من حراك الجلفة 2018 سبق وأن طرحنا من هذا المنبر الحر، موضوع "الولاية المليونية انتخابيا" الذي استُخدِمت فيه ولايتنا مراراً لأغراض انتخابية، وكيف أن تعداد سكانها يوظف من طرف محتكري السلطة عندما يحتاجون إلى ذلك، في مقابل تجاهل مطالب ساكنتها وانشغالاتهم، التي تتناسب مع حجمهم السكاني، على غرار حصة الولاية من جوازات الحج؛ مشروعات الدولة التي ترافق فرص الاستثمار في المنطقة؛ الالتفاتة المركزية للمحلي في مختلف القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم والشغل.. لكننا لم نتصوّر أن يتم استخدام ذات الوسيلة بعدما أبداه الشعب عموماً من فطنة وحس وطنيين والجلفاوي على وجه الخصوص حتى قبل فعاليات الحراك الوطني بأشهر، وبعدما انخرط أبناء الجلفة منذ اللحظات الأولى في المشروع الوطني للتغيير، الرافض لاستمرار الرداءة وتكريس الجهوية.. ومهما يكن من مبررات لدى طارحي فكرة مسيرة الأربعاء بالجلفة، وبغض النظر عن تجارب "الإيعاز" لمسيرات "عفوية" موجهة سابقاً؛ فإنّ أي مسعىً في هذا الاتجاه هو من قبيل شق الصف الوطني – على الأقل من وجهة نظرنا – وهو صدع لالتئام اللحمة الوطنية، واتفاقها على محاربة الفساد، وتوحّد الجزائريين في منظر شديد الأناقة وبكل سلمية ضد أي تدخل خارجي مهما كان مصدره.. ومهما يكن من مبررات لمروجي مسيرة الأربعاء تحت شعارات لا تتناغم مع الشعارات الوطنية التي يجمع عليها صوت الشعب كل جمعة؛ ورغم معرفة المجتمع الجلفاوي جيدا لبعض أطراف مروّجيها، وما يحوم حولهم من شبهات استغلال النفوذ وتكريس عهدات "الشكارة" أو إستغلال بعض المنابر لخدمة مصالح شخصية وأطماع فردية .. فإنّ وضع شباب الجلفة أمام خيارات حدّية ومفارقات مفتعلة لصرفه – عن قصد أو غير قصد – عن طموحاته الوطنية المفصلية، التي لا يتوجها سوى حرية التفكير والتعبير والاختيار، وفتح أفق حضاري فسيح يضم كلاً من خياره الاقتصادي ورفاه عيشه، ومشاركته السياسية الفعالة، وتفاعله الاجتماعي الإيجابي، ومكانته الدولية المرموقة.. وطرح تلك الخيارات بشكل مفارق على وزن "من ليس معنا.. فهو ضدنا؟!!" وهي فكرة قاتلة إقصائية خطيرة يستخدمها هؤلاء واستخدمتها "العصابة" قبلهم، وتساؤلات صادمة تحمل إجابات منطقية مبطنة، تضع براءة شبابنا في فوهة الصراع، بين غرماء متشاكسون، يشتري كل منهم ودّ الشارع ويرجو القرب منه، من قبيل: "آن الأوان لتتحول أنظار العالم من البريد المركزي إلى ساحة عقبة بن نافع بالجلفة.." رغم أنني لا أعرف ساحة بهذا الاسم في الجلفة؟!.. وحتى لا تستخدم وجهة نظرنا هذه للأغراض نفسها التي يراد لمسيرة الغد أن تتحقق؛ فإننا ندين من هذا المنبر ذات التصرفات التي يحاول بها آخرون في مناطق أخرى ضرب وحدة المطالب الوطنية، واستماتة بعضهم – وهم أقلية وأصواتهم نشاز – في تكريس رايات وشعارات فئوية مخالفة للهبة الوطنية تحت راية العلم الوطني وعلى أنغام النشيد الوطني، أو وقوفهم إلى جانب فاسدين نهبوا من الجزائر خيراتها واستفادوا من امتيازات ومعاملات خاصة، نتيجة استغلال نفوذهم أو توظيف أموالهم أو تغليب انتماءاتهم القبلية.. وحتى لا نكون مثلهم فيجب أن لا يجرّنا إلى هذه المزلقة الخطيرة فاسدون بيننا، وأن لا يستفيد من أصواتنا لاعبون غيرنا.. إنّ أكبر خدمة نسديها لفرنسا ومن يتربص بنا، هي الانخراط في مشروع التفرقة وتعدد الاهتمامات.. إنّنا من الجلفة ندعوا كل الجزائريين دون استثناء، كل من يعتز بانتمائه إلى هذا الثغر الأبي، وكل من يرابط على أمنه واقتصاده وإدارة مرافقه وتعليم أبنائه؛ إلى الالتفاف حول المطلب الوطني الوحيد "محاربة الفساد وتكريس دولة القانون والعدالة".. إننا نعلنها من الجلفة مدوية: انتهى عهد التصحيحيات، سئمنا من مسرحيات تصفية الحسابات؛ أين طالتنا شبهة استغلال بعض أبناء المنطقة – نقولها بكل مرارة وموضوعية – في دعم جبهة "ضرار" أثناء ثورة التحرير، أو دعم قيادات "ضرار" لأحزاب وحيدة في عهد التعددية، أين كان ذلك الاستغلال يحدث باسم الجهاد والوطنية تارةً أو باسم النضال والتصحيحية تارة أخرى، في مناورات تبرّأ منها أحرار الجلفة قديماً وحديثاً؛ وردوا عليها عملياً بانخراطهم ضمن المشروع الوطني ضد مشروع تقسيم الصحراء، ويتحمّل مسؤوليتها كل من انخرط من أبنائها ضمن مشروع تقسيم "التورتة".. ونهيب بمؤسسة الجيش الاستمرار في القيام بدورها المرافق لتطلعات الشعب بكل حيادية واحترام، وتفويت الفرصة على ما تبقى من عناصر "العصابة" التي تريد السطو على أحلام المواطنين وتحريف طموحاتهم، وإعطاء علاقة الأخوّة الوطنية حقّها وامتدادها الطبيعي بكل أطيافه؛ حتى تتحوّل عبارة "خاوة .. خاوة" من مجرد شعار، إلى عقيدة صلبة سمتها التكامل والثقة والانسجام في الأهداف..