استطاع عبد الرحمان بنوح خليلي الشاب اليافع من خوض تجربة ناجعة لغراسة الزعفران بولاية الجلفة في بادرة هي الأولى من نوعها، مشكلا بذلك إرهاصا أوليا وتحد كبير لإنجاح هذه الشعبة. وتأتي هذه المراهنة لغراسة الزعفران أو ما يتعارف عليه ب"الذهب الأحمر" لعملته النادرة وغلاء إنتاجيته التي تعتبر سبيلا اقتصاديا رائدا في كثير من الدول، وهو ما يؤكده جموع المختصين والعارفين بخبايا هذه الأنواع من الغراسات الزراعية ذات القيمة المضافة في القطاع الفلاحي. وفي حوار مع "وأج" كشف خليلي أن اليوم الإعلامي الذي نظمته مديرية المصالح الفلاحية شهر أوت الفارط حول "غراسة الزعفران" شكل بالنسبة له الحافز الأول لدخول غمار هذه التجربة، وأضاف قائلا: "بدأت من يومها أتوسع في مطالعتي وأجمع كل المعلومات التي تصب في معارف وخبرات هذه الشعبة". وإلى حين ذلك لم تثن العزيمة والتحدي خوض هذه التجربة - يضيف ذات الشاب الذي ينحدر من ولاية غرداية - رغم التكاليف الباهظة للبذور وقيمة المشروع الممول ذاتيا ككل بقيمة ناهزت 5 مليون دج. وأشار إلى أن جني المحصول الذي تم البدء فيه مطلع هذا الشهر، حيث مكن ذلك في الأسبوع الأول من تحصيل كمية محتشمة من المادة الخام، يشكل "ثمار النجاح المنتظر". وأضاف بأن "اليد العاملة التي تم تشغيلها في هذا المشروع النموذجي كانت بالأمر الهين وسايرته منذ بدايته وهو ما كان حافزا على عكس كثير من المشاريع الإستثمارية التي يكون فيها أمر البحث عن يد عاملة مؤهلة أمر ضرب من الخيال". وأشار إلى أن تأجير الأرض بالمخرج الجنوبي لمدينة الجلفة في بداية المشروع كان أمر لابد منه، والطموح إلى الاستفادة من مساحة أوسع هو ذلك الحلم الذي يسعى لتحقيقه صاحب المشروع، الذي ثمن مساعدة ومرافقة المصالح الفلاحية على أمل أن تحقق له ما يصبوا إليه لتوسيع مشروعه الخاص وخوض تجارب أخرى كغراسة الفطر وغيرها مما ينجح بهذه المنطقة. مواكبة الطرق الحديثة وبمقاييس الجودة العالمية ومن أجل انجاح هذه التجربة المتعلقة بغراسة الزعفران الأحمر، ساير الشاب الطموح في مشروعه طرقا حديثة في السقي الفلاحي للمساحة التي تتربع على هكتار واحد بكثافتها العالية من حيث الغراسة. واعتمد طريقة بذر منتظمة تشتهر بها هذه الغراسة التي لها تقنيتها الخاصة من حيث تباعد البصيلات بحوالي 15 سم وعمق لا يتجاوز ذات المسافة وبتربة خصبة يتم تنقيتها من الحجارة وكل الشوائب التي قد تضر بنمو الزعفران الذي تبدأ غراسته فعليا في شهر سبتمبر، وتبدأ أزهاره في التفتح إبتداء من شهر ديسمبر ليتم البدء في قطفها في أوقات متباينة. وعند قطف الزهرات يتم نزع الشعيرات قرميدية اللون (أحمر متفتح) ليتم تجفيفها في منشفات ورقية ومن ثمة يتم تجميعها وهي النتيجة النهائية لمحصول غالي الثمن في الأسواق صنف كأغلى بهار في العالم من حيث قيمته الغذائية والطبية العلاجية، وتتراوح أثمانه بالعملة الصعبة ما يقابله بالدينار ما بين 6 و8 مليون دج للكيلوغرام الواحد. ومن أجل معرفة مدى جودة المنتوج سارع ذات المستثمر الفلاحي كغيره من أولئك الذي يخوضون تجارب غراسة الزعفران بالجزائر إلى مخبر أجنبي لتحليل مادة الزعفران من حيث جودتها وبقياس ISO 3632 الذي يفتقر له محليا في المخابر الوطنية مما يستدعي نقل العينة للخارج وانتظار نتائج التحليل التي يتم إرسالها إلكترونيا. "منتوج الجلفة من مادة الزعفران تحصل على شهادة الاعتراف بجودته، لكون غراسته متلائمة وطبيعة المنطقة بعلوها عن مستوى البحر بأزيد من 1.100 متر، وهو أمر كان منتظرا وكان مبشرا بالخير" يقول السيد خليلي. المصالح الفلاحية تسعى لتعميم التجارب الناجحة أكد لوأج، المهندس الفلاحي سعيد السعيد، مسؤول مكتب الإرشاد بمديرية المصالح الفلاحية، بأن "نجاح المستثمر خليلي في غراسة الزعفران وتثبيت آليات نجاعته بالمنطقة -المؤهلة بخصوصيتها لأن تكون مستقبلا قطبا فلاحيا في هكذا غراسات نموذجية - لم يتأت بمحض الصدفة بقدر ما ساهمت الأيام التكوينية التي نظمت في وقت سابق واستهدفت هكذا شعب فلاحية يراهن عليها في جذب مستثمرين جادين. ويقول ذات الإطار "لم نكتف بالأيام التكوينية بقدر ما اتجهنا نحو مرافقة هذه المشاريع الناجحة حيث تقديم الإرشادات التقنية وتتبع كل المراحل التي تمر بها هذه الغراسة ذات النجاعة الإقتصادية والربحية المضمونة". وأشار إلى أن الوصاية إختارت الجلفة من بين عدد من الولايات لتنفيذ أرضية الإرشاد والدعم الاستشاري، لترقية عديد الشعب الفلاحية وكذا لجعل هذه الولاية قطبا فلاحيا بإمتياز. وعن نجاعة خوض تجربة غراسة الزعفران أكد ذات المهندس "أن مردها أولا لقوة روح المبادرة والعزيمة التي تحلى بها المستثمر خليلي وبدرجة ثانية تلك الشروط الملائمة والمحفزة من حيث خصوصية المنطقة التي تتوفر على عوامل النجاح". "نسعى إلى تعميم مثل هذه التجارب الناجحة لتستقطبها جل بلديات الولاية من أجل استثمارات واعدة ترافقها المصالح الفلاحية من حيث الوسائل والإرشادات التقنية وما تضمنه من سبل التشجيع على تقوية هكذا شعب فلاحية". والجدير بالذكر، نظمت المصالح الفلاحية بالولاية خلال هذا العام يومين تكوينيين الأول مس طرق غراسة الزعفران وكان ذلك في شهر اوت الفارط وآخر نظم نهاية شهر نوفمبر كان يهدف لتشجيع غراسة الفطر. وإستقطبت التظاهرتين التي أشرف عليها مختصون وخبراء في المجال عديد المهتمين بالشعب الفلاحية ذات الربحية الإقتصادية.