادية الجديدة، ولئن كان الجزائريون يفرقون جيدا بين الاحتفال بمولد المسيح، عليه السلام، وبين الاحتفال برأس السنة الميلادية الجديدة على اعتبار أن الأولى هي تقليد مسيحي والثانية هي احتفال كوني خال من الأبعاد الدينية، فإن العديد منهم يحتفل بحلول السنة الميلادية الجديدة وفق منطق بسيط يعتمد على إطلاق عنان التفاؤل بحلول مرحلة جديدة من الصحة الموفورة والنجاح العميم، وفق طقوس احتفالية ينظمها المهنيون من مدراء الفنادق ومسيري المطاعم والقائمين على وكالات السياحة والأسفار، بتفاصيلها الصغيرة والكبيرة وذلك وسط بداية انتشار فضاءات للمثقفين والعائلات والنخبة، تحاول تبديد الطابع الصاخب الذي تعرف به هذه الاحتفالات عادة في الجزائر وفي كل دول المعمورة أيضا. ويحب (أحمد. أ)، وهو مسؤول بالفيدرالية الجزائرية للفندقة، أن يعرف الاحتفال برأس السنة الميلادية الجديدة، الذي يصادف الليلة التي تفصل نهاية شهر ديسمبر من السنة المنقضية وبين الفاتح جانفي من السنة الوافدة، بكونه تعبير عن الانتقال من السنة المنصرمة، إذا كانت جيدة، إلى سنة أخرى وافدة، حيث يؤكد نفس المصدر الذي كان لديه احتكاك كبير بتنظيم مثل هذه المناسبات بحكم مساره المهني، أن الشخص عادة ما يحتفل بحلول السنة الجديدة إذا كانت السنة التي انقضت.. سنة جيدة والعكس بالعكس صحيح، كما يقول. لقد ظلت الفنادق في بلادنا ، منذ سنوات طويلة، أماكن مفضلة بالنسبة للكثيرين من أجل الاحتفال بهكذا مناسبة، ويعود السبب في ذلك إلى أن هذه الأماكن هي مؤسسات خدماتية مؤمنة جيدا ويمكن الاحتفال بها ضمن ظروف جيدة، ولقد انتشر هذا المنطق خصوصا خلال فترة التسعينيات التي عرفت تدهورا أمنيا غير مسبوق في بلادنا. وخلال السنوات الأخيرة لم تعد بعض المظاهر التي كانت تلتصق بالاحتفال بمولد المسيح، عليه السلام، على غرار شجيرات "الصنوبر" وقوالب الحلوى المستطيلة.. ظاهرة للعيان، وبدا وكأن الحملات التي شنها أساطين التيار الديني سواء بشكل مباشر، أو على نحو غير مباشر من خلال القنوات الفضائية، استطاعت إقناع الكثيرين بالبعد الديني المسيحي لمناسبة ال 25 ديسمبر من كل عام، غير أن ذلك لم يمنع الكثيرين أيضا من أن يباشروا احتفالاتهم، كل عام، بحلول السنة الميلادية الجديدة التي يرون فيها مناسبة كونية في اتجاه التفاؤل خيرا بحلول عام جديد مفعم بالنجاحات. ويضيف نفس المصدر، وهو أيضا الرئيس المدير العام لفندق "العباسيين" بالعاصمة، أنه منذ حوالي عشرية كامة فقد سجل تناقص بخصوص الاحتفال برأس السنة الميلادية على مستوى الفنادق، حيث أصبح الناس، كما يقول، يفضلون الاحتفال داخل منازلهم على مستوى المدن الكبرى وفي أجواء عائلية، مضيفا بأن الإعلان عن تنظيم هذه الاحتفالات أصبح مقتصرا على الفنادق الكبرى من حيث طبيعة التنشيط المقدم ومن حيث الأسعار وذلك لكون هذه الفنادق لديها الكثير من "الزبائن الأجانب". ويقدر ذات المتحدث بكون حوالي عشرين بالمائة، من الجزائريين المتعودين على الاحتفال بهكذا مناسبة، هم من يذهب إلى الخارج من أجل ذلك، ولئن كان الاحتفال برأس السنة الميلادية وفق طريقة منظمة لا يتطلب المبيت في الجزائر على اعتبار