نظّم فضاء "بلاصتي" لجريدة "الجزائر نيوز"، أول أمس، ندوة حول الأطر والأشكال الكلاسيكية للصراعات الاجتماعية والسياسية، أدارها لزهاري لبتر، بمشاركة كل من كريم طابو السكرتير الأول السابق لجبهة القوى الاشتراكية والناطق الرسمي الحالي للاتحاد الديمقراطي والاجتماعي، والمحامي العيد زواوي مناضل يساري، إلى جانب الصحفيين سمير لعرابي الناطق الرسمي للجنة الوطنية للدفاع عن حقوق الشباب البطالين، ومزيان عبان العضو بحركة "بركات"، إلى جانب أعضاء من حركة بركات كانوا ضمن الحضور. طابو: الأحزاب السياسية تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية تجاه الوضع الراهن بالبلاد اعتبر كريم طابو، السكرتير الأول السابق لجبهة القوى الاشتراكية، والناطق الرسمي الحالي للاتحاد الديمقراطي والاجتماعي، أن المعارك هي التي تحرّك التاريخ، وأنه لا يمكن أن نقيس بدقة الآثار الثقافية، الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية للنضالات التي حدثت. وقال طابو، الذي استهل النقاش، إنه يعتبر نفسه "شابا جزائريا لديه رأس مال سياسي مهما، كان لدي شرف التعرف عن قرب على رجلين عظيمين هما المرحوم عبد الحميد مهري وحسين آيت أحمد". وأضاف "لست خبيرا سياسيا، بل رجل ميدان واجه عددا من الظروف، ناضلت في حزب سياسي أكد بصورة واضحة أنه حزب معارض، وهو ما كان السبب الأول لانخراطي في هذا الحزب". واعتبر طابو أن كل النضالات تعبّر عن وجود نية في تغيير النظام القائم أو تعديله وهذه المعادلة -حسبه- تقود إلى التساؤل حول الوسائل، الاستراتيجيات والأهداف، وقال "هنا تحضرني مقولة لأولوف بالم: عندما لا نملك الوسائل، يجب أن نتوفر على قدرة عملية لاختلاق الأساليب". وأضاف أن الأساليب الكلاسيكية للصراعات تستدعي التكيف والتأقلم المادي والمعنوي، "حتى تكون لدينا القدرة على العمل والتأثير في الوقت المناسب". واعتبر الناطق الرسمي للاتحاد الديمقراطي والاجتماعي، أن الصراع السياسي الذي يخوضه تتمثل حدوده في: تجنب الانقسامات السياسية الكاذبة، والالتزام بالقضايا الاجتماعية والثقافية، وتجاوز الأنانيات. واعتبر طابو أن الأحزاب السياسية تتحمّل جزءا كبيرا من المسؤولية تجاه الوضع الراهن بالبلاد، وقال في هذا السياق "صحيح أن الأحزاب السياسية عرفت مؤخرا تغييرات طبيعية، ولكن دون أن تشمل هذه التغييرات انخراطا مهما من الشباب، نلاحظ اليوم خيبة أمل من الشباب تجاه الأحزاب والتنظيمات السياسية، لم يعودوا يثقون في رجال السياسة، الأمر الذي انعكس سلبا على الأداء السياسي في البلاد. نعيش في بلد يستخدم إمكانيات تكنولوجية، لكنه يسير دائما بقانون الغاب". وأضاف أن "النظام الحالي حتى يضمن بقاءه يستخدم الريع النفطي للبحث عن اعتراف خارجي وتقوية شرعيته داخليا". واستنكر السكرتير الأول السابق للأفافاس، الحالة التي يتخبط فيها حزبه السابق قائلا "مع الأسف، نجح النظام في ضربته، إننا نعيش في جمهورية تسحق جمهورها. لقد حان الوقت لجمع صفوفنا بعيدا عن الانشقاقات والطائفية، قوتنا تكمن في اختلافنا. في كل مرة نطالب بالحرية، يخرج النظام كل وسائله لتكميم الأفواه، ولكن يجب عليهم أن يعرفوا شيئا، أن الأمور تطورت وأننا لم نعد في التسعينيات". مزيان عبان: "الجيل الجديد