انطلاق أشغال الدورة غير العادية لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة بالقاهرة    عطاف يعقد بالقاهرة لقاء ثنائيا مع نظيره الموريتاني    المطالبة بمضاعفة الجهود لضمان ممارسة الشعب الصحراوي لحقه في تقرير المصير    زروقي يبحث سبل التعاون في مجال المواصلات السلكية واللاسلكية مع نظيريه الصومالي والموزمبيقي    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 48405 شهداء و111835 جريحا    المغرب: حرية التعبير أصبحت جريمة في البلاد في ظل التراجع الخطير للحريات العامة    الجزائر تعرب عن قلقها إزاء تفاقم الوضع الإنساني في فلسطين والإنتهاكات الممنهجة في الصحراء الغربية    رمضان 2025 : الديوان الوطني للخدمات الجامعية يسطر برنامجا خاصا لفائدة الطلبة    نشرية خاصة : أمطار رعدية مرتقبة على عدد من ولايات الوطن ابتداء من يوم الثلاثاء    وزارة التربية الوطنية تعلن عن رزنامة الامتحانات للسنة الدراسية 2025/2024    المهرجان الثقافي الوطني للعيساوة بميلة: انتقاء 14 فرقة وجمعية للمشاركة في الطبعة ال14    كرة القدم : انطلاق المرحلة الثالثة من تكوين مشغلي نظام حكم الفيديو المساعد "الفار"    جامعة باتنة 1 تتحصل على براءتي اختراع جديدتين    كرة القدم/ تصفيات كأس العالم 2025: المنتخب الوطني للإناث يباشر معسكره التحضيري تحسبا لمقابلة بوتسوانا    التلفزيون الجزائري يحيي السهرات الغنائية "ليالي التلفزيون" بالعاصمة    ضرورة تعزيز دور الجامعة في مجال الاقتصاد المبتكر    الرئيس تبون يقرر عدم المشاركة شخصيا في القمة العربية    باتنة تحي الذكرى 67 لاستشهاده البطل بن بعطوش    خنشلة : أمن دائرة بابار توقيف شخص و حجز مخدرات    باتنة : الدرك الوطني بالشمرة توقيف عصابة سرقة المواشي    إحباط تهريب كميات من المواد الغذائية    الأونروا) تعلن استمراريتها في تقديم الخدمات الصحية بغزة    الجزائر لها دور ريادي في مجال الذكاء الاصطناعي بإفريقيا    سعيود يترأس اجتماعا ليرى مدى تقدم تجسيد الترتيبات    الغذاء الأساسي للإعلام في علاقته مع التنمية هو المعلومة    غويري سعيد بقيادة مرسيليا للفوز ويشيد بثقة دي زيربي    مدرب بوتسوانا يتحدى "الخضر" في تصفيات المونديال    "سوناطراك"- "إيني".. رضا تام لمستوى علاقات الشراكة    الخطط القطاعية ستكون نواة صلبة لترقية الصادرات    قانون المنافسة لمكافحة المضاربة والاحتكار وحماية المواطن    دوريات تفتيشية مفاجئة على الإطعام بالإقامات الجامعية    البطل العربي بن مهيدي فدائي ورجل ميدان    حجز 2 مليون كبسولة من المؤثرات العقلية    بيوت تتحول إلى ورشات لإنتاج "الديول" و"المطلوع"    صيام بلا انقطاع بفعل الفزع والدمار    رئيس الجمهورية يستقبل نائب رئيس الوزراء الإيطالي    تكريم 12 خاتما لكتاب الله    السيادة للعروض المسرحية    إطلالة مشرقة على الجمهور بعد سنوات من الغياب    رمضان فرصة لإزالة الأحقاد من النفوس    عادل عمروش مدرب جديد لمنتخب رواندا    موسم الحج 2025: السيد سعيود يسدي تعليمات للتكفل الأمثل بالحجاج على مستوى المطارات    اليوم العربي للتراث الثقافي بقسنطينة : إبراز أهمية توظيف التراث في تحقيق تنمية مستدامة    المدية: وحدة المضادات الحيوية لمجمع "صيدال" تشرع في الإنتاج يونيو المقبل    فتاوى : المرض المرجو برؤه لا يسقط وجوب القضاء    وزارة الثقافة تكشف عن برنامجها