أن البعض يقيم هذا الاحتفال على مستوى المطاعم، فإن كلفة الاحتفال في الخارج تتضمن أيضا نفقات المبيت على اعتبار أن الاحتفال يكون خارج التراب الوطني. ويؤكد ذات المصدر أن أقل احتفال برأس السنة الميلادية يصل إلى 4 أو 5 آلاف دينار كسعر لوجبة متكاملة تتضمن عدة أطباق من مقبلات وغيرها ويمكن أن يصل السعر إلى 6 آلاف دينار، وفق ذات المصدر الذي يضيف بأن السعر يصل إلى مستويات أعلى في حالة المبيت داخل فندق حيث يكون هناك احتساب لسعر الغرفة في هذه الحالة. وتتخذ مستويات هذه الأسعار منحنيات أعلى بكثير وتصل إلى بضعة ملايين، وفق ذات المصدر، في حالة ما كان هذا الاحتفال على مستوى الفنادق الكبرى ذات الأربع والخمس نجوم، وذلك بالنظر، كما يقول، إلى ارتفاع مستوى الخدمات، التنشيط وبعض المكونات الأخرى التي يضمها الاحتفال، وأيضا من أجل انتقاء الزبائن، حيث يتم العمل في هذه الحالة على اجتذاب الزبائن الأغنياء، وعموما فإن النسبة التي تمثلها تجارة هذه الاحتفالات ضمن رقم الأعمال بالنسبة للمؤسسة الفندقية "ليس كبيرا"، لكن الغرض من تنظيم هذا النوع من الاحتفالات يبقى من أجل تدعيم صورة المؤسسة الفندقية وحتى إذا كانت الفنادق الكبرى مضطرة تقريبا إلى تنظيم احتفالات رأس السنة بتفاصيلها الكبيرة والصغيرة، فإن الفنادق البسيطة لا تكون مضطرة إلى ذلك ما يجعل "كل الفنادق تكون مملوءة عن آخرها" ليلة السنة الميلادية الجديدة وفق ذات المصدر. لاشك في أن العديد من الجزائريين يفضلون "شد الرحال" إلى دول أجنبية أو دول مجاورة شقيقة من أجل الاحتفال برأس السنة الميلادية، والأمر هنا يتطلب إمكانات مالية أكبر بالنظر إلى تكاليف الرحلات الجوية لكن هذه الفئة من الجزائريين موجودة بالفعل والهدف من طريقتها هذه في الاحتفال يشمل رؤوسا متعددة من الغايات تشمل الاكتشاف والبحث عن أجواء غير متوفرة هنا في الجزائر، وفق ما أكده لنا بعض المهنيين على صلة بقطاع السياحة. ربما كانت هذه الأجواء مرتبطة بالحرية الأوسع التي يجدها المحتفلون في الخارج في اتجاه إطلاق العنان لاحتفالاتهم، غير أن أعداد هؤلاء بالضبط لا يمكن معرفتها إلا بعد أسبوع على الأقل من انقضاء الاحتفالات وفق ما يؤكده نجاح بوجلوة الأمين العام للفيدرالية الوطنية للوكالات السياحية الذي يؤكد أن هؤلاء الذين يذهبون إلى الخارج من أجل الاحتفال برأس السنة الميلادية هم فعلا عديدون. ويؤكد ذات المصدر، في هذا الإطار، أن الوجهات الأجنبية عرفت تقلصا بفعل ما يحدث، وفي المقام الأول، كما قال، في مصر، أما بالنسبة لتونس فهي، وفقه، معروفة خاصة بالسياحة الاستحمامية فيها حيث لا يسجل إقبال، بشأنها، فيما يخص الاحتفال بأعياد رأس السنة الميلادية سوى من جانب القاطنين بالولايات الشرقية للجزائر، وخلال اتصال "الجزائر نيوز" بذات المتحدث، أكد لنا أنه بخصوص احتفال الجزائريين برأس السنة الميلادية، فإن "الميل موجود للقيام بذلك على مستوى المدن" مع وجود نشاط كثيف حاليا، وفقه، من أجل إعادة بعث السياحة الداخلية ولا سيما نحو أقصى الجنوب الجزائري، حيث ينتظر، خلال الأسبوع المقبل، توجه مجموعات من الشركات والمؤسسات العمومية نحو الجنوب بعد