تغزو وبقوة هذه الأيام جل أسواق الجلفة ثمرة الكمأ أو كما يصطلح عليها محليا ب "الترفاس" وهو ما علق عليه سكان الولاية كونه "فأل خير" لموسم فلاحي مزدهر على الأبواب. ورغم أن ما هو معروض تم إقتناؤه بقدر كبير من ولايات الجنوب الغربي للبلاد وبخاصة من بشار، فقد رسمت هذه الصورة في أذهان البعض عام الخير والخيرات وعادت بهم إلى سنة 2009 التي عرفت موسما فلاحيا منتعشا لكثافة التساقطات المطرية آنذاك. وفي حديث ل"وأج" مع عدد من العارضين -- الذين هم في الغالب من التجار الموسميين الذي يختارون في كل مرة ما يجلب نظر المستهلكين ويدغدغ جيوبهم ليشتروا ما يشتهونه ويتلذذون به على موائدهم-- أكدوا بأن الترفاس متوفر هذا العام بشكل كبير وستطول فترته إذا ما استمر التساقط وبخاصة في السهوب والصحراء الواسعة. وحسب العارفين بخبايا السوق فإن قلة مما هو معروض في هذه الفضاءات التجارية هو ترفاس المنطقة الذي يعرف بلونه الأسود وهو ما يجنى بالمنطقة السهبية لولاية الجلفة و لكن في وقت متأخر على عكس النوع الآخر المتوفر هذه الأيام بقوة والذي تم إقتناؤه من ولاية بشار وما جوارها، ويماثل الترفاس شكلا ولونا درنة البطاطا إلا أنه يميل إلى اللون الفاتح. وهناك أيضا نوع آخر من ذات المنطقة لونه أبيض ويطلق عليه إسم " البلهورش". وفرة تقابلها أسعار ملتهبة بالرغم من وفرة الترفاس وعرضه أيضا على حواف الطرقات الوطنية كما هو الحال بالمخرج الجنوبي لمدينة الجلفة غير بعيد عن قرية "أولاد عبيد الله "إلا أن السعر يبقى في غير متناول البسطاء الذي يتلذذون بمشهده في طاولات العرض ويبتعدون عن مذاقه مسافات مسافات. فسعره يتراوح ما بين 1600 إلى 2500 دج للكيلوغرام الواحد من الصنف الجيد الذي يمتاز بحبته الكبيرة حيث يسهل غسلها وتنقيتها من التراب. وأما النوع الردئ بسبب صغر حجمه أو كساده فيصل سعره إلى 700 دج ولكن تبقى نوعيتها بغير محل الرضا و قد لا يشتهيها البعض وأحيانا يتحتم عليها من يريد أن يتذوق "الفأل" بمعنى "الباشرة" الأولى للفاكهة أو الخضروات في مواسمها. قد يسهل شراء الكمأ ولكن الصعب هو ذلك البحث المستمر من طرف جانيها الذي يجد مشقة وتعبا في العثور على هذه الحبة الثمينة، إلا أن ما يحول بينه وبين إرهاقه هو ذلك الإنتعاش عند اقتناص حبة الترفاس التي تختبئ في تربه سطحية - عمقها حوالي سنتيمترين أو أزيد بقليل - متصدعة من حيث المظهر يكشفها البعض بخبرتهم ونظرهم الثاقب فهي الثمرة التي لا ورق ولا زهر وحتى لا جذر لها في الأرض. وجود نوع من النباتات الصحراوية في المنطقة دليل على توفر الترفاس بقوة وتسمى هذه النبتة حسب الحاج المختار - أحد من تعلق قلبه بصحراء واد جدي ( 130 كيلومتر جنوب الولاية)- ب "الجوبر" الذي هو مؤشر حقيقي لا يختلف فيه إثنان منذ القدم. إختلاف أنواع الترفاس الذي هو ثمرة واحدة بمذاقه حتى وإن تعددت أشكاله وأحجامه إلا أن أصناف طهيه تتباين في المطبخ الجلفاوي. فالكثير من يحبذه مطبوخا بالماء المغلي لساعة أو أكثر ثم يتم رفسه بإضافة المادة الدسمة ما يعرف " الدهان الغنمي" الذي يضفي هو الأخر مذاقا ساحرا على الترفاس فيعطه طعمه الحقيقي والممتاز و لا يدرك ذلك إلا من تناوله على المائدة الجلفاوية. ومع هذا الحراك في النمط الإجتماعي وإحتكاك المرأة الجلفاوية بقريناتها وتغير في الطبخ بما يحدث من تحولات عصرية بحتة أضفت النايلية أصنافا أخرى لطهي الترفاس فأصبح يوضع في المأدبات الفاخرة فوق الكسكسي وهناك من يطهوه مع طاجين الزيتون ولحم البقر. وهناك من النساء من يجعلنه مكونا مع خلطة للخضر وبعضهن يجعلنه ضمن حشوة المقبلات حسبما تم إستقاؤه من كثير من النساء اللواتي يدركن هذه الثمرة ولكن لا يخفين تعبهن من التنقية التي تأخذ وقتا كبيرا حيث توجد التربة تحت التشققات بكثافة معتبرة. الترفاس طعم متميز يوصف ماؤه لمداواة العين إلى جانب الطعم المتميز للترفاس وحضوره في أطباق تقليدية وأخرى عصرية شهية المذاق فهناك من يرى بأن لها فائدة في مداواة العين من حيث ما يستخرج من عصارة مائها الطبيعي الذي يضاف لكحل العين. وفي رواية السنة النبوية الطاهرة فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين" ومعنى المن أن الله سبحانه وتعالى أمتن على عباده بها فهي تنبت بلا تكلفة بذور ولا زراعة و حتى بلا سقي. والجدير بالذكر لم تبرز لحد الساعة أية محاولات لإستزراع الكمأ لأن ذلك سيكون مآله الفشل حسب العارفين بذلك ويبقى الإعجاز في ذلك لحديث النبي (ص) الذي اعتبرها من من الله عز وجل على عباده.