من المناضلين لم يكن مؤطرا" اعتبر الصحفي عبان مزيان، العضو بحركة "بركات"، أن الجيل الجديد من المناضلين لم يكن مؤطرا، ولم تكن لديه ثقافة نضالية. وقال عبان، في مستهل مداخلته، "أنا أنتمي إلى جيل جديد شاب من المناضلين، غير أن هذا الجيل لم يكن مؤطرا، ولم تكن لديه ثقافة نضالية من قبل"، مضيفا "أذكر أننا جميعا كنا منخرطين في منظمات شبابية تضم شبابا بطالا، وكان الدكليك الذي افترقنا على إثره عندما أصبح الحديث عن الانتماءات الإيديولوجية". وتحدث مزيان عن الحركات السابقة التي تعرضت للاختراق من طرف النظام، الذي لعب دورا في بروز أزمة الثقة، مؤكدا أن هذه الأخيرة تعود أساسا لكون الشعب عرف عدة تجارب، مما جعله لا يثق في أي طرف. كما أوضح أنه لا يؤمن بالتغيير واسع النطاق، لأن النظام -حسبه- يفضل قيادة التغيير في إطار حركة معينة، حتى يسهل عليه التحكم فيها، مستدلا في ذلك بحركة العروش، عندما أحس النظام بخطر توحد المحتجين بمنطقة القبائل مع أبناء الجنوب والشرق، فعمل كل شيء من أجل إجهاضها، مما حوّل حركة أبناء الجنوب إلى التطرف، بعد أن كانت حركة مواطنة سلمية، ثم اتجهت فئة منها إلى حمل السلاح. واعتبر مزيان أنه كان ممكنا في 2011 استعمال وسائل أخرى للنضال "ولكن أعتقد أن شباب اليوم لديه طريقته الخاصة في الاحتجاج. أذكر أنه في تونس ابتكر الشباب طريقة طريفة لمعارضة حركة النهضة، التي بدأ نجمها في البزوغ، حيث نزلوا إلى الشارع حاملين لافتات كتبوا عليها "إذا تكره النهضة زمر" بمعنى أطلق العنان لمنبهات السيارات للتشويش على حركة النهضة"، مضيفا "جئت من باتنة أين وجدت حركة "بركات" محلية يقول أصحابها إنه لا علاقة لها بحركة "بركات" في العاصمة، كما رأيت طريقة أخرى في الاحتجاج، حيث يحضر الأولياء أبناءهم للتظاهر، أين يرفع كل ولد أو بنت لافتة يكتب عليها ما يحلم به". كما أكد العضو في حركة "بركات" أن هذه الأخيرة لم تولد من العدم، وإنما هي ثمرة صراع مستمر منذ الاستقلال، لذلك فهي "صراع داخلي قبل أن تكون صراعا خارجيا، يهدف إلى التخلص من الجهوية، بحيث ما تراه من مطالب في الجنوب ليس بالضرورة هو ما تراه في الشمال، لأن الناس ما زالت لا تعرف بعد طبيعة المناطق الأخرى، فقبل أن نقوم بحركة ما، يجب معرفة طبيعة كل منطقة حتى تعود الثقة بين الجميع". وتكلّم عبان مزيان عن الأحزاب السياسية، حيث قال "الكثير يقولون إن الجزائريين سياسيون ولكنهم ليسوا متحزبين، هذا أمر طبيعي جدا، فقد تنقلت إلى عدة مناطق وولايات عندما تكون احتجاجات أو أحداث، ولم يسبق لي خلال كل تنقلاتي أن رأيت ممثلا واحدا عن حزب سياسي قام بزيارة أي من هذه الولايات أو تحدث مع المحتجين ليقف على معاناتهم ويعرف مطالبهم"، مضيفا "إذا كانت الأحزاب السياسية لا تهتم بالأحداث الجارية، وبمعاناة المواطنين، فكيف يريدون من الجزائريين أن يصبحوا متحزبين"، معتبرا أن الأحزاب لديها دور يجب أن تلعبه. زواوي: "الجزائر اليوم تسيّر من قبل وكلاء الشركات متعددة الجنسيات وأي سكوت يعتبر خيانة عظمى" من جهته، اعتبر المحامي العيد زواوي خلال مداخلته، أن الجزائر اليوم تسير من قبل وكلاء الشركات متعددة الجنسيات، مهمتها "منع أي تطور أو تنمية في البلاد وبيع البترول وفتح الأسواق لأسيادهم، لكن الآن أحس أن الأمر أصبح أخطر بكثير من هذه الوضعية، لأن الميدان مفخخ وملغم". وتصور زواوي أن البلاد هذه الأيام من الناحية الأخلاقية "لم يسبق لنا أن تصورنا بأن الجزائر يمكنها الوصول إلى هذا الحد"، معتبرا أن كل جزائري شريف، مهما كان توجهه، فإن سكوته يعتبر "خيانة عظمى، لأن الوضعية تتمثل في عصابة من المرتشين يفرضون علينا إنسانا معوقا عن طريق التزوير، ويفرضونه علينا من أجل حماية اللصوص الذين ما قاموا به في الجزائر أمر لا يمكن تصوره، دون أن أذكرهم بالأسماء لأنهم معروفون". واعتبر المناضل اليساري أن البلاد في أيد غير آمنة "مفخخة ملغمة"، وأن السؤال الذي يطرح على الشرفاء: "ما العمل؟"، مضيفا "نستطيع أن نختلف في التفاصيل، ولكن إنقاذ الجزائر أمر لا بد منه ولا يحتاج إلى نقاش"، مبرزا أن القضية المطروحة الآن هي كيفية تأطير الحركات الجديدة التي تضم نخبة من المثقفين والمتعلمين، لأن البلاد -حسبه- ذاهبة إلى الهاوية، حيث أكد أنه "يجب أن نساهم كنخب في تأطير مجتمعنا، عن طريق المبادرة بجمع الشرفاء في هذا البلد لإنقاذه من الهاوية التي يتجه إليها، ثم ننظم أنفسنا لبناء الجزائر المقبلة". سمير لعرابي: "لا يمكن القول إن الأحزاب السياسية وصلت إلى حدودها التاريخية" اعتبر الصحفي سمير لعرابي، الناطق السابق باسم اللجنة الوطنية للدفاع عن حقوق البطالين الجزائريين، أنه لا يمكن القول إن الأحزاب السياسية وصلت إلى حدودها التاريخية، لأن الحركات الاجتماعية والسياسية -حسبه- "تسعى للترويج عن نفسها، وهذا هو اهتمامها الأكبر، لهذا فإن الناس سئموا من كل ما هو متعلق بالسياسة، الأمر الذي يجعلهم يفضلون منطق العنف على منطق الأحزاب السياسية"، وهذا -يضيف- عكس الحركات الاجتماعية التي يتوفر فيها التكوين، من طرف القادة والقدماء، لفائدة المنخرطين الجدد، الأمر الذي لا يوجد اليوم في الأحزاب السياسية، لهذا لا يوجد اليوم خلف حقيقي في هذه الأحزاب التي وصلت إلى حدودها القصوى. لكن أعتقد أن هناك مصلحة مشتركة بين الوسائل القديمة والجديدة للصراع السياسي، لذلك لا يمكننا الحديث عن الحدود التاريخية". واعتبر لعرابي أن التغيير يمكنه أن يحدث من خلال الحركات الاجتماعية، ولكن "هذه الحركات ما زالت جديدة، وبالتالي لا يمكن الحكم عليها الآن، لكن الشيء الأكيد هو أن مصالحنا مشتركة بالرغم من توجهاتنا وانتماءاتنا المختلفة"، مضيفا أن "الثورة المعلوماتية ليست هي من قام بالثورات العربية، ولكنها فقط ساهمت في وجودها وانتشارها". أميرة بوراوي: "حان الوقت ليسلموا المشعل قبل فوات الأوان" من جانبها، اعتبرت أميرة بوراوي، أحد الأعضاء الفاعلين في حركة "بركات"، والتي كانت ضمن الحاضرين، أن البلاد اليوم تعيش حالة جد متوترة، قائلة إن "حفنة قليلة تحتجزنا كرهائن منذ زمن طويل، وتريد دفعنا نحو الحراك العربي. يجب أن يتركوا السلطة، ويدعوا الكفاءات تحكم، لقد سئمنا من هذه السلطة. دعوا الشباب يعيشون أحرارا، 50 سنة بركات. حان الوقت ليسلموا المشعل قبل فوات الأوان. في كل مرة يلوحون لنا بالتهديد الخارجي وباليد الخارجية، أقول لهم: أنتم من يمثل الخطر الأكبر على البلاد، ليس هناك أي خطر يهدد البلاد مثلكم"، وهي الكلمات التي قابلتها تصفيقات حارة من الحاضرين.