وولف قانق شوبل منذ أواخر الثمانينيات وأنا أتابع أحوال ألمانيا، إن على مستوى الأخبار، أو على مستوى المجلات التي كانت تصلني دوريا، ومنها مجلة سكالا، ومجلة دتشلاند، وهي مجلات تحتوى على الشؤون الاقتصادية، والسياسية، والثقافية ، وحتى التكنولوجية. وفي كل مرة، أنبهر مما أقرأ عن هذه الدولة العظمى ، سواء قبل أن تتوحد مع ألمانيا الشرقية ، أو عندما كانت تسمى بألمانيا الاتحادية . وبما أن تاريخ ألمانيا معروف عند الكثير، فسأتفادى التطرق إلى تاريخ ألمانيا ، وأكتفي بإلقاء الضوء على أحد صناع المعجزة الألمانية ، وهو من جعل اقتصادها الأول على مستوى أوروبا، والثالث على مستوى العالم ، وقد وصفتها بالمعجزة ، نظرا لكون أن ألمانيا الغربية كانت رأسمالية ، وفي وضع اقتصادي مريح ، وقد ضمت إليها ألمانيا الشرقية الاشتراكية واحتوتها ، وهي الدولة المُثقلة بالديون ، والبطالة ، والتخلف ، ومع ذلك فعندما تم هدم جدار برلين سنة 1989 ، وتوحدت الألمانيتين ، لم تتأثر العملة الألمانية آنذاك " الدتش مارك " بسنت واحد ، وهذا ليس شيئا سهلا عند خبراء الاقتصاد أن تتبنى اقتصادا فاشلا، ومختلفا تماما ، وأن لا يتأثر الاقتصاد المحتوي ، بالاقتصاد المحتوى منه. من كان مهندسا لمفاوضات انضمام ألمانيا الشرقية لألمانيا الغربية ، هو شخصية معروفة عند الألمان ، و تُحضى بشعبية لا نظير لها، إنه المحامي ، والرجل السياسي ، الوزير "وولف قانق شوبل Wolfgang Schäuble" وزير الاقتصاد الألماني ، الذي ولد سنة 1942 في مدينة " فريبورغ أونبريسقو" في ألمانيا الغربية سابقا، ينتمي إلى عائلة بيسطة ، حيث عمل مستشار مالي لشركة نسيج ، وكان له دورا فعالا في إنشاء المكتب المحلي للحزب الديمقراطي ، واصل دراسته في الفرع المالي، إلى أن تحصل على شهادة الدكتوراه، وهو يتكلم اللغة الفرنسية بطلاقة، ولا يحب فرنسا. وبما أنه كان مهندسا لمفاوضات توحيد الألمانيتين ، من خلاله مكانته الكبيرة في الحزب الديمقراطي ، أصبح محل إزعاج لبعض الدوائر، حيث أنه ، وبتاريخ 1990.10.12 تعرض لمحاولة اغتيال أثناء نشاط حزبي ، وأصيب بشلل نصفي ، وأصبح مُقعدا يمشي بكرسي متحرك ويتنقل بدون مساعدة أي شخص، معتمدا على نفسه ، كيف ذلك وهو الذي يقود الاقتصاد الألماني في حكومات متعاقبة إلى يومنا هذا، وهو على كرسي متحرك. لقد تقلد هذا السياسي المحنك، أول منصب وزير بصلاحيات خاصة سنة 1984، حيث تم تعيينه من طرف المستشار "هلموت كول" الذي يعتبر مقربا منه ورجل ثقته. وهو من فاوض، ووقع اتفاقية توحيد الألمانيتين سنة 1990، وكان من أشد المعارضين لقانون الجنسية ، حيث قالها صراحة ، نعم للاندماج ، ولا لازدواجية الجنسية. ثم وصل إلى منصب رئيس الحزب المسيحي الديمقراطي خلفا للمستشار "هلموت كول" ، فقام بتعيين " انجيلا مركل " أمينة عامة للحزب . وفي سنة 2000، أُعيد انتخابه كنائب فيدرالي، ثم كنائب رئيس للمجموعة البرلمانية للحزب الديمقراطي ، إلى أن تم تعيينه وزيرا للداخلية سنة 2005، حيث كان صارما من الناحية الأمنية ، وقد صنف المسلمين على أنهم إثراء لألمانيا ولتنوعها . وعندما رجع إلى وزارة المالية، أشار بفكرة شراء الأموال المهربة إلى سويسرا من طرف المتهربين من الضرائب ، وأمر بتخفيض الضرائب ، وقد تعرض لوعكات صحية ألزمته الفراش لشهور، لكنه كان يعود للعمل بكل صرامة ، وكان له موقفا من الأزمة اليونانية ، واقترح خروجها من الاتحاد الأروبي ، نظرا لعدم تحكمها في تسيير الأزمة المالية . وفي يوم الجمعة الفارط، أدلى بتصريح ناري بخصوص تردد بريطانيا، حول الانسحاب من الاتحاد الأروبي ، حيث قال للصحافة ، "إما أن تبقى أو تبقى خارجا، وفي هذه الحالة سوف لن تستفيد من امتيازات السوق الأوروبية الموحدة ، وأنا وزملائي في الاتحاد الأروبي نحضر لكل السيناريوهات ،" يختم قائلا. وأمام أزمة الهجرة التي يمر بها عدد كبير من الدول الأروبية ، اقترح الوزير "وولف قانق" إعداد مخطط مارشال لمواجهة ظاهرة الهجرة والتكفل بها . وخلال مساره الحزبي والمهني ، تقلد عدة أوسمة وجوائز دولية ، ووطنية نظير ما قدمه من تفان واقتدار في التسيير. كما حصل على 05 شهادات دكتوراه فخرية من عدة جامعات ألمانية ، ونال أكثر من 08 جوائز ، وعلى رأسها جائزة المؤتمر الألماني حول الإسلام ، على مبادرته بعنوان : جائزة المصالحة والتسامح . هذه مقتطفات عن وزير ليس كالوزراء ، فرغم وضعه الصحي ، ورغم الإعاقة ، مازال رجل أقوى اقتصاد في أوروبا. والعبرة هنا ، أن الأزمة ليست أزمة إمكانات، بقدر ما هي أزمة استثمار في الرجال. فقلما تجتمع السياسة مع الاقتصاد عند رجل واحد ، أما عن رجالات الساسة عندنا فالحديث يطول.