الاتفاق بهذا الشأن مع لجان الخدمات الاجتماعية لهذه المؤسسات، غير أن ذلك "ليس له علاقة بهذه الاحتفالات" وفق ذات المصدر الذي أكد لنا أن هناك إقبالا معتبرا على هذه العملية، ذات الصلة بترقية السياحة الداخلية، المفتوحة أيضا للمواطنين بشكل عام وفق تعبيره دائما. وتكشف سلاف فيتاتي، مديرة وكالة "جيسيكالا" الخاصة للسياحة والأسفار، عن الأسباب التي تجعل، وفقها، الجزائريين يفضلون الاحتفال برأس السنة الميلادية في الخارج بدلا من الجزائر وبالتحديد في مدينتي دبي، لندن وفي دول تشمل فرنسا ومصر وبولونيا، حيث تقول عن هذه الأسباب إنها تتعلق بوجود "خدمات راقية بأسعار منخفضة ومعقولة مثلما هو الحال بالنسبة للاحتفال في مصر" التي تقول عنها أنها "بالرغم من مشاكلها فإنها تبقى وجهة مطلوبة هذا العام، كما أن الأسعار المتعلقة بالاحتفال في أراضيها هي أسعار معقولة". وتؤكد ذات المتحدثة أنه بالنسبة للاحتفال برأس السنة الميلادية في الخارج فهناك طلب معتبر، حيث "يبقى العنصر الأول بهذا الخصوص هو توفر الأمن ثم عنصر الخدمات في المرتبة الثانية، ولذلك فإنه بالنسبة لتونس ومصر، فإن الطلبات ترتبط عادة بالمراحل التي تكون فيها القلاقل من عدمها، غير أن المواقع السياحية في هذه البلدان عادة ما تكون محمية ومؤمنة جيدا والذهاب إلى هذين البلدين لا يزال يتم بشكل عادي". ولم تفوت هذه المسيرة، العاملة في مجال السياحة والأسفار، الفرصة من أجل تنظيم احتفال برأس السنة الميلادية لفائدة الزبائن الذين يفضلون القيام بذلك في الجزائر، حيث أكدت لنا أنها أعدت بهذا الشأن احتفالا يضم عشاءا وفقرات غنائية في مطعم ببولوغين في العاصمة وذلك وفق طابع جزائري، كما تقول، حيث ينتظر تقديم أطباق جزائرية على غرار "الشوربة" و«البوراك" فضلا عن فقرات غنائية ينتظر أن يحييها المطرب الشعبي المعروف عبد المجيد مسكود. وتضيف ذات المتحدثة أن هذا الحفل سيضم مجموعة من الإطارات والسفراء الذين وجهت إليهم الدعوة بهذا الخصوص، حيث يهدف ذلك أيضا "إلى إعطاء واجهة جيدة للجزائر" فضلا عن معاني الالتقاء المثمر الذي من شأنه أن يحققه وجود إطارات من أفاق مختلفة ضمن مكان واحد. وبخصوص الأسعار، فإن ذات المتحدثة تشير إلى كون الاحتفال المشار إليه، الذي سيتم تنظيمه، يصل ثمنه إلى 8500 دينار للشخص الواحد وهو الثمن الذي تعتبره معقولا قياسا إلى ما هو موجود في أماكن أخرى، حيث يصل سعر الاحتفال، وفقها، إلى خمسة ملايين سنتيم للشخص الواحد على مستوى الفنادق الكبرى على غرار "الشيراطون" و«الهيلتون" وحيث تكون مكونات الاحتفال هناك أكثر وأرقى على غرار ديكور المكان نفسه ، أما في الخارج فإن "الأسعار تكون أقل إذا أخذنا بعين الاعتبار مستوى الخدمات، حيث يمكن قضاء 11 يوما في مصر مثلا بسبعة ملايين سنتيم للشخص الواحد وذلك مع وجود خدمات راقية ووجود مندوبين أو ما يعرف بالمرشدين السياحيين ومع وجود تأشيرة مجانية أيضا". كما تؤكد ذات المتحدثة أن "معظم الجزائريين يفضلون الاحتفال برأس السنة الميلادية في الخارج وذلك بسبب المعادلة التي طرفاها السعر والنوعية، وليس من أجل تغيير الجو لأنهم أصلا يعرفون بلادهم جيدا" كما تقول.