صورة من الأرشيف لا أريد من خلال كتابة هذا الموضوع التحامل على أي جهة حتى لا ادع مجالا للتأويل أو التضليل، خاصة أن الأمر جلل ويتطلب منا جميعا الوقوف جنبا إلى جنب والتراص لمواجهة التحديات والخطر الداهم، ولا يوجد في تصوري أيا كان بمنأى عن الخطر وخاصة أن ما أتناوله يعتبر قضية أمة وقضية وطن، فلم نتخلص بعد من أتون المستعمر، فهو كالحرباء يتلوّن ورحم الله شهدائنا الذين أخرجوه جسدا، لكن رغم هذا مازالت جراحه لم تندمل، وأعترف أن هذا المستعمر ماكر و مخادع مازال يحن للعودة و لا زالت عينه على الجزائر، أقول هذا الكلام وأنا قلبي منقبض ويتحسر حزنا على ما آل إليه خاصة قطاع التربية في السنوات الأخيرة، وأنا الذي كنت أنتمي لهذا القطاع، دخلته طواعية في أيام كان الأستاذ أستاذا والتلميذ تلميذا ... اخترته من بين العديد من الوظائف التي كانت متاحة أمامنا ولست نادما على ذلك، وخرجت منه طواعية أيضا حينما أدركت أن ما جئت من أجله لم يعد ممكنا. سأقتصر هذه المرة على الحديث عن أهم الآليات التي كان يستعملها الأستاذ وهي العمل بالبطاقة التركيبية fiche de synthèse حيث كانت نتائج التلميذ خلال السنة النهائية تؤخذ إلى مركز امتحانات شهادة البكالوريا وتستعمل في حال الإنقاذ مما ينعكس إيجابا على مردود التلاميذ خلال الموسم الدراسي فيكونون أكثر اهتماما ومتابعة للدروس، ولكن دون استشارة القاعدة وبقرار مركزي تم تغييب العمل بهذه البطاقات التركيببية، فقلّ الاهتمام بالدروس و صار حضور التلاميذ من عدمه سيّان، وتلاشت أهمية المدرّس، فتدهورت النتائج بالأقسام النهائية خلال الموسم وصار التلاميذ يتحججون بأن الامتحانات لا فائدة تُرجى من ورائها في انتظار امتحان البكالوريا، وقد وصل الأمر إلى العزوف عنها وفي أحسن الأحوال هناك من يعيد ورقة الامتحان ناصعة البياض لا تحمل أي معلومة سوى اسم التلميذ المشارك. تصوروا أن في إحدى الثانويات بالجلفة، من مجموع قسمين، اثنان فقط تحصلا على المعدل ويبدو أن من شرّع بعدم العمل بهذه البطاقة التركيبية قد فسح المجال أمام ظاهرة الغش في البكالوريا من حيث (يدري) أو لا يدري، لأن التلميذ الغشاش لا يفتضح أمره خلال الامتحانات فهو ينام طول السنة مادام هذا الإجراء ساوى بين النائم واليقظان، و في غياب المتابعة و هذا التلميذ الكسلان ينتظر ساعة الصفر ليستعمل أسلحة الدمار الشامل في الغش بكل أنواعه وبأساليب ممنهجة ومنظمة وكاد الغش أن يكون حقا من حقوق المواطنة . بعض المدراء وجدوا صعوبة في دراسة قبول الإعادة للراسبين لان كشوف النقاط لم تعد لها جدوى لتلاميذ ليس لهم وعي إلا حين الندم لأنهم غُرّر بهم. طبعا عدم العمل بالبطاقة المذكورة هو أحد العوامل الرئيسة لتدني المستوى بالبكالوريا إضافة إلى عوامل أخرى لا تقل أهمية، منها العتبة لتحديد دروس الامتحان حيث صار التلاميذ يتربصون أخبار العتبة ليركزوا عليها في مذاكرتهم، وكذلك الدروس الخصوصية، وهي أو أقول (اسمحوا لي) عنها آفة المدرسة فقد علّمت التلاميذ الاتكال وعدم الاهتمام بالدرس النظامي وإحداث فوضى داخل القسم بين تلاميذ يريدون أن يفهموا الدرس وآخرين يريدون المرور عن الدرس، كما أن بعض المدرّسين سامحهم الله لا يهتمون بالدروس النظامية كاهتمامهم بدروسهم الخاصة، حاثين بقية تلاميذهم الالتحاق بهم في دور الدروس الخصوصية ( اللي مافهمش... يجيني للكاراج نفهمو)، وهنا يجب على الدولة أن تقنن هذه الدروس الخاصة و تجعلها في مؤسسات الدولة لا في مآرب الأنعام أكرمكم الله.. هذا غيض من فيض، أرجو أن تصل رسالتي للفاعلين والقائمين على قطاع التربية، فأولادنا فعلا في خطر والخوف على الجزائر لا سمح الله. *أستاذ ثانوي في العلوم الفيزيائية/متقاعد