هنأ رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي.. رئيس الجمهورية يهنئ السيدة حدادي بمناسبة تنصيبها ومباشرة مهامها    ديباجة العدد 99 من مجلته الدورية : مجلس الأمة يجدد التزامه بدعم مشروع بناء "الجزائر المنتصرة"    لمواكبة التحولات الرقمية.. دعوة إلى عصرنة المركز الوطني للسجل التجاري    طاقات متجددة : المشاريع المشتركة محور لقاء بين السيد ياسع وسفير ألمانيا بالجزائر    رئيسة لجنة العلاقات الخارجية لإفريقيا بمجلس الشيوخ المكسيكي : إشادة بالدور الريادي للجزائر في تعزيز السلم الإفريقي والعالمي    حج 2025:اختيار رحلة الحج نهائي وغير قابل للتغيير    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 48543 شهيدا و111981 جريحا    الجمعية العامة العادية ال 22 "للاكنوا" : إعادة انتخاب براف يؤكد حوكمته في التسيير لخدمة الرياضة في افريقيا    وزير التربية الوطنية يشرف على الاحتفال باليوم الدولي للرياضيات    الجمعية العامة العادية ال 22 "للاكنوا": التركيبة الجديدة للمكتب التنفيذي    تكريم الفائزات في مسابقة المقاولات الناجحات    الجزائر تدافع عن مصير الضحايا والناجين من الألغام    خبراء ومسؤولون : الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتعزيز الأداة الوطنية للإنجاز    جرائم صهيونية مُرعبة في غزّة    المخزن يُكرّس القمع وتكميم الأفواه    فرنسا بدأت استخدام الكيمياوي بالجزائر سنة 1830    مولوجي تلتقي نظيرتها الأردنية    بلوزداد يواصل رحلة الكأس    الجمعية العامة العادية ال 22 "للاكنوا" : اعادة انتخاب الجزائري مصطفى براف بالتزكية على رأس الهيئة الرياضية القارية    دراجات: الجزائر تحتضن البطولة العربية 2025 للدراجات على الطريق والدراجات الجبلية    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يدعو إلى تظافر الجهود لمواجهة التحديات التي تعاني منها فئة ذوي الاحتياجات الخاصة    سوق أهراس.. احتراق 7 حافلات بحظيرة مؤسسة النقل الحضري و شبه الحضري    المسابقة الوطنية في تجويد القرآن "قارئ تلمسان": تكريم الفائزين بالمراتب الأولى    بلمهدي يُرافِع لتكوين مُقرئين ومؤذّنين ببصمة جزائرية    حفاوة جزائرية بالثقافة الفلسطينية    هكذا تحارب المعصية بالصيام..    شرفة يترأس اجتماعاً    حج 2025: اختيار رحلة الحج نهائي وغير قابل للتغيير    ذوو الهمم قدوة في مواجهة الصعاب    رمضان : آيت منقلات يحيي حفلا بأوبرا الجزائر    الجزائر العاصمة: توقيف امرأة تمتهن الطب بدون شهادة أو رخصة    مجمع سونلغاز يكرم عماله من ذوي الاحتياجات الخاصة    رمضان: "إفطار جماعي ضخم" بالجزائر العاصمة    ليالي أولاد جلال للمديح والإنشاد: الفنان مبارك دخلة يطرب الجمهور بباقة من أغاني المالوف    الأمم المتحدة تحذر من تزايد حدة الأزمات الإنسانية في قطاع غزة والضفة الغربية    ارتفاع حصيلة الشهداء الصحفيين في غزة خلال العدوان الصهيوني إلى 206    عملية استعجالية لتهيئة "سوق العاصر"    أقبو بشعار: التعثر ممنوع لتفادي الانفجار    تسويق 3.3 أطنان من الأسماك في الأسبوع الأول من رمضان    7 موزعات آلية جديدة تدخل الخدمة    خطوة إضافية لإعادة بعث السوق المالية    إدراج مكتب أعمال دنماركي في القائمة السوداء    "الطيارة الصفراء" تمثّل الجزائر    الدكتور بوزيد بومدين يدعو لفتح نقاش علمي تاريخي اجتماعي    بوشعالة والفرقاني يبدعان بأوبرا الجزائر    دعوة أطراف النزاع إلى اغتنام رمضان لوقف الاقتتال    200 مطعم رحمة تجمع العاصميّين في رمضان    مسابقة لاختيار أجمل بلدية ببومرداس    اجتماع الجزائر نقطة تحول بالنسبة للرياضة الأولمبية القارية    حفظ الجوارح في الصوم    العودة إلى قمم كرة القدم الإفريقية والدولية    بداري يزور الطلبة المصابين في حادث مرور بسطيف    تسويق أقلام الأنسولين المحلية قبل نهاية رمضان    زَكِّ نفسك بهذه العبادة في رمضان    ديوان الحج والعمرة يحذّر من المعلومات المغلوطة    رمضان.. شهر التوبة والمصالحة مع الذات    نزول الوحي    قريبا.. إنتاج المادة الأولية للباراسيتامول بالجزائر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ال2مرابضن ... أشراف زواوة


أثناء اليوم التكريمي
أصل هذه المساهمة مداخلة ألقيتها يوم: 07/05/2016، في قرية آيت أحمد بلدية آيت يحي دائرة عين الحمام (ميشلي) ولاية تيزي وزو، بمناسبة اليوم التكريمي الذي نظمته مؤسسة سيدي نايل على شرف المجاهد الراحل حسين آيت أحمد وعائلته وقريته، وقد كان عنوانها "ال2مرابضن أشراف زواوة"، وهدفي من نشرها هو تعميم الفائدة، وإثراء النقاش، وخدمة الأشراف أينما كانوا وحيثما وجدوا، كما نهدف لتبيان أن ما يجمع الأمازيغ الأحرار بإخوتهم من العرب، أكبر من أن تصل إليه الألسن القادحة، أو الأيدي العابثة، أو الأفعال المائعة، ونسأل الله التوفيق والسداد:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا وحبيبنا وشفيعنا وجدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم. بداية أشكر مؤسسة سيدي نايل على هذه الالتفاتة الطيبة في تكريم هذا الرمز، هذه القامة الشامخة في تاريخ الجزائر الحديث الراحل حسين آيت أحمد رحمه الله، كما لا يفوتني شكر أهل الجود والكرم، أهل الشرف، بني عمومتنا أشراف زواوة ال2مرابضن وهي العائلة الكبيرة للرمز الراحل، وكذلك أحيي أخوالنا الأمازيغ، والذين بدونهم ما كنا هنا لنتكلم اليوم.
أبتدئ فأقول: كنت مرة أقرأ من كتاب "مفاخر البربر" لمؤلف بربري مجهول الهوية، كتبه سنة 712ه، أي قبل عبر ابن خلدون بثمانية وسبعون (78) سنة، وقد ضمن المؤلف كتابه: أصول البربر وتاريخهم حتى تلك الفترة، أي بدايات القرن الثامن الهجري، كما بين ذلك التلاحم التام حينها بين البربر والعرب، بل ورغم أن المؤلف كان بربريا إلا أنه كان يفتخر بكونه بربريا مسلما معربا، فما شدني في الكتاب وله علاقة بما نحن بصدد توضيحه، عبارة ذكرها محقق الكتاب عن علاقة التاريخ بالأصول، وهو ما غفلنا عنه في وقتنا الحاضر، فقد ذكر التالي: "إذا ضاعت الأصول ضاع التاريخ معها، هذه قاعدة عامة لا موضع للجدل فيها، وذلك أن التاريخ لا يقوم إلا على الآثار التي خلفتها عقول السلف وأيديهم، ...وبفقدها يجهل تاريخ عصرها ورجالها، أما إذا بقيت وحفظت فقد حفظ التاريخ فيها...ولذلك لزم على المؤرخ أن يبدأ عمله دائما بجمع الأصول...".
وعلاقة هذا الأمر بالبطل الراحل حسين آيت أحمد رحمه الله، هو ما سمعته يوم وفاته في قناة تلفزيونية جزائرية، فقد وضعت هذه القناة بلاطو خاص عن الحدث، وتدخل على الهاتف دكتور جزائري باحث ومؤرخ يشهد له الجميع بالعلم والخير، فقال عن الراحل الدا الحسين: "لقد توفي في يوم ميلاد جده الرسول محمد صلى الله عليه وسلم"، وكانت حينها كما نعلم ذكرى المولد النبوي الشريف، ولكن الصحفي لم يفهم ما قاله الدكتور، ولم يستوعبه، ولم يعقب عليه على عادته. 2ن هذا الأمر 2ن دل على شيء فإنما يدل على انتشار الجهل بالأصل والنسب بين الناس حتى لدى الخاصة منهم، ولكن بالمقابل يتكلمون عن الأصل والنسب ويجعلونهما مطية فقط حينما يريدون إذكاء نار الفتنة: هذا أمازيغي وهذا عربي وغير ذلك، ولكن حين تكون هذه الأصول نفسها مدعاة للوحدة والالتفاف (في كون من يفهم القصد من قول الدكتور في أن الراحل آيت أحمد من نسل جده النبي عليه الصلاة والسلام) يحاولون الاصطياد في المياه العكرة وتلبيس الأمور لخدمة مصالحهم الدنيئة.
ليس غريبا أن يكون الراحل رمزا في حياته ورمزا بعد وفاته أيضا، فكما نقول بالعامية: "كل واحد تهدر عليه افعالوا"، فهي شيم الأشراف فحتى بعد وفاتهم فهم دوما مخلدون، إنني حين أذكر كلمة الأشراف هنا لا أعني بها شرف الأخلاق فيما معناه بالفرنسية (L'honneur)، ولكن أعني شريف النسب طينيا، أي الانتماء إلى سلالة الأشراف من نسل فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، أي فيما معناه بالفرنسية (Noblesse d'origine).
فالراحل حسين آيت أحمد 2مرابضن أو كما ينطقها البعض 2مرابطن، وهذه الكلمة اشتقت من الرباط العلمي أو الديني، وهو المكان الذي يعتزل فيه الناس الدنيا ويزهدون فيها فيتفرغون للعبادة، وعموما كل إنسان متعلق بشيء ومرتبط به نقول له مرابط، وتعني في المغرب الكبير وعند العامة ذلك الرابط الموجود بين العبد وربه وهو العبادة، ولأن الأربطة اشتهرت وقت الدولة المرابطية اللمتونية الصنهاجية البربرية، دولة الملثمين، ظن الناس أن ال2مرابضن عند الأمازيغ، أو إخوانهم المرابطين عند العرب هم من الدولة المرابطية، فدولة المرابطين لم يكن لها بعد في منطقة زواوة، ولم يثبت تاريخيا أن حكم المرابطون زواوة التي كانت تتبع حينها دولة بني حماد، ولم يثبت أيضا هجرة المرابطين الصنهاجيين لمنطقة زواوة، فهجرة الأشراف ال2مرابضن لزواوة سبقت حتى تواجد الدولة المرابطية نفسها، فهجرتهم الأولى كانت أواخر القرن الرابع الهجري قبل تأسيس الدولة المرابطية التي حكمت المغرب الأقصى وغرب الجزائر والأندلس وفقط. فلا علاقة بين الأشراف المرابطين أو ال2مرابضن بدولة المرابطين سوى اتخاذ الرباط للعبادة، ولو كان ال2مرابضن من دولة المرابطين كما يزعم البعض لكان كل سكان زواوة 2مرابضن، ولما اختصت فئة قليلة بهذه الكنية دون غيرها من الأمازيغ.
الرباط أصبح منهاجا في ذلك الوقت فأخذ أفراده تلك الصفة، فأصبح أصحاب الأربطة مرابطين بالانتماء، ومع مرور الزمن اختلط الأمر على العامة بين الشرف بالمعنى والشرف بالنسب، لأن كلاهما محترم وموقر خاصة في منطقة زواوة. فأصبح كثير من الناس بعدها لا يفرق بين معنى الشريف والمرابط، والصحيح أن الشريف هو ما ثبت اتصال نسبه الطيني بنسب النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق وأن أوضحت، وأما المرابط هو أي شخص عرف بالصلاح والفلاح والزهادة والمرابطة بالثغور، بغض النظر عن نسبه الطيني سواء كان شريفا من نسل الرسول صلى الله عليه وسلم أو لا، فكل شريف النسب مرابط أو 2مرابضن وهي عادة الأشراف في اتخاذ الأربطة. وليس كل مرابط شريف النسب، ولكن غالبية ال2مرابضن أشراف أدارسة وسليمانيون أي حسنيون وفئة قليلة منهم حسينيون من نسل النبي صلى الله عليه وسلم. ولكي يفهم الأمر جيدا سأسرد بعض الأمور المترابطة حتى يتضح كل شيء:
إن أصل الشرف هي فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من ولديها الحسن والحسين رضي الله عنهما، وهما ولدي سيد فتيان مكة علي بن أبي طالب رضي الله عنه. فحين كانت تلك الفتنة بين الحسن ومن بعده الحسين رضي الله عنهما مع بني أمية، ثم وقوع تلك المذبحة الكبيرة بالأشراف في وقعة فخ قرب مكة، التي أعمل فيها بني العباس القتل والذبح في بني عمومتهم من بني علي رضي الله عنه، فر إدريس بن عبد الله الكامل بن محمد الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ناحية المغرب الأقصى، فاستقبلته قبيلة أوربة الأمازيغية في مدينة وليلي قرب طنجة المغربية الحالية، فحين علم أميرها الأمازيغي الأوربي عبد المجيد الزرهوني بقصة إدريس وأنه من نسل النبي صلى الله عليه وسلم، كبر وعظم، وتنازل له عن الملك، بل وزوجه ابنته كنيزة. أنظروا معي إلى هذه العظمة: توقيرا واحتراما لآل البيت من نسل سبط الرسول صلى الله عليه وسلم يتنازل له عن العرش والملك، ويزوجه ابنته، والله لا يفعلها إلا الأمازيغ الأحرار. فإن كان للأشراف هنا شرف الانتساب لجناب عترته صلى الله عليه وسلم، فللأمازيغ شرفان: الشرف الأول نصرتهم للإسلام وقيام أركانه ونشره حتى الأندلس، والشرف الثاني حمايتهم للأشراف الأدارسة والسليمانيين، وازدهار دولة الأدارسة العربية الشريفة الأمازيغية الحرة. فالأمازيغ هم أخوال الأشراف وناصريهم في أحلك أيامهم، حينما ناصبهم العداء بني عمومتهم بني العباس وهم أي بني العباس من العرب. أليست هذه مفارقة وجب أخذ العبر منها. لا والله إنها كذلك.
أما مسألة تواجد الأشراف في بلاد زواوة فذلك أمر آخر، فحين سقوط دولة الأدارسة في فاس ودولة بني عمومتهم السليمانيين في تلمسان في أواخر القرن الرابع الهجري، ضربتهم فتنة موسى بن أبي العافية المكناسي، فقتلهم وحاصرهم وشردهم، مما اضطرهم للخروج فرادى وجماعات، فخلعوا عنهم إشارة النسب الشريف واستحالت صبغتهم إلى البداوة. فمنهم من دخل إلى القبائل البربرية تكلم البربرية، ومنهم من دخل إلى مناطق أخرى فحافظ على لسانه العربي فتكلم العربية، فسموا عند القبائل البربرية ال2مرابضن وعند القبائل العربية بالمرابطين، وكلهم من الأشراف سواء تكلموا الأمازيغية أو العربية فهم من نسل النبي صلى الله عليه وسلم.
لقد تطرق بعض المؤرخين الجزائريين للأمر وفصلوا فيه، فنرى مثلا الدكتور يحي بوعزيز رحمه الله حلل طبيعة المجتمع الزواوي، وذكر ال2مرابضن وعاداتهم وتقاليدهم، والدكتور يحي بوعزيز من 2مرابضن إلماين في برج بوعريريج، وهو من نسل سيدي هلال بن حالة بن عامر بن يلمان الونوغي الشريف الإدريسي الحسني جد أشراف بني يلمان، فقد زاوج بين الأصل العربي الشريف وبين الهوية الأمازيغية المكتسبة بسكن أجداده بين ظهراني الأمازيغ، وقد سبق بوعزيز في ذلك بعض المؤرخين الفرنسيين إلا أنهم ذكروا ما يخدم الطرح الاستعماري. فقد رأينا مثلا المستشرق كطرمير(Quatermère) قام بتحقيق انتقائي لعبر ابن خلدون ولم يترجم منها للغة الفرنسية إلا أجزاء تخدم الطرح الاستعماري. ثم جاء مستشرق آخر بعده فترجم للغة الفرنسية الأجزاء المتعلقة بتاريخ البربر من كتاب العبر، وأهمل الأجزاء الأخرى خدمة كما ذكرت لأهداف ومصالح المستعمر الفرنسي.
فمثلا CHARLES FERAUD كتب كتابا سماه: (Les Chérifs De Kabylie) بالعربية "أشراف القبائل" وعلى نهجه كتب HANOTEAUو LETOURNEUX عن الأمر في كتاب (La kabyle et les coutumes kabyles) بالعربية "القبائل وتقاليد القبائل". وقد ذكر أحد المؤرخين الفرنسيين عن بلاد زواوة فيما معناه بالعربية: "سكان المنطقة أمازيغ، ويطلقون على أنفسهم اسم زواوة نسبة للقبيلة القاطنة في هذه المنطقة، كما يرجع البعض أصل سكان المنطقة إلى قبيلة كتامة الأمازيغية، كما يوجد مجموعة كبيرة من الأشراف الأدارسة في المنطقة ويلقبون بالمرابطين الأشراف وقد اندمجوا مع السكان، يتكلم الأغلبية العظمى اللغة الأمازيغية بلهجتها القبائلية تقبايليث". ولكن أخطر ما قرأته عن الأمر ما ذكرته الباحثة الفرنسية CAMILLE LACOSTE-DUJARDIN في كتاب لها، فمن المفاهيم المغلوطة الواردة فيه استعمال مفهوم العلماني (Laic) لتمييز فئة "القبائل" وهم السكان الأصليون حسبها، عن فئة "ال2مرابضن" وهم الأشراف الوافدون حسبها دائما، محاولة إبراز أمر ما لتفريق العنصرين الهامين في تكوين المجتمع الزواوي.
ولكل هذا أردت أن أذكر عديد المفاهيم التي تنور الأمر، فنحن نعلم أن فرنسا كما يقال بالعامية "قراتنا مليح" وتعرف عن أصلنا وفصلنا، ولذلك وجب علينا تبيان الأصل من الناحية التي نرد بها على دعاة الفتنة. فحينما نرى انصهار العرب الأشراف الأدارسة ال2مرابضن في المجتمع البربري الأمازيغي الزواوي، ومساهماتهم فيه، ودفاعهم عن القضية والهوية البربرية دون هوادة، ومنهم الرجل الرمز البطل الراحل حسين آيت أحمد رغم كونه كان عربي شريف الأصل أمازيغي الهوية. قلت حين نستعمل هكذا طرح فهو تفويت لأصحاب الفتن، فهذا مثال يجب أن نفهم به مدى تجانس الشعب الجزائري وامتزاجه. فحين تقول مرابط فهي مرادف لشريف النسب عند العرب ولا تنفي الهوية العربية لصاحبها، وحين نقول 2مرابضن فهي مرادف لشريف النسب العربي الأصل لدى البربر وهي لا تنفي الهوية الأمازيغية لصاحبها.
تذكر كتب ومخطوطات ومشجرات الأنساب التي اطلعنا عليها، عديد مناطق وقرى زواوة الشامخة التي دخلها ال2مرابضن الأشراف، فنجد مثلا النسابة يذكرون عنهم وفي كثير المرات: "ومنهم فرقة في زواوة يقال لهم...". ثم يفصلون في نسبهم وأماكن تواجدهم تحديدا. ومن الأمثلة عن مناطق انتشارهم مما وجد في هذه المخطوطات التي بين يدي دون باقي مخطوطات الأنساب، أذكر:
بعضهم في آث علي أوحرزون في بني عيسي، وبعضهم في بني مليكش، وبعضهم في بني عباس، وبعضهم في واقنون وعمراوة، وبعضهم في جبل عمال، وفرقة منهم في توجة، وفرقة في بني عبد الجبار قرب بجاية، وفرقة في مسيسنا، وفرقة في زرخفاوة، ومنهم البعض في بني سعادة، وبعضهم في بني غبرين، وأيضا فرقة في تاريكت 2فليسن، وأيضا في بني خلفون، ومنهم فرقة في أرض قشطولة قرب مشطراس، وبعضهم في بني جناد، ومنهم في بني يحي قرب جبل زواوة، وفرقة منهم في جبل امشدالة، وفرقة في جبل ايراثن، ومنهم فرقة في بني يليثن... إلخ. هذه الأماكن التي ذكرت مقرونة بسلاسل النسب التي تربطهم بالأدارسة والسليمانيين من بني فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع تبيان بني عمومتهم الآخرين ممن انتشر بين العرب، فيما يعرف عندنا الآن بالمرابطين.
ولكي أقرب الأمر أكثر للفهم، سأعطي أمثلة عن أشخاص معروفين في الجزائر الحالية من ال2مرابضن الأشراف، وأذكر أجدادهم أصحاب الزوايا:
سيدي يحي العيدلي في تمقرة في ولاية بجاية:
هو من الأشراف الذين وفدوا من الأندلس، وهو الشيخ سيدي يحي بن أحمد بن موسي بن مغيث بن نوح بن عجيس ابن عبد الرحمان بن سعيد بن مالك بن جعفر بن عبدالله بن يحي بن إدريس الأصغر بن إدريس الأكبر بن عبد الله الكامل بن محمد الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. تزوج من سيدة فاضلة من منطقة تمقرة، فأنجبت له ثلاثة أولاد: الجوذي، الواضح، بلقاسم، وأنجب ابنه بلقاسم بدوره: علي والمهدي. وانطلاقا من أسماء أولاده سميت أحياء تمقرة بحسب سكن أبناءه فيها: آث الجوذي، آث الواضح، آث علي أو بلقاسم، آث المهذي، ومن أحفاد سيدي يحي العيدلي هذا، العالم العلامة الشيخ محمد الطاهر آيت علجت بن الشيخ مقران حفظه الله.
سيدي أحمد أويحي (بن يحي) بأمالو ناث عيذل ولاية بجاية:
هو: أحمد بن يحيى بن علي بن محمد بن مخلوف بن سعيد بن وعزيز بن المنصور بن يحيى أبو زكريا بن فارس بن كامل بن غالي بن أكسير العجيسي بن عبد الرحمن أبو زيد بن عبد القادر بن سعيد بن مالك بن جعفر بن عبدالله بن يحي بن إدريس الأصغر بن إدريس الأكبر بن عبد الله الكامل بن محمد الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن نسل سيدي أحمد بن يحي هذا، رئيس حكومة بومرداس عبد الرحمان فارس رحمه الله.
سيدي محمد السعيد بن علي الشريف صاحب زاوية شلاطة:
ينحدر من نسل الولي الصالح سيدي أبو محمد عبد السلام بن أمشيش الشريف الإدريسي الحسني.
سيدي أحمد بن إدريس صاحب زاوية آيت علي أومحند في إيلولة أومالو ولاية تيزي وزو:
هو: سيدي أحمد بن إدريس صاحب جبل زواوة، أو كما يسميه أهل التصوف جبل النور، هو من نسل محمد بن سليمان ابن أخ إدريس، فاسمه سيدي أحمد بن إدريس بن محمد بن عبد الله بن عيسى بن موسى بن إبراهيم بن خالد بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن علي بن إدريس بن محمد بن سليمان بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لقد ذكرت هذه الأمثلة وغيرها كثير جدا، على غرار محمد الصالح الصديق من أشراف آث جناد وغيره، قلت لقد ذكرتها لأبين انصهار عنصر ال2مرابضن الأشراف من نسل النبي صلى الله عليه وسلم مع إخوتهم البربر في الأزمان الماضية، فقد كان ال2مرابضن من رواد النهضة الإصلاحية الإسلامية في الجزائر، على غرار الشيخ الفضيل الورتيلاني سليل الشيح محمد الحسين الورتيلاني الشريف من نسل سيدي أحمد البكاي البجائي، وكذلك الشيخ السعيد البيباني بوتقجرت من نسل سيدي إبراهيم بن بوبكر الونوغي اليلماني، وغيرهما. هذه الأمثلة تبين اندماج الأشراف ال2مرابضن في الوطن الأمازيغي الزواوي، وهو أكبر دليل على أن الأصل حينما يفهم ويعرف يوحد دوما ولا يفرق أبدا مثلما أسلفت في كلامي سابقا. فالأصل ثابت والهوية مكتسبة بالاختلاط أو الجوار أو المصاهرة، فعديد العرب أصلهم أمازيغي واستعربوا وما أكثرهم، وعديد العرب أصبحوا أمازيغ الهوية واللسان كالامرابضن، وهذا ليس عيبا، بل هو أكبر دليل على أن هذا الاندماج والتوحد العجيبين، أكبر من أن تهدمهما ترهات الفاشلين.
أنهي كلامي بأمر يقرب الصورة أكثر فأكثر، فأذكر ثلاث أمثلة من المنطقة، وربما يعرفها الكثير من هذا الجمع المبارك:
المثال الأول: عائلة أومالك، في تيفريت نايت أومالك بأزفون، وهم من نسل سيدي محند أومالك، فوالده مالك مدفون في إيسومار قرب قنزات بني يعلى ولاية سطيف، وهم إخوة أولاد سيدي نايل، فهم من ذرية أحمد الشريف المشيشي، وهم يعرفون ذلك وسبق لهم التواصل مع بني عمومتهم في بني يعلى وأولاد سيدي نايل أيضا.
المثال الثاني: عائلات سي سرير وسي يوسف في أسي يوسف أسفل قرية ورجة الموطن الأول لبني عمومتهم من العائلة التي نحن في ضيافتها الآن عائلة آيت أحمد، والعائلات الثلاث من نسل الشيخ الحمامي الونوغي، والحضور ربما هم أدرى منا بذلك، فهم أقرباء البطلة لالا فاطمة نسومر بنت محمد بن عيسى، الذي هو من نسل سيدي أحمد أمزيان الحمامي، والذي بدوره ينتسب لأحمد بن قرقيط بن داوود بن يلمان الونوغي جد أشراف بني يلمان، والذي ذكره مولود قايد في كتابه "تاريخ البربر"، بأنه جد أشراف جبل كوكو.
المثال الثالث وربما هو الأوضح: عائلة أونوغن في ميشلي (عين الحمام)، وتحديدا في قرية تاوريرت عمران، ولكي يتوضح الأمر سأذكر نسبي، فأنا: صديقي محمد بن بن أعمر بن بوزيد بن بن أعمر بن عبد الله بن أحمد بن سيدي زيان الونوغي، دفين قرية الصمة بلدية بن داود ولاية برج بوعريريج، وعائلة أونوغن جدهم هو: قاصي ونوغة سي أحمد بن الطيب بن سيدي زيان، فهم من نسل الطيب بن زيان ونحن من نسل أحمد بن زيان. ارتحل جدهم من قرية الصمة قاصدا زاوية سيدي أحمد أمزيان السالف الذكر لأنه من بني عمومته، وذلك قبل قانون الحالة المدنية، وأخذ أولاده لقب أونوغن فيما معناه بالعربية ونوغي أي من إقليم ونوغة الممتد الآن في ثلاث ولايات البويرة البرج والمسيلة، والذي تعد قصبة بني يلمان عاصمته، والعائلة الآن تحمل ثلاث ألقاب هي: أونوغن، بن أونوغن وونوغي، وهم يعلمون الأمر، ولم تنقطع الصلات بيننا إلى الآن.
أخيرا، أذكر بأنني ذكرت كل هذا الكلام لأمرين اثنين لا ثالث لهما:
الأمر الأول: لكي يعرف ال2مرابضن أن الشرف العربي، والانتماء إلى نسل النبي صلى الله عليه وسلم، يزيدهم فخرا على فخر، فهو ليس لا سباب، ولا شتيمة، ولا هم يحزنون.
الأمر الثاني: لكي نبين أن هذا الاندماج الرائع، بين ال2مرابضن العرب الأشراف وأخوالهم الأمازيغ الأحرار والذي قلما وجد له مثيل في أماكن أخرى، لهو دليل قاطع على عمق العلاقات، وعلى أن ما يجمع شعب الجزائر بمختلف أطيافه أكثر من أن تزلزله ترهات الفاشلين، أو أن يصيبه كيد الكائدين.
دامت المحبة بيننا، ودام التآزر بيننا، ودام الأمازيغ الأحرار كالتاج فوق رؤوسنا، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
عن مؤسسة سيدي نايل/ العبد الفقير، المقر بالعجز والتقصير، المهندس أبي زيان محمد صديقي
بيبان الحديد برج بوعريريج يوم: 08/05/2016،


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.