على امتداد التاريخ لعبت الجزائر دورا إيجابيا ومؤثرا سواء في محيطها المغاربي والعربي والإفريقي والإقليمي أو عبر علاقاتها التي امتدت واتسعت من خلال تجارتها ورحلات أبنائها البحري إلى الصين وإلى الولاياتالمتحدة وإلى سواحل إفريقيا، وبينما شكلت التجارة جوهر علاقات الجزائر مع العديد من الدول، خاصة وأن حوض البحر المتوسط كان دوما بمثابة بوابة الجزائر إلى الدول الأخرى في حوضه أو فيما ورائه، وأوصلت الجزائر رسائل الود والسلام إلى الشعوب الأخرى، وأقامت معها توازنا سياسيا مبكرا، بينما مرت الجزائر بمرحلة احتلال طويلة جدا قدرت بقرن وثلاثين سنة· وتعتبر هذه المرحلة مرحلة الإحتلال بمرحلة العزلة في علاقاتها الخارجية، إلا أنها بعد الإستقلال وفي فترة وجيزة، وضعت مسيرة النهضة الجزائرية نهاية لهذه المرحلة، وانطلقت دبلوماسيتها في عمل دؤوب ومتواصل لبناء علاقتها ومد جسور الصداقة مع كافة دول العالم، فضلا عن الدخول في عضوية العديد من المنظمات الإقليمية والدولية· مرتكزات ومبادئ أساسية لدبلوماسية فاعلة ترتكز الدبلوماسية الجزائرية، كما حددها القانون الأساسي للدولة، على تدعيم أواصر الصداقة مع كافة الدول، والسعي إلى إقامة علاقات معها مبنية على أساس ميثاق الأممالمتحدة والإحترام المتبادل ،وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وحل المنازعات بالطرق السلمية، كما أن الدبلوماسية الجزائرية عليها اليوم أن تبني علاقاتها مع كافة الدول على أساس متين وقوة طبقا للمبادئ الأساسية التالية: - تطوير علاقاتها مع الدول والحفاظ عليها مع كل الدول المجاورة· انتهاج سياسة متفتحة ذات منظور دولي يتفق مع تقاليد الجزائر العريقة· اتباع أسلوب عملي صادق وواضح في إقامة العلاقات الثنائية بأخذ بعين الإعتبار الحقائق الجيواستراتيجية بدلا من المواقف الإيديولوجية المؤقتة· العمل على ترسيخ دعائم الأمن والإستقرار من خلال التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف تحقيقا للسلام· انتهاج سياسة عدم الإنحياز وإقامة علاقات ودية مع كافة الدول الصديقة· احترام القوانين والأعراف الدولية ودعم دور المنظمات الإقليمية· دعم وتعميق التعاون بين الدول المغاربية والحرص على تحقيق واستتباب الأمن في المغرب العربي لصالح دوله وشعوبه· تدعيم العلاقات مع الدول العربية والوقوف إلى جانب القضايا التي تهم العالم العربي وبذل الجهد لتحقيق السلام والعدل في المنطقة· دعم التعاون مع الدول الإسلامية ومناصرة قضاياها في المحافل الدولية· الوقوف إلى جانب القضايا الدولية العادلة سواء في إفريقيا أو آسيا أو غيرهما من القارات، وفي إطار هذه المبادىء والمرتكزات وطبقا للقانون الأساسي للدولة، ونظرا للمرحلة الصعبة التي مرت بها الجزائر وتمر بها الآن في هذا العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، يجب على الديبلوماسية الجزائرية أن تنطلق من جديد وعلى كل المستويات تنسج خيوط العلاقات من جديد وبعقلانية وهدوء وتساهم بجهد ودور في دعم الحوار والبناء بين الأشقاء والأصدقاء والتوسع في دوائر علاقاتها، كما يجب أن تساهم في حل الخلافات بين الأشقاء والأصدقاء والعمل على فتح الأبواب لاستئناف الحوارات على أرض الجزائر، هذا مع الإنطلاق من جديد للدبلوماسية الجزائرية في ظل استراتيجية واضحة ومحددة تضع في اعتبارها مختلف المعطيات المحلية والإقليمية والدولية من ناحية، وطبيعة المرحلة التي يمر بها المجتمع الدولي من ناحية ثانية، والموقع الإستراتيجي للجزائر على مدخل القارة السمراء البالغ الأهمية في التجارة الدولية، فضلا عن خبرتها التاريخية الثرية من ناحية ثالثة، وانطلاقا من هذا كله يجب أن يشكل السلام بمفهومه الجوهري والشامل وأن تتحرك على مختلف