هنا يمكن أن تصافح التاريخ بكلتى يديك دون عناء.. وأن تنفض ما علق بذاكرتك من أتعاب الرحلة، إنه شارع المعز، الذي لا يزال يحافظ على كامل أناقته التاريخية.. عبقها ورونقها وأصالة المعمار المنقوش بالتفاصيل.. في قلب القاهرة الفاطمية وبمحاذاة الجامع الأكبر، الأزهر الشريف (أهم معلم إسلامي - سني في العالم)، تلِج مثقلاً بسحر الحكايا المغوية، فمن شارع يعج بالمارة والباعة والمقاهي الساهرة في حي الحسين السياحي، تنعطف لتجد نفسك في مواجهة ألف عام ونيّف من عمر الزمن. ويعد هذا الشارع، من أهم الشوارع التاريخيه فى مصر، حيث تذكر الرواية التاريخية أن "جوهر الصقلي" الذي بنى القاهرة الفاطمية. قد صمم في السور الشمالي لها بابين هما باب النصر وباب الفتوح، وفى السور الجنوبي عمل بابين متجاورين تم تسميتهم ب باب زويله والمعز الذي توسع ليصيح شارعا رئيسياٍ، ويسمى بشارع المعز لدين الله. وقد تم بنائه على يد "جوهر الصقلي" عام 969 بأمر من الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، الذي كان يحكم من "المنصورية" في المغرب، بهدف جعل القاهرة عاصمة للدولة الفاطمية، بعد تضعضع قوة العباسيين. ويضم هذا الشارع، الذي تم ترميمه في عام 1998 بالتعاون بين وزارة الثقافة المصرية في عهد فاروق حسني ومنظمة اليونيسكو، يضم 33 أثرا تاريخيا قائما، مصنفا في قائمة اليونيسكو للمناطق الأثرية منها ستة مساجد أثرية، سبع مدارس، مثلها أسبلة، أربعة قصور، وكالتان، ثلاث زوايا وبابان هما: "باب الفتوح وباب زويلة" وحمامان شعبيان ووقف أثري. ويعده الأثريون، كأحد أهم المقاصد الأثرية القائمة في العالم، نظرا لاحتوائه على تحف أثريه من العصور الوسطى ومن العصر المملوكي بالذات.. ولا يزال هذه الشارع يحافظ على تلك الخصوصية التاريخية بدءا من المسميات ووصولا إلى المعالم . فالشوارع لا تزال تحمل هويتها الاولى : باب الفتوح و- أمير الجيوش - النحاسين - بين القصرين و- الصاغه و-الاشرفيه - العقادين -المناخليه و-المنجدين -السكريه. وهي ذات العوالم التي استوحى منها الروائي العالمي نجيب محفوظ ثلاثيته (قصر الشوق - بين القصرين - والسكرية). أما المساجد والمدارس التي لا تزال قائمة فهي على التوالي: جامع الحاكم بأمر الله، جامع سليمان أغا السلحدار، جامع الأقمر، جامع السلطان قلاوون، جامع المؤيد، جامع الأشرف برسباي، بالإضافة إلى مدرسة الظاهر برقوق والمدرسة الصالحية، المدرسة الكامليه، مدرسة الناصر محمد بن قلاوون، مدرسة وسبيل السلطان الغوري، وكالة قايتباي، بيت السحيمي، سبيل عبد الرحمن كتخدا، قصر الأمير بشتاك، تربة الصالح أيوب، حمام المؤيد وغيرها. بالاضافة إلى كل ذلك، لا يزال المعز يحتفظ بطابعه التجاري، خاصة النشاط المتعلق بالطابع التاريخي، فالنحاسين لهم ناصيتهم المترامية الأطراف.. يمارسون فيها مهنة توارثوها أباً عن جد، وكذلك حرفيي النجف والإسطوانات العتيقة، والمنجدون يطرزون أفرشة وأرائك وثيرة بطابع يعود إلى سنيناً خلت. أما المعمار فهو الشاهد الآكبر على تاريخية المكان بكل ما يحمله من إرث ونقوش وكتابات تؤرخ وتوثق للفترة الفاطمية في قاهرة المعز.. لن تترك المكان حتما في حال زرته دون أن تتوقف لدى أحد أشهر محلات المشروبات الطازجة وليكن الخيار "عصير قصب - عرقسوس- تمر هندي" لتكتمل لديك صورة الرحلة نحو التاريخ.