كل التكهنات التي بشرت بنهاية بائسة ومخزية للرجل الأول في الأفالان عمار سعداني، ذهبت أدراج الرياح، وكل التنبؤات القائلة أن الرئيس بوتفليقة قد قرّر من خلال الرسالة الموجهة لنائب وزير الدفاع الفريق ڤايد صالح عقب مأساة تحطم الطائرة العسكرية والتي تم تأويلها من قبل الميديا وعدد من السياسيين على أساس أن بوتفليقة يكون قد نفض يده من سعداني بعد أن "تجاوز ما طلب منه" كان مآلها سوء النبوءة، وبتعبير آخر كانت نبوءات زائفة.. فالرجل المنبوذ من قبل خصومه ومن قبل المعلقين الإعلاميين تمكن من الاجتماع بأمناء محافظات الأفالان عبر الوطن في مقر الحزب بحيدرة وأعضاء المكتب السياسي الذين كانوا قد أمضوا عارضة لرحيله، وخرج من هذا الاجتماع سالما، بل وغانم تحت أنظار الصحفيين.. والأكثر من ذلك تم توزيع تعليمة على الصحفيين، سميت "بتعليمة رقم 04".. هل يعني ذلك أن أنصار العهدة الرابعة، ممن عبّر عنهم سعداني من خلال تلك الصدمة غير المسبوقة التي أحدثها في الساحة، وكان لها وقع رمي صخرة في قلب وادي متجمد وراكد أنهم يواصلون معركتهم إلى أقصى حد لكن بتطبيق معادلة "خطوتان إلى الخلف، خطوة إلى الأمام"؟!. محاولة تفسير تعليمة رقم 04 تتكون تعليمة رقم 04 الموجهة إلى "الأخت والأخوة أمناء المحافظات ورؤساء اللجان الإنتقالية للمحافظات" والموزعة على الصحفيين من حوالي مائة كلمة، وذكر فيها بوتفليقة ثلاث مرات، كرئيس للحزب ورئيس للجمهورية مرتين، وكمرشح الأفالان ومجاهد مرة واحدة والمؤسسة العسكرية مرة واحدة، والجدال السياسي مرتين.. وتلخص مضمونها في سبعة عناصر تمثلت في التالي: 1 غلق الجدال السياسي 2 حصر المداخلات والحوارات والتصريحات بالطابع النظامي للأفالان 3 توجيه التحضيرات الجارية لصالح مرشح الأفالان عبد العزيز بوتفليقة 4 دعم وتقدير المؤسسة العسكرية 5 تثمين دورها الريادي في حماية أمن البلاد والحفاظ على استقرارها 6 تحذير الأطراف التي تحاول استغلال الجدال السياسي لزعزعة الإستقرار 7 غاية هذه الأطراف تعكير صفو الحملة الإنتخابية على المستوى الشكلاني ينفرد الأفالان ببوتفليقة كرئيس للحزب كمرشح أساسي لا يمكن أن ينافسهم فيه قوى وزمر وأحزاب سياسية منخرطة في طريق العهدة الرابعة، ومنهم أرندي بن صالح وأويحيى، وحركة عمارة بن يونس المناوئ لسعداني وعمار غول القادم من العائلة الإسلاموية والمنضم إلى حاشية الرئيس، لكن أيضا الوزير الأول الحالي سلال الذي شكل لوقت وما يزال مصدر تهديد باعتباره كان مرشحا لأن يحتل منصب نائب رئيس في حالة استحداث هذا المنصب بعد تعديل الدستور الذي لم يتم تعديله قبل الرئاسيات 17 أفريل، نظرا للصراع الخفي الذي نشب بين العصب في سرايا النظام.. ويعكس ذلك أن الزمر الملتفة حول رهان العهدة الرابعة هي في الأساس غير منسجمة فيما بينها، لكن بوتفليقة في حاجة إليها كلها للقيام بوظائف ومهام وأدوار مختلفة قد تبدو من حيث الظاهر متصادمة ومتناقضة، ويعكس ذلك هذا المجموع من الموزاييك العصبوي، بحيث تلتقي عبره جماعات المصالح التي استفادت من حقبة بوتفليقة وتعاظم نفوذها، وجماعات النفوذ التي تستمد قوتها وشرعيتها واستمراريتها من بقاء بوتفليقة على رأس الحكم حتى وإن كان هذا الأخير في حالة لا تسمح له بالسيطرة على مقاليد الحكم كما كان في السابق.. وعلى مستوى مضمون التعليمة يمكن تسجيل الملاحظات التالية والتي يمكن إجمالها فيما يلي: أ غلق الباب الجدال السياسي، من كان وراء فتح باب الجدال السياسي وإشعال فتيله؟! في أي سياق حدث ذلك؟! ولماذا كان لبّ هذا الجدال السياسي يتمثل في "إخفاقات الإستخبارات" فهل يعني ذلك أن المهمة من إثارة هذا "الجدال السياسي" قد أتت بثمارها والمتمثلة في نزع الهالة الأسطورية لجهاز المخابرات رجله العتيد الجنرال توفيق الذي أصبحت صوره النادرة على الصفحات الأولى للجرائد بعد أن كانت شبه محرّمة ومحظورة، وكذلك أن الرجل العتيد، المثير للهيبة فرضت عليه برغم صمته أن تدخل صورته يوميا مجال الميديا إلى جانب صورة عمار سعداني المختزل في الخطاب الإعلامي ذي السيولة الإستهلاكية على أساس أنه "رقاص" و"طبال" في فرقة المغني الشهير المناعي.. ب إن رسالة الرئيس التي أولت على أساس أنها صفارة الحكم بإنهاء الجدال السياسي لم يقدم على إثرها رأس سعداني الذي أدى دور الوامانشو في هذه المسرحية ذات الطابع التراجيكوميدي، بل مازال حيا يرزق سياسيا.. ج إن سعداني لم يقدم اعتذارا للمؤسسة العسكرية، بل تحدى الجميع بهذا عندما صرح لوسائل الإعلام "أنه لم يكن معنيا برسالة الرئيس بوتفليقة". د إنه في تعليمته يحذر الأطراف التي تريد استغلال "الجدال السياسي" هل نفهم من وراء ذلك أنه يتحدث باسم من يدعمه أو يدعمونه، إنه يوجه رسالة تحذير إلى كل أولئك السياسيين والضباط السامين الذين انتقدوه وانتقدوا الدائرة التي يدعي تمثيلها في مستوى إدارة معركة كاميكازية لتحدّيهم من جديد باعتبار أنهم فاقدون لجزء مهم من ميزان القوة الحالي قيد التشكل على الأرض؟! ه وإذا كان سعداني من خلال وصفه الجدال السياسي "بالموضوع" الذي يريد الخصوم استغلاله بهدف تعكير صفو الحملة الإنتخابية، فإننا نستنتج أن حدود اللعبة التي أثارها سعداني قد توجت بالنجاح، ولذا لابد في الأيام القليلة المتبقية للحملة الإنتخابية أن تتصف بجو آخر يكون لفائدة أنصار العهدة الرابعة وبالتالي يتم قطع الطريق أمام تشكيل جبهة موسعة مناوئة ومعادية، خاصة وأن المبادرة في إدارة اللعبة لم يتم استرجاعها من قبل خصوم العهدة الرابعة الذين يعانون التشتت والإخفاق في الوصول إلى مرشح إجماع بديل ووقوعهم في فخ الإنتظار وأسر الإرتباك والحيرة السياسية...