سبق الوزير وليد المعلم الأمينَ العام ل "حزب الله" السيد حسن نصر الله إلى ذاك الاستنتاج التاريخيّ الكبير: هذه الانتخابات الرئاسيّة التي شهدنا هي مقدمة الحل السياسي في سورية. الدول الديمقراطية في العالم، حيث ولدت البرلمانات وتطورت، كان من الطبيعي أن ترى في الانتخابات المذكورة مهزلة موصوفة. لكن عندنا، لم يتردد البعض في الحديث عن أن الغرب، الذي "يزعم" أنه ديمقراطي، لم يتحمل صدمة الديموقراطية السورية ولم يستوعبها. وبدورها فإن دولا على رأسها إيرانوكوريا الشمالية سارعت إلى مباركة الديموقراطية السورية كما كشفت عنها الانتخابات. ها نحن، مرة أخرى، أمام معادلة من لا يملك ومَن لا يستحق. بيد أننا، وأيضا مرّة أخرى، أمام تزوير "فكري" و«سياسي" وظيفته تبرير الكذب العاري. فالمُدافع عن ديموقراطية الانتخابات الأخيرة يسعه أن يستشهد بأطنان من الخرافات "الفكرية" التي تؤكد له أن شهادة إيران في الديمقراطية أهم من شهادة بلد كالسويد. لماذا؟ لأن إيران تقف في وجه الاستعمار، فيما السويد دولة استعمارية في آخر المطاف. كما أن موقف إيران من إسرائيل أفضل آلاف المرات من موقف السويد. أما إذا وضعنا الولاياتالمتحدة وفرنسا وبريطانيا محل السويد، وأجرينا المقارنة، فإن حجة المدافع عن الديمقراطية السورية تكسب مزيدا من القوة: هل نسينا هذه الدول؟ هل نسينا شريطا يمتد من سايكس بيكو ووعد بلفور إلى استيطان الجزائر، ومن السويس والعدوان الثلاثي إلى العنصرية ضد السود في أمريكا، ومن فيتنام إلى الهنود الحمر مرورا بالإسلاموفوبيا في الغرب. وبدوره فالذي لا يزال يذكر نظرية "المراحل الخمس" الستالينية الشهيرة، ويأخذ بها، سيثق برأي كوريا الشمالية "الاشتراكية" أكثر مما بآراء أمريكا وبريطانيا والسويد "الرأسمالية". ألا تقول تلك النظرية إن هذه الدول الأخيرة محطة انتقالية على طريق الوصول إلى حيث كوريا الشمالية الآن؟ أوليس السويديون مدعوين للنضال كي يصلوا إلى المرتبة الكورية الشمالية... وهم، بعد جهد جهيد منهم، قد لا يُوفقون في بلوغ تلك السوية!؟ هنا نبلغ الذروة الكاريكاتورية في التذاكي الذي ربما بدأ مع إحلال "الديموقراطية الشعبية"، المناهضة للديموقرطية وللشعب، محل "الديموقراطية البورجوازية" التي هي وحدها الديموقراطية. ونضيف، ضدّا على الهذيان المعمم، أن "الاستعمار" ليس المعيار الصالح لمحاكمة الديموقراطية، لأن الديموقراطية إنما نشأت حيث نشأ الاستعمار. ولا يلزمنا للتأكد من ذلك أكثر من معرفة مدرسية وأولية جدا بالتاريخ. والحال أن الفضيحة السورية وفضائح الذين باركوها تنبه إلى ضرورة رمي الأفكار التي تشكلت منها منظومة "التحرر الوطني" في أقرب سلال المهملات. فهذه، في آخر المطاف، لا تعدو كونها تجميلاً متحذلقاً لاستبداد المستبد عبر إزاحة الموضوع المركزي عن الحرية والديمقراطية وكرامة الإنسان وتركيزه على سلسلة الهذر والموات الممتدة من الهنود الحمر إلى وعد بلفور. وليس بلا دلالة، هنا، أن أحد سادة الكلام "النظري" المنتفخ، المثقل بذاته وبمطولاته، أي نايف حواتمة، الأمين العام ل "الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين"، كان ممن أبرقوا تأييدا لانتخاب سيادة الرئيس. وهذا، في عمومه، استخدام عريق سبق أن حاول إقناعنا بأن الحزب الذي لم يحقق لا الوحدة ولا الحرية ولا الاشتراكية هو حزب الوحدة والحرية والاشتراكية، وأن القائد الذي خسر الجولان هو بطل الجولان، وأن النظام الذي فعل ما فعله بالفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين إنما هو نظام الغيرة "القومية" الناصعة، وأن ما حل بنا في حرب جويلية 2006 هو انتصار إلهي. أما اليوم تحديدا، فيحتفي بعض أعداء الإمبريالية ب "انتصار" التفاوض المباشر في جنيف بين إيران و... الولاياتالمتحدة! ومع تفسخ النظام الذي لن تستطيع أية انتخابات من الصنف الذي رأيناه ترقيع شرعيته، تتقدم سورية، محمولة على جناح الأكاذيب، إلى الحل السياسي الذي يقيها الموت والدمار!. هكذا إذا، وعلى طاولة واحدة، قد يجلس بشار الأسد وحسن عبدالعظيم وقدري جميل، وربما جلس معهم المرشحان الآخران اللذان نافسا الأسد على رئاسته، ثم تُملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما مُلئت جورا وظلما. وبالطبع فإن المباركة الديمقراطية من إيرانوكوريا الشمالية جاهزة سلفا. أما الرجل الأبيض الذي يوسوس في صدور الناس فلعنة الله عليه. *نقلا عن "الحياة"