مهما بدا أن الشعر والتصوير أو الفنون البصرية على نحو أعم من اختلاف بينهما، باعتبار أن مساريهما مستقلان من حيث استخدامهما لعناصر وأدوات مغايرة، فإن ما يجمع بين هاتين الفعاليتين التعبيريتين يكاد يكون جوهريا، يتمثل الجوهر هنا في منطقة التعبير وخلق فضاء يلامس الشاعر والفنان تجاه العالم والأشياء، حول هذا الموضوع، ابتدأ مساء أول أمس برعاية وزيرة الثقافة نادية شرابي ملتقى الشعر والفن التشكيلي، الذي ينظمه قصر الثقافة بولاية سكيكدة، حيث افتتح معرض للأعمال الفنية الخاصة بالطبعة الأولى والثانية من الملتقى ومعرض للفن التشكيلي بمشاركة فنانين من مختلف الولايات، وتم تدشين التوأمة بين الشعر والتشكيل وموضوعها "الجزائر.. مسار بلد واقف" شارك فيها 48 فنانا تشكيليا بالعمل على لوحات ومثلهم من الشعراء يكتبون نصا من وحي ريشة الرسام. وعرض شريط حول فكرة الملتقى من انجاز علي بوزوالة مدير ثقافة سكيكدة والمشرف على الملتقى. كما جرى تكريم وقراءات شعرية للشعراء: حسناء بروش، عبد الفتاح غريبي، حمزة العلوي، الفائزون بجائزة عبد الحميد بن باديس مع مرافق موسيقية من قبل العازف على آلة المندول رابح براهيمي وأيضا قدم عبد النور رشيد عزفا منفردا على آلة الناي. ويحيلنا هذا الملتقى إلى أسئلة عدة، فما هي اللوحة إن لم تكن نصا بصريا بامتياز؟ بل ما هو النص إن لم يكن معادلا للبصر والبصيرة معا؟ النص البصري لا يخلو من غنائيته وتجريده الخاص، والنص المكتوب ليس بعيدا عن الصورة والموسيقى، تماهى مع المكتوب والمسموع والمتخيل والسينما، وما يشابهها من أشكال إبداعية تمازج بين عناصر فنية ونصية مختلفة، تثري علاقة التساكن والتجاور هذه، وتعمل على إغنائها ونشهد بأن الملتقى له تجارب متميزة، حيث يتم انتاج انتاجا لغوياً إلى جانب آخر تشكيلي، يقفان متجاورين. لتنطلق القصيدة الفن التشكيلي باعتباره مادة بصرية تذهب إلى أبعد من النص الكتابي. حول هذا الفضاءات المشتركة، افتتحت أولى ندوات الملتقى بعنوان: "علائقية الشعر والفن التشكيلي" من تنشيط الشاعر علاوة كوسا والفنان التشكيلي عامر الهاشمي والناقد بلقاسم رواش، علاوة على كوسا فقد رأى أن الفنان يقرأ العالم بصورة مخالفة ويعيد تشكيل اللون ويوجه سؤال للشعراء هل كانت لوحة قصائدهم تطابق ما تغنيه القصائد؟ وكيف ينتج النص الواحد عن تجاوز بنيتين من تنسيقين تعبيريين متمايزين؟ كيف يمتزج الشكل البصري بالخطاب اللغوي في الشعر وهل هذا الاشتغال البصري مولد للمعاني والدلالات في النص.. ويرى علاوة أن عرف سماعا وتحول للبصرية غادر الأذن إلى العين. كما يرى عامر الهاشمي أن العلاقة قديمة جدا وحتى عندما نعود للعصور القديمة نجد في الاهقار رسومات على الصخور وكلمات منحوتة، ومع بداية الحضارة الإسلامية ظهر فن الكتابة، وهذه المخطوطات كانت في البداية توجه للأمراء والخلفاء، لأنه لم تكن كما اليوم آلات نسخ، لذلك لجأ العرب إلى الفنانين التشكيليين "المنمنمين" ومن هنا ازدهر فن المنمنمة وصارت مدارس بالفن الإسلامي وهنا بدأت قصة التعايش والتكامل والتناغم بين الريشة والكلمة. كان الفنان يخط ثم يأتي دور المنمنم الذي يقرأ الكلام ليفهمه ثم يقوم برسم المنمنمة. واستمر المشوار بين الفنانين التشكيليين حتى العصر الحديث كما نرى لدينا بأعمال محمد راسم واسياخم وتجربة رشيد قريشي مع محمود درويش، وتلت الندوة قراءات شعرية متنوعة أمتعت الجمهور الحاضر ألقاها: عدالة عساسلة من قالمة ونجاح حدة من خنشلة وعدي شتات من جيجل ومنيرة سعدة خلخال من قسنطينة وعبد الحميد شكيل وسميرة بوركبة من عنابة وسامية بن عسو من الطارف بالإضافة إلى قراءات لعدد من شعراء ولاية سكيكدة من بينهم خضير مغشوش ومحمد بوديية وكهينة عزوزي. وتستمر فعاليات الملتقى بمحاضراته وورشاته الإبداعية التشكيلية واللقاءات الشعرية المرافقة إلى غاية ال 26 جوان الحالي.