استضاف لقاء "موعد مع القافية" بنادي الإعلام الثقافي ب«الأطلس"، مجموعة من الشاعرات اللواتي نثرن كلماتهم الشعرية الجميلة والرقيقة: عفاف فنوح من العاصمة، منيرة سعد خلخال من قسنطينة، نصيرة مصباح من ولاية سكيكدة وراوية يحياوي من تيزي وزو، التي التقيناها في حوار تناول تجربتها الأدبية والواقع الثقافي والنقدي والشعر النسوي في الجزائر. احتفت راوية يحياوي في كتاباتها النقدية "بالإنتاجات النسوية" للمرأة الشاعرة وأحاسيسها المصاغة من خلال اللغة التي أتت، لتخلخل الثوابت السائدة وتتمرد على سلطة النموذج التقليدي، عبر قراءاتها النقدية للشاعرات المميزات اللواتي حاولن ابتكار لغة شعرية خاصة، واختراق النص الشعري الجزائري الجديد، وفي صياغة الأبنية وتجديد المعاني لتشكل نصوصهن، مشاريع مفتوحة تتولد داخلها الكثير من المعاني الجديدة للحداثة. كناقدة أدبية وأكاديمية، اشتغالك النقدي لأي درجة أضاف إلى لغتك الشعرية؟ في الحقيقة، ليس النقد هو الذي أثر وإنما القراءة الكثيرة هي التي أثرت، وهذا ما أدخله في نص يملك ذاتي إذا كان النص الشعري هو لغة عليا وهو كينونة من اللغة، فالذي أضاف إنما هو قراءاتي الكثيرة لروايات وقصص وأشعار قديمة، ومعاصرة النقد لم يؤثر في نصي الشعري، بالعكس أنا عندما أتحول من الإبداع إلى النقد أحس أنه تحول من القلب المركب إلى العقل المركب، هو تحول من شاعرة تملك رهافة حس، تملك تجربة شعرية إلى عقل مركب يملك آفاق إبداعية ومعرفية، إذاً بالنسبة لتجربتي كلاهما يتكاملان ولكن لا يؤثر أحدهما على الآخر.. بالعكس القراءة الكثيرة تؤثر على النص الشعري كي يمتلك خلفية عميقة وهو يتغذى من روافد عديدة ومنها النقد. كيف ترين عموما في المشهد الجزائري التفاعل بين النقد الأدبي والنص الإبداعي ؟ أنا متأكدة أن النصوص الشعرية الجزائرية الإبداعية تطورت نتيجة أن هناك متابعة نقدية، لأعطيك مثالا: طبيعة الملتقيات الدولية تجمع بين النص الإبداعي والمحاضرات النقدية، فالشاعر عندما يتابع محاضرة ترصد نقديا نصوصه الإبداعية، تحرضه ليحاول أن يطبق الأدوات في الاشتغال على نصه ويحسن لغته ويكتب الأفضل.. في المشهد الثقافي أعتقد إنه الآن هناك تكامل بين النص الإبداعي الشعري والعمل الأكاديمي النقدي، وعندما نقرب النصوص الشعرية الجزائرية إلى الجامعة، فأنا متأكدة أننا نذهب بالمشهد الشعري الجزائري إلى الأمام.. لماذا ؟ لأن هذا النقد سيساهم أيضا في البحث عن الجودة عندما يشعر المبدع أن العمل النقدي الحقيقي لا يريد نصوصا مريضة، سيسعى إلى نص إبداعي جيد ومغاير. عبر دراساتك النقدية.. من هي الأسماء الشعرية النسوية في الجزائر التي أغرتك بمقاربتها نقديا؟ حاليا هناك أسماء كثيرة، وقد أشتغلت كباحثة وأكاديمية على نصوص نسوية لشاعرات مثل نوارة لحرش وعفاف فنوح وحنين عمر وغيرهن، وقدمت مدونات نقدية عديدة شاركت فيها بملتقيات أدبية كان آخرها هذا الشهر بملتقى في واد سوف حيث ناقشت فيه صورة المدينة كيف تتجلى في الشعر الجزائري النسوي المعاصر، قرأت فيه نقديا نصوصا لشاعرات جزائريات.. وأيضا في مهرجان الشعر النسوي بقسنطينة الذي شاركت عبر طبعاته بأبحاث نقدية منها «غواية السرد وحكائية في المنجز الشعري النسوي»، في الأعوام الأخيرة مثلا، انتبهت ليس فقط إلى الشعر النسوي الجزائري وإنما الشعر الجزائري بصفة عامة حتى الشعر الذكوري. لا أريد الآن أن أُقَسّمْ وليس هذا الذي أقصده، ولكن من باب التصنيف الأكاديمي فقط وطبيعة الموضوعات فقط، هو ما جرني لأضع هذه التقسيمات، أما مسألة النص، فهو نص حاضر كوجود لغوي وكوجود تصويري وكوجود إيقاعي ولكن التجربة الشعرية الجزائرية النسائية نقاربها نقديا من باب أن نأخذ هذه التجربة إلى يوم تفرض فيه نفسها ويصبح النص مكتفيا بذاته. وكيف تقيمين الكتابة النسوية الشعرية الجزائرية ؟ التجربة الشعرية النسوية الجزائرية وليدة السبعينات من القرن الماضي، ونشطت قليلا في الثمانينات، وليزدهر نشاطها في التسعينات، ولكن لو نفكر في عمر هذه التجربة مقارنة بالتجارب العالمية وحتى التجارب العربية، كتجربة نازك الملائكة والعديد من الشاعرات اللواتي غيرن مسار النص الشعري العربي، نرى أنها متأخرة بحضورها كتجارب مكتملة. هل السبب أن الخطابة كانت مسيطرة على الحالة الشعرية ؟ ليس أن الخطابة هي المسيطرة وإنما الثقافة الساذجة، والثقافة الساذجة تولد نصا هشا ونصا لا يموقع قيمه.. الفتاة نشطت في العلم وفي المعرفة وخرجت إلى الجامعة وواصلت الدراسات العليا.. النص الشعري تثقف وموقع نفسه لأنه اللغة العليا، وهذه اللغة العليا أو الكينونة اللغوية، هي التي تتجاوز الزمان والمكان وإذا لم تثقف لن تحقق وجودها.. والشاعر هو الذي ملك اللغة العليا ومعرفة القول، وغامر في اكتشاف المجهول، يظل يخيط للوجود المتجدد قمصان المعنى، وهو نبي الأفكار يلاحق ما لم يكن ليقوله. حوار محمد عبيدو بروفيل الشاعرة الدكتورة راوية يحياوي: من مواليد سنة 1968 بالشرفة ولاية البويرة، خريجة معهد الآداب واللغة العربية بجامعة تيزي وزو سنة 1990، حازت شهادة الماجستير سنة 2000 عن بحث حول: بنية القصيدة في شعر أدونيس ورسالة الدكتوراه ببحث حول شعر أدونيس من القصيدة إلى الكتابة. أستاذة بجامعة مولود معمري بولاية تيزي وزو منذ 2001، صدر لها: - كتاب نقدي بعنوان "شعر أدونيس - البنية و الدلالة" عن إتحاد الكتاب العرب بدمشق سنة 2008، تتناول فيه بدراسة مكثفة موضوعة البنية والدلالة في شعر أدونيس، حيث تركز الدراسة على عامل اللغة بداية وكلياً، كونها هي هاجس العمل الفني وظاهرته الأولى، منذ البدء ومع الشعر الحديث، وقامت الكاتبة بوضع فصول كتابها، ففي الفصل الأول يدخل مفهوم بنية اللغة الشعرية من حيث لغة الغياب والثنائيات الضدية والمعجم الشعري، ويتضمن الفصل الثاني : بنية الصورة الشعرية من حيث التكثيف والتفاعل النصي والرمز والأسطورة، ويتمحور الفصل الثالث حول بنية الإيقاع الشعري وهندسة القصيدة من حيث الإيقاع متضمناً: الوزن، القافية، التكرار والتدوير ثم خاتمة البحث بهندسة القصيدة. - ديوان شعري بعنوان: "ربّما" عن جمعية الجاحظية سنة 2007، ومؤخرا صدر لها ديوانها الثاني "كلك في الوحل وبعضك يخاتل" عن وزارة الثقافة ومنه نختار هذه المقاطع : يمكنني الآن أن أنزوي خارج الوقت استردني وأختار من عثرات العمر ما أشتهي من شقوق وأخيط لكل ملامحي ما يشبهني برذاذ الكلام *** كلما رف جفن أوصد القلب رؤاه هتف النعل بدربه يسترد خطاه هكذا ... للكون بهاه لغمام الفيض سناه كلما أوغل الجواب في سؤاله استرد كفن الوجود يا صديقي منتهى الوجد سدرة الكون وافول الحدود هؤلاء الناس راحوا يرجمون السفح فجرا يملأون الكف شوكا ثم يهوون ومداك كان يروي كل الحكايا *** ولم تكفني شفاهي لأستجمع لغتي الهاربة أعرني حروفك الحافية لأبتاع لها نعلين من ورق التوت وأمهل أصابعي لتستعيد ألقها الطفولي ولم تكف وجنتي لغة وسامتها فشامتك الواجمة تكفيني .. لكم تشبهني .. *** ماذا لو رفرف كل الوجد ليساومني في عمر أفل ؟ وقتها ساراهن في كفني ليعطوني رطب عمري أعطهم كفني *** تتوجع اللفظة مني حينما