غزّة هاشم اليوم قصفٌ عنيفٌ ، مدفعيٌ ، و صاروخيٌ : جوّا ، و برّا ، و بحرا ، يطال قطاع غزّة بكامل مدنه و قراه ، من قبل القوة العسكرية الصهيوأمريكية و المدعومة عربيا من بعض أنظمتها المتواطئة مع المشروع الصهيوني.. لقد أصبحت الحرب المعلنة على غزّة مكشوفة الأهداف، ليس من العدو الصهيوني فحسب - فهