بمجرّد أن تتجاوز الحاجز العسكري ب "ثنية يفري" بمسعد حتى تشعر بالطريق وهي تنساب بك جنوبا عبر الطريق الوطني رقم 01 ب ... انها الوجهة نحو أقصى جنوب ولاية الجلفة ... قطّارة تنتظرك في الأسفل وهي تفتح ذراعيها لتحتضنك بكل حنوّ وشفقة وحبّ وكرم "أخضري" ... لأنك بكل بساطة تلج الصحراء عبر بلدية مترامية الأطراف تحد مُدنا صحراوية عريقة من تقرت والقرارة ... أنت هنا في قطّارة عاصمة "أولاد لخضر" أحد بطون "أولاد أم الإخوة" من عرش "أولاد نايل" ... انها الأرض التي بنى الأجداد مجدها وعزتها حين رفضوا الخضوع للأتراك ودفع الضرائب لهم بل ودفع أبناؤها من دمائهم ضد السلطة التركية في موقعة "طزيوة" (تقع بإقليم بلدية قطارة 50 كلم جنوب شرقها) حسب الرواية الشعبية التي نقلها الباحث حامدي مختار. لتستمر المنطقة في صنع ملاحمها عبر التاريخ ... ولكن هل حافظ الأحفاد على الأمانة؟ وهل فعلا أن أهل قطارة قوبلوا بتجاهل وجحود ونكران؟ قطّارة ستخبرك أنها ضحية على ثلاث مستويات ... محلية وولائية ومركزية!! ... "الجلفة إنفو" زارت قطّارة وعادت بهذا التحقيق ... قطّارة ... تضاعف السكان في نصف قرن دون تنمية حقيقية !! كان عدد سكان قطّارة في الإحصاء العام للسكن والسكان سنة 1977 يقدّر ب 6100 نسمة ليصل سنة 1987 الى ما يناهز 7469 نسمة ثم 11151 نسمة 1998. وبعدها تناقص السكان الى 9926 نسمة في الإحصاء العام لسنة 2008 وهو ما يمكن تفسيره بشبه هجرة أو نزوح جماعي الى أقرب المدن في السنوات الأولى للألفية الجديدة بسبب أن قطّارة ظلت مهمشة الى وقت قريب. لتبدأ برامج محتشمة جدا للتنمية أهمها الطريق الوطني رقم 01 ب الذي يُعتبر أهم مشروع على الإطلاق ساهم في التنمية بالمدينة التي بدأ عدد سكانها يرتفع ليصل الى 10432 بنهاية سنة 2014. تتوزع الكتلة السكانية لبلدية قطّارة على مساحة شاسعة جدا تقدّر ب 4379.82 كم مربع. ففي عاصمة البلدية يتواجد حوالي 04 آلاف نسمة في حين أن ثُلُث السكان متفرقون في فيافي قطارة كبدو رُحّل، بينما التجمعات الفرعية تُحصي حوالي 2700 نسمة. وتأتي قرية "طاهيري محمد"، بمنطقة "البويقلة" والأقرب الى مسعد، كثاني أهم تجمع سكاني بل إنها تملك كل مقومات البلدية اذا ما تم استغلال موقعها الإستراتيجي وامكانياتها الفلاحية الرعوية والصحراوية. الحرمان من غاز المدينة ... مؤامرة لقتل الاستثمار في قطارة!! اذا علمنا أن قطارة تتوفر فيها شبكات أنابيب وطنية ودولية لنقل الغاز وأن بلدية القرارة البعيدة عنها ب 40 كلم فقط يوجد فيها غاز المدينة ونفس الأمر بمدينة تقرت على مسافة 140 كلم ومسعد "170 كلم" ... فإنه سيُطرح سؤال حول عدم استفادة قطارة من الربط بغاز المدينة؟ خصوصا وأنه يوجد الكثير من نقاط الاقتطاع فيها point de prélevement. وهو ما يحيل على المثل: كالعيس في البيداء يقتلها الضمأ *** والماء على ظهورها محمول واذا تابعنا خطاب المسؤولين حول الاستثمار بقطارة بدءا من الوالي الى أبسط موظف، نجد أنه استغفال للرأي العام ... اذ كيف سيأتي مستثمر لبناء فندق ومركب حموي بقطارة وهي لا تحتوي على غاز المدينة؟ ... أم أن المسؤولين يريدون من المستثمر أن يستعمل أشجار السدرة للتدفئة والطبخ؟ وهكذا تدفع قطارة الثمن بانعدام غاز المدينة الذي يمر تحت أرجل مواطنيها ... لا استثمار سياحي ولا فلاحي ولا تجاري !! موارد مالية ببلدية قطّارة ... لا تتوفر في غيرها !! اذا تجاوزنا الحديث عن المخصصات المالية في ميزانية بلدية قطارة من برامج التنمية البلدية، فإنه سيُطرَح سؤال مُلح حول اجتهاد منتخبيها ومسؤوليها في خلق موارد مالية خاصة بها !! فالداخل الى قطارة من شمالها سيلاحظ وجود صف طويل لمشروع قديم على قارعة الطريق الوطني رقم 01 ب قيل لنا أنها محلات "برنامج الرئيس- 100 محل في كل بلدية". وهي المحلات التي يمكن استغلالها لبيع تمور واحات قطّارة بالجملة وبالتجزئة واطعام المسافرين وفتح المقاهي والاستراحة بها ولم لا الاستحمام بحمامها !! غير أن السؤال الأكثر الحاحا يتعلق حول الحمام اليتيم أو لنقل غرفة الاستحمام التي بنتها البلدية واستثمرت فيها غلافا ماليا ولكن دون استغلالها بمعنى الكلمة. فللوهلة الأولى لا توجد لافتة مرئية بوضوح تدلّ على موقع هذا الحمام للتعريف به ودعوة مستعملي الطريق الوطني رقم 01 ب للنزول به. فهذا الطريق تمرّ به 1037 مركبة على الأقل يوميا أي أكثر من 1000 مسافر محتمل لينزل للاستحمام بقطارة. ولعلّ أبسط مثال على اهمال بلدية قطارة لموردها الحموي هو فوج درّاجي الجبال الذين رغبوا في الاستحمام يوم السبت 24 سبتمبر فوجدوا حمام البلدية مغلقا رغم أنه يوم عطلة تتفرغ فيه الناس للاستجمام !! ويعود مرّة أخرى الحديث عن الجباية البترولية التي يُفترَض أن تستفيد منها بلدية قطارة كون اقليمها تمرّ عليه 03 أنابيب للغاز (GO1, GO2, GO3) قطرها 48 بوصة على خط طوله 73 كلم من مشروع خط طوله 549 كلم واسمه "حاسي الرمل-وادي الصفصاف" وضع حيز الخدمة منذ سنوات 1982،1987، 2007. يُضاف اليه خط غاز آخر على مسافة 36 كلم ويتعلق ب 03 أنابيب للغاز (GK1, GK2, GK3) من مسافة 576 كلم لخط الغاز "حاسي الرمل - سكيكدة" الموضوعة حيّز الخدمة ابتداء من سنة 1971، 1998. هذه الجباية البترولية سيُضاف اليها جباية أخرى تتأتى من نشاطات البحث عن المحروقات من طرف شركة "سوناطراك" بمنطقة "حاسي مطماط" بإقليم بلديتي قطارة وأم العظام ما سمح بخلق 80 منصب عمل مؤقت سنة 2014. ويُضاف الى المصادر سابقة الذكر، محجرة منطقة "حجرة جحا" الموجهة لإنتاج حصى البناء وهي محل استغلال من طرف شركة خاصة حسبما تشير اليه احصائيات الولاية. مع العلم أن ولاية الجلفة بأكملها يوجد بها 26 موقع فقط لهذا النوع من المحاجر. قطارة ... مستقبل الفلاحة الحديثة بولاية الجلفة كلام جميل تطلقه مديرية الفلاحة بالجلفة في إحصاءاتها. فهي تتحدث عن برنامج اقتصاد المياه وتقنيات الري الحديثة باشراك الجامعة ومعاهد التكوين المهني بهدف الوصول الى مساحة مسقية تصل الى 60971 هكتار في آفاق 2019/2020. غير أن هذا الكلام يخالف الواقع. فمثلا قطارة التي يوجد بها أزيد من 400 ألف هكتار قابلة للاستصلاح لم تستفد سوى من حوالي 8040 هكتار كمحيطات فلاحية جديدة وكأن الأمر يتعلق ببلدية صغيرة المساحة مثل مسعد. ففي سنة 2014 تمت المصادقة على انجاز 04 محيطات فلاحية من طرف اللجنة الولائية للتوجيه والتنفيذ للتنمية الفلاحية والريفية في 05-02-2014. ويتعلق الأمر بكل من محيط المهري (1000 هكتار) ومحيط ضاية الطبل (3000 هكتار) ومحيط أم لمعة (2000 هكتار) ومحيط العلندة "السافل" (2000 هكتار). اضافة الى المحيط المقترح بالبويقلة "واد أثر" بمساحة 40 هكتار ... والسؤال المطروح أين وصل ملف هذه المحيطات المستحدثة؟ وهل سيتم توزيعها بنفس الطريقة الفاشلة في بلديات ولاية الجلفة؟ وحسب باحثين في قطاع الفلاحة، فإنه يمكن أن تشكل بلدية قطّارة أرضا ملائمة لزراعة القمح باستعمال تقنيات الري الحديثة (الرش المحوري، السقي بالتقطير، بناء وتجديد شبكات الري التقليدي لاستغلال مياه الحمام في السقي) مع امكانية الوصول الى محصولين في العام الواحد بالنظر الى المناخ الذي تتميز به المنطقة. وفي هذا الصدد تثبت احصائيات مديرية الفلاحة أن بلدية قطارة قد أنتجت 600 قنطار من الحبوب من مساحة 20 هكتار سنة 2014. وهو ما يعني أن مردودية الهكتار الواحد من الحبوب في قطارة هي الأعلى ولائيا (30 قنطار/ الهكتار) عكس البلديات التي تنتج كميات كبيرة مثل سيدي لعجال التي أنتجت 19550 قنطار (مردود 05.97 قنطار/الهكتار) و 23150 قنطار بحاسي فدول (07.27 قنطار/ الهكتار) و16320 قنطار ببلدية القدّيد (05.92 قنطار/ الهكتار). ويصبح الواقع الفلاحي أكثر مأساوية ببلدية قطارة اذا علمنا أنها قد حُرمت رفقة بلدية أم العظام من البرامج الأخيرة للكهرباء الفلاحية رغم أن واحات قطارة قد أنتجت 4920 قنطار من التمور على مساحة 86 هكتار فقط (مردودية 57 قنطار/ الهكتار) وبها مساحة فلاحية قابلة للاستصلاح تناهز نصف مليون هكتار أي ما يعادل مساحة أزيد من 10 بلديات بولاية الجلفة أو ما يعادل مساحة احدى ولايات المتيجة !! مع العلم أن النخيل بقطارة تبدأ بالإثمار في عامها الرابع أما الإنتاج الوفير فيبدأ من العام الخامس أو السادس بمردودية عالية. كما تتميز بلدية قطارة بوجود مساحات لأشجار السدرة التي جعلت من ولاية الجلفة تتبوأ الصدارة في انتاج عسل السدرة الذي صنفته دراسة مشتركة بين جامعات الجلفة والبليدة وبلجيكا بأنه يوافق المعايير الأوروبية. ومن خلال متابعة احصائيات قطاع الغابات لولاية الجلفة نجد أن قطارة غائبة عن احصائيات مصالح الغابات رغم أنه يوجد بها مساحات لأشجار السدرة والبطمة. وهو ما يجعلها معرضة لأخطار الرعي الجائر والحرث العشوائي وأخطار الفيضانات وبالتالي تهديد مصادر رحيق زهر السدرة. آلاف الجلفاويين يمرّون على حمام قطارة في طريقهم الى حمام زلفانة !! من النكت المتداولة بين سكان ولاية الجلفة أن بلدية زلفانة يجب أن تُسمى "جلفانة" بالنظر الى عدد الوافدين على حمامها المعدني من عاصمة السهوب. تماما مثل النكتة التي تقول بأن الوالي "جلاوي" سيكتسب حرف "الفاء" ويصبح "جلفاوي" ... فهل واقع السياحة الحموية بقطارة يحيل على أن الوالي اكتسب حرف "الفاء" وفهم معادلة السياحة بعاصمة السهوب؟ ويصبح الأمر أكثر مأساوية ومثيرا للحنق اذا علمنا أن الجلفاويين يقطعون مسافة 365 كم نحو زلفانة عبر غرداية، أو مسافة 340 كم نحو زلفانة مرورا بقطارة والقرارة. وهو ما يعني أن هناك تعطشا كبيرا للسياحة الحموية لسكان ولاية الجلفة الذين يتجاوز عددهم 01.4 مليون نسمة. ويضاف الى السياحة الحموية سياحة الصحراء من خلال زيارة الواحات والموقع الجيولوجي المعروف ب "سخفة القياد" وهو أعمق حفرة طبيعية بولاية الجلفة زارتها "الجلفة إنفو" رفقة "مجموعة دراجي الجبال بالجلفةDjelfa VTT" (ستتطرق "الجلفة إنفو" الى هذا الموقع السياحي). وهكذا سيصبح من العيب والعار أن هذه الأعداد الكبيرة تذهب أموالها الى ولاية أخرى دون أن تتحرك السلطات المحلية والولائية لإنعاش السياحة الحموية الداخلية. والمسؤولية ستكون ملقاة على عاتق بلدية قطارة بالدرجة الأولى لأنه لو كان هناك تخطيط لاهتمت البلدية ببناء عدة حمامات محترمة بمواردها وبقروض بنكية وتقوم بكرائها سنويا بما يدر عليها مداخيل محترمة تغطي تكلفة الاستثمار والتجهيز والتسيير وتسمح بتنويع الموارد المالية وتجعل من قطارة تستقطب الجلفاويين وعابري الطريق الوطني رقم 01ب. ونجاح السياحة الحموية ببلدية قطارة لم يعد محل جدل بعد انجاز الطريق الوطني رقم 01 ب الذي صار يضمن تدفق أزيد من 1037 مركبة يوميا اضافة الى أن حمام قطارة يقع على قارعة هذا الطريق الوطني عكس حمام زلفانة الذي يبعد عن الطريق الوطني رقم 01 بمسافة تفوق 45 كم. مياه حمام قطارة المعدنية لعلاج 12 نوعا من الأمراض حسب مصادر من مديرية السياحة بولاية الجلفة، فإن منبع حمام قطارة يقع بالبلدية نفسها الواقعة على علو 37 م عن سطح البحر بدرجة حرارة مقبولة للاستحمام المباشر وهي 45° وبقوة تدفق 03 ل/ ثا. وأكد مصدرنا على أن الخصوصيات المعدنية للمنبع الحموي بقطارة والتحليلات الفيزيائية – الكيماوية أكدت امكانية معالجة 12 نوعا من الأمراض وهي: أمراض داء المفاصل، أمراض الضعف الوظيفي، أمراض الشرايين، أمراض ضغط الدم، أمراض الأعصاب، الأمراض الجلدية، أمراض النساء، الأمراض المعدية، أمراض الجهاز البولي، أمراض الجهاز الهضمي، أمراض الأنف والحنجرة والرقبة، الأمراض التنفسية. آفاق التشغيل في قطارة ... البداية بالتكوين المهني في السياحة والفلاحة !! من باب الإنصاف، نقول أن اقتراح مشروع مركز للتكوين المهني (300 مقعد / 60 سرير) بقطارة هو قرار حكيم يجب أن يُتبع بسياسة تكوينية تراعي خصوصيات المنطقة. فكما سبق الإشارة اليه، بلدية قطارة هي مستقبل الفلاحة الحديثة بولاية الجلفة بالنظر الى مناخها ومساحتها الشاسعة. والتخصصات التي يجب أن تحظى بالأولوية هي الفلاحة الصحراوية لا سيما منها النخيل وزراعات البيوت البلاستيكية والأعلاف. يُضاف الى ذلك تخصصات الري وصيانة عتاد الري والميكانيك الفلاحي. ونفس الأمر بالنسبة للتخصصات المرتبطة بقطاع السياحة مثل التسيير السياحي والفندقة والطبخ والصناعات التقليدية مع العلم أن قطاع الصناعة التقليدية سجّل 03 حرفيين رسميا من بلدية قطارة. وتبقى البلدية مطالبة بأن تلعب دورا مباشرا باستقطاب الكفاءات، كأن تُخصّص للأساتذة سكنات وظيفية فردية وجماعية لضمان استقرارهم. قطارة في عهد "التتراك"!! يُقال في العامية "فلان ترّكوه" بمعنى لم يتركوا له شيئا. هذا الكلام يصح على بلدية قطّارة التي "ترّكها" المسؤولون المحليون والولائيون والمركزيون فلم يتركوا لها صورة جميلة في أذهان الناس ... لا سياحة حموية ولا سياحة صحراوية ولا فلاحة ولا تهيئة حضرية ولا استثمار ... حتى الطريق اليها يعرف تذبذبا ونقصا رهيبا في التغطية بشبكات الهاتف النقال ... قرية طاهيري بالبويقلة ... حيث تنعدم التهيئة الحضرية حمام صغير جدا واستثمار حموي معدوم قطّارة لا توجد بها تهيئة حضرية واحات غنّاءة بقطّارة ... تنتظر الإستثمار الفلاحي