خلال شهر رمضان    وزارة الثقافة والفنون: برنامج ثقافي وفني وطني بمناسبة شهر رمضان    كرة القدم داخل القاعة (دورة الصحافة): إعطاء إشارة انطلاق الطبعة الرابعة سهرة اليوم بالقاعة البيضوية بالعاصمة    كانت تعمل بيومية الجمهورية بوهران    يخص الطورين من التعليم المتوسط والثانوي    أوغندا : تسجل ثاني وفاة بفيروس "إيبولا"    عبد الباسط بن خليفة سعيد بمشاركته في "معاوية"    صلاة التراويح    مولودية الجزائر تعزّز صدارتها    ذهب الظمأ وابتلت العروق    بحث سبل تعزيز ولوج الأسواق الإفريقية    شهر رمضان.. وهذه فضائله ومزاياه (*)    العنف يتغوّل بملاعب الجزائر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مات بومدين
نشر في الجزائر نيوز يوم 27 - 12 - 2013

كنت في العاشرة من العمر، ما يعني أنني ومنذ جئت إلى الحياة (1968)، كان الرئيس الراحل هواري بومدين، رئيسا للبلاد، وليس غريبا ولا عجيبا أن يكون ارتباطي بهذه الشخصية كما ارتباطي بأقرب الناس إليّ، بحكم السن ذاك، وما كان يزرعه في وعينا كبار السن، حول الرجل وبطولاته ومواقفه، حتى بات أسطورة حية. وليسَ غريبا كذلك أن يكون مصابا فقده كمن يفقدُ أبا أو أكثر من أب: أذكرُ أنني كنت أبكي بحرقة وأنا أشاهد أبي ووالدتي وكلَّ أفراد عائلتي يذرفون الدموع، على غرار كل الناس، كأنهم فقدوا شيئا يستحيل تعويضه.
كنت يومها في الرابعة من التعليم الابتدائي، وإذ أسمح لنفسي بالحديث عن الرجل، فلن يكون من حقي إبداء رأيي في سياسته بأثر بُعديّ، لأن ذلك إجحاف واعتداء على الذاكرة، غير أنني أستطيع أن أنقل جملة من الملاحظات، عن الطفل الذي كنت (10 سنوات) عندما فارق المرحوم الحياة، وألحق بنفسيتي شعورا صادقا باليتم. نعم إنه اليتم: فعندما أقوم اليوم بجملة من المقارنات بين زمن طفولتي ذاك، وزمن أبنائي اليوم حيث يبلغ ابني البكر (10 سنوات) أشعر فعلا أن الزمن قد تدحرج كثيرا في السخافة وقلة الذوق.
كنت أقطن بحي بن بولعيد بالبليدة بإحدى عمارات (لي زاشالام) الموروثة عن العهد الاستعماري، الشققُ بها متراصفة وليست متقابلة، وبكل طابق كانت ثم "ردهة" مخصصة لرمي "القمامة"، بحيث لا يحتاج القاطن بالطابق الأول أو التاسع النزول تحت للغرض، وكانت أمي تحرص كثيرا على إحكام ربط الكيس حتى لا يفتح قبل بلوغه الهوة السحيقة، وكان الأمر يحدث ليلا، لأن "الشانبيط" إذا تفطن لأي إخلال في المسألة يعاقب المعتدين على المحيط والنظافة. وفي الصباح كانت شاحنة البلدية تجوب أسفل العمارات وتجمع "القمامة" ويقوم عمال النظافة برش "الديبارا" بأنواع من المبيدات. أما اليوم فإنني أقطن عمارة من عمارات عهد الاستقلال، إذ لم يفكر مهندسو هذه السكنات بوضع مثل تلك "الردهات"، وألاحظ بأسف أن القمامة صارت منظرا مألوفا، ولم يعد ثم "شانبيط" يعاقب الملوثين، ولم تعد البلدية قادرة حتى على رفع "القمامة". قد يقول القارئ: لكن ذلك من إرث العهد الاستعماري وليس من فضائل بومدين. نعم صحيح، ولكن بومدين حافظ على العادات الإيجابية الموروثة عن العهد الاستعماري في الحياة المدنية العامة، فإذا نزح ريفي إلى المدينة وجب عليه احترام مقتضيات العيش بالمدينة، ووجد أمامه "شانبيط" للغرض، يغرم كل تجاوزاته حتى تستقيم سلوكاته، وبالمقابل بنى لسكان الريف قرى اشتراكية للحد من نزوحهم، فجاء علينا اليوم الزمن، حيث لا المدينة مدينة ولا الريف ريف، واختلط الحابل بالنابل.
في ذلك الزمن الجميل، كنت أدرس "الفرنسية" عند "مدام" عبد الله، كانت تقطن بالعمارة نفسها، ولم أسمعها ولا مرة واحدة تتحدث بالعربية، لا في المدرسة ولا في الحي، فإذا صادفتها صاعدة أو نازلة أشعر بخجل كبير، بالكاد أجرؤ أن أقول لها إما "بونجور مدام" أو "بونسوار مدام" أما مدير المدرسة فكان ظهوره بالمدرسة من حين لآخر بمثابة "الرعب" الكبير والعقاب الأكيد إذا لم يكن المئزر نظيفا، والأظافر مقلمة، وكان حرصه أخذ صورة تذكارية كل سنة مع كافة الأقسام حدثا كبيرا للزملاء، وشرفا ما بعده شرف، لازلت إلى اليوم أحتفظ بتلك الصور، في حين لا يولي أبنائي اليوم أي حرص على صورهم التذكارية بالمدرسة، فضلا عن أمور أخرى أخجل من قولها في تعامل المعلمين مع التلاميذ والعكس: فهل يُعقل مثلا أن تلقن الفرنسية بالعربية، وأن تأتي المعلمة متأخرة بعد أن يدخل التلاميذ إلى القسم، أما المدير فلم يعد له أي حضور في "خوف" التلاميذ من عقابه لأي سبب كان. وقتها كنت أذهب إلى المدرسة مشيا على الأقدام من دون أن يرافقني أحد أفراد أسرتي، لكن أولادي اليوم لا يستطيعون، ووقتها كانت الدروس الخصوصية في سنوات الامتحانات المصيرية فقط وفي مواد بعينها للتقوية للتلاميذ الذين يعانون من صعوبة الاستيعاب، فيما صارت اليوم تشمل كافة المواد والأطوار، وحكرا على التلاميذ النجباء وأبناء ميسوري الحال.
في هذا السياق أذكر حادثة بغاية الرمزية، ففي بداية السبعينيات من القرن الماضي كان "خالي" رحمه الله (حسين) مجندا في صفوف الجيش، وكان والدي ضابطا قادما إليه من صفوف جيش التحرير، وهو من جنده ليضمن له لقمة العيش الكريم. ذات مرة جاء خالي إلى بيتنا بعد استفادته من "بيرميسيون"، وكنا على طاولة العشاء، العائلة كلها: الوالدان والجد والجدة والأطفال، فإذا بخالي يسرد علينا مغامراته بالجيش، فأخبرنا نحن الأطفال أنه كان يتحايل في غرس شجرة "السدّ الأخضر" وهو أحد أهم مشاريع بومدين لوقف زحف الرمال، إذ كان يعمد إلى غرسها من دون نزع "البلاستيك" بجذور الأشجار، لتموت الشجرة في مهدها، فثارت ثائرة والدي وطرده من البيت لكونه "خائنا" للوطن وللمسؤولية والثقة التي وضعها فيه بومدين، ومنع عليه الأكل والشرب بالبيت إلى غاية موعد عودته للثكنة، وهدده بتبليغ مسؤوليه ومعاقبته على هذه "الخيانة العظمى".
قضى خالي إجازته خارج البيت، يأتي متلصصا لشقيقته (أمي) دون أن يدخل، تضمن له ما تبقى من الأكل و«غطاء" يقيه من البرد في العراء إلى أن عاد إلى الثكنة. وفي المرة اللاحقة، جاءنا بحكايات عن تفانيه في غرس أشجار السد الأخضر، وعن ليالي "الحراسة" على الوطن، فأكرمه والدي، وقال لنا: هذا خال جدير بالاحترام، وزوجه أسابيع قليلة قبل وفاة بومدين، وصار ابنه البكر اليوم ضابطا في الدرك الوطني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.