المستويات من أجل الإسهام الإيجابي في العمل على تهيئة أفضل مناخ ليس فقط للشعب الجزائري، ولكن أيضا لمختلف الشعوب في المنطقة لبناء التنمية وتحقيق المصالح الوطنية والمشتركة لمختلف الدول· ولذا، فإن هذه المرحلة الحرجة بالذات تلعب فيها العوامل الإقتصادية دورا بالغ الأهمية والتأثير في وقت تسعى فيه الجزائر للتعامل والتفاعل مع تحديات المحيط الإقليمي والدولية سياسية كانت أم إقتصادية وتنموية، وهذا ما يجعل الجزائر تصبح واحدة من أنشط عواصم المنطقة وزيادة التحرك الدبلوماسي وزيارة الوفود الأجنبية للجزائر، ويكون هذا على كل المستويات ويدفع بالجزائر إلى المشاركة الإيجابية في أنشط المنظمات والهيئات الدولية· البعد الإقتصادي للدبلوماسية الجزائرية إن الظرف الحساس الذي تعيشه الجزائر اليوم يفرض عليها العمل على تحسين وتطوير ودعم العلاقات الثنائية ومتعددة الأطراف على نحو تحقيق المصالح المشتركة والمتبادلة، وأن يكون نشاطها الديبلوماسية رافدا حيويا ومؤثرا لإستثمار سياستها الخارجية على نحو يعزز علاقتها ودورها الإقتصادي من ناحية، وخدمة أهداف تنميتها الإقتصادية من ناحية ثانية، وكذا على المستويات المغاربية بالتعاون على تطوير الآليات والتفاعلات الإيجابية مع التطورات الإقليمية والدولية لخدمة أهداف ومصالح الشعوب المغاربية· كما أنه يجب أن تكون هناك حركة فاعلة ومتواصلة من أجل تطوير وتعميق العلاقات الثنائية مع الأشقاء، وخدمة المصالح المشتركة، وتهيئة أفضل مناخ ممكن لتحقيق المزيد من التقارب ولمّ الشمل العربي، وكذا العمل على تنشيط الإتحاد الإفريقي والمشاركة في كل الجهود الخيرية من أجل صالح دول وشعوب القارة الإفريقية، فلقد قدمت الجزائر في هذا المجال نماذج يحتذى بها وشرفتها في المحافل الدولية في مجال حل مشكلات الحدود على قاعدة ''لا ضرر ولا ضرار'' والتوصل إلى اتفاقيات دولية مع جيرانها· كما يمكنني القول بأنه يجب الحرص وعلى نحو واضح ودقيق أن تكون سياسة الجزائر الخارجية ونشاطها الدبلوماسي رافدا حيويا ومؤثرا، لاستثمار كل السياسات على نحو يعزز علاقتها ودورها الإقتصادي والإقليمي من ناحية، وخدمة أهداف التنمية الإقتصادية في إطار خططها المرسومة، ومع تطوير آليات التعاون والتفاعل الإيجابي مع التطورات الإقليمية والدولية لخدمة أهداف ومصالح الشعوب العربية في هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها الوطن العربي، والبداية بالعمل على تنشيط دور الجامعة العربية من أجل تهيئة أفضل مناخ ممكن لتحقيق المزيد من التقارب ولم الشمل العربي والتوصل إلى اتفاقيات دولية مع كل الدول العربية في حل مشكل الصحراء الغربية من جهة ثانية، والقيام بدور فعال في إطار مجلس الأمن الدولي من أجل إيقاف التهديدات على السودان الشقيق من جهة، ورفع الحصار الإقتصادي المضروب على غزة من جهة ثانية· وبمواصلة العمل والتعاون مع الأممالمتحدة للتخفيف من حدة التوتر في المنطقة، والتعجيل برفع المعاناة عن شعوب هذه المنطقة، هذا مع التأييد الكامل لعملية السلام في الشرق الأوسط وضم صوتها للدول الداعية إلى تحقيق السلام الدائم والعادل والشامل الذي يعيد الإستقرار والإزدهار إلى المنطقة بأسرها، ويعيد الأمن والسلام لشعوبها مع التأكيد الدائم والوقوف الحازم على الدعم الكامل لحق الشعب الفلسطيني المجاهد في تقرير مصيره على أرضه، بما في ذلك حقه في إقامة دولته المستقلة، وعلى الإنسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية، وهذا إنطلاقا من موقف الجزائر تجاه مختلف القضايا الإقليمية والدولية التي تؤكد أواصر الصداقة والمودة والمحبة مع جميع الدول و الشعوب على أساس من الإحترام المتبادل والمصلحة المشتركة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ومراعاة المواثيق والمعاهدات الدولية والإقليمية وقواعد القانون الدولي المعترف بها بصورة عامة، بما يؤدي إلى إشاعة السلام والأمن بين الدول والشعوب، وأن الإلتزام بهذه القوانين من طرف الجميع من شأنه أن يوجد تعاونا أوثق وتواصلا أعمق بين الأمم على اختلاف مذاهبها السياسية ومناهجها الإقتصادية ومشاربها الفكرية والثقافية· كما من شأنه أن يقلل الأزمات والنزاعات الدولية وأن يحد من الصراعات القومية والعرقية والدينية والطائفية، وأن يؤدي في النهاية إلى حلول عادلة للمشاكل الكثيرة التي بدأت تنفجر بشكل لافت في بعض أرجاء الكرة الأرضية· أقول هذا وأنا على ثقة كاملة بأن الجزائر ستنجح في دبلوماسيتها وعلاقاتها الدولية، ما دامت تقوم هذه الدبلوماسية على مجموعة كبيرة من المرتكزات والمؤثرات والعناصر التاريخية والجغرافية و الحضارية والمبادئ الراسخة، فضلا عن أنه بإمكانها التعبير عن رؤية ونهج واضح في علاقتها مع الدول في ظروف محددة وحيال مختلف القضايا تحقيقا للمصلحة الوطنية، ومن أهم هذه المرتكزات التي ترتكز عليها في دبلوماسيتها: 1 خصوصية الموقع: فالموقع الإستراتيجي للجزائر باعتبارها بوابة القارة الإفريقية جهة، وتطل على حوض البحر المتوسط الحيوي يؤثر بالضرورة على الدبلوماسية الجزائرية وتحديد مساراتها وعلاقاتها الثنائية والإقليمية والدولية· 2 الخبرة التاريخية: تشكل الخبرة التاريخية الجزائرية المتنوعة والعديدة إطارا مرجعيا لسياستها ودبلوماسيتها إزاء العديد من القضايا، وتجدر الإشارة إلى أن تضحيات الجزائر للحفاظ على استقلالها بعد تحررها، والدفاع ضد كل أشكال العدوان لحماية وحدتها الوطنية، وعلاقتها مع العديد من القوى الدولية، يجعلها دوما تعمل على رفض ومقاومة التدخل في الشؤون الداخلية للغير، والحفاظ على علاقات متوازنة مع مختلف القوى الدولية والإسهام بدور إيجابي في حماية الأمن والإستقرار في المنطقة· 3 الحفاظ على الهوية العربية والإسلامية: ففي الوقت الذي استطاعت فيه الجزائر الحفاظ على هويتها العربية والإسلامية وصياغة شخصيتها ضد أية مؤثرات خارجية، فإنها من خلال اعتزازها بتراثها وحرصها عليه، حققت التواصل في الهوية، كما أنها لعبت دورا حيويا في حوض البحر المتوسط، مما دعم أهمية التواصل بين الجزائريين والشعوب الأخرى على امتداد العالم· 4 الحفاظ على الأمن والسلم الإقليمي والدولي في ظل هذه المرتكزات: ستمكن الجزائر من تحقيق التقدم والتطور لأن رخاء الشعوب لا يمكن أن يتم سوى في مناخ من السلام والإستقرار مغاربيا وعربيا ودوليا، وهذا بتكريس الجهود على نحو يجعلها مستقبليا قوة مؤثرة على هذا الصعيد· 5 الواقعية في فهم التطورات والعلاقات الدولية: إن اتسام الممارسة والمواقف الجزائرية بالواقعية والصراحة أو رد الفعل أو ازدواجية المواقف وارتباط سياستنا بالحكمة والمصداقية وبعد النظر، وهذا مما سيوسع دائرة العلاقات واكتساب الجزائر ثقلا ملموسا مغاربيا وإفريقيا وإسلاميا وعربيا ودوليا، هذا ما يجعلني أقول أن المرحلة الحالية تفرض على دبلوماسيتنا المساهمة بنشاط دائم ومتواصل في فعاليات واجتماعات مختلف الهيئات والمنظمات الدولية التي تشارك في عضويتها إنطلاقا من الدور الذي تلعبه هذه المنظمات لدعم التعاون بين الدول على أن يكون هذا النشاط واسع النطاق وملموسا بحيث يغطي مختلف مناطق العالم· هذا إلى جانب إنشاء معهد وطني خاص بالدبلوماسية، وظيفته القيام بدور حيوي في إعداد وتدريب الكوادر الدبلوماسية الوطنية، وكسبها القدرة على العمل الديبلوماسي النشط مع قيامها أيضا بعقد دورات تدريبية يتم إعدادها وفقا للهدف المرجو منها، كما يجب أن يسعى هذا المعهد إلى تطوير المناهج الدبلوماسية لتواكب التطورات المتسارعة في الحياة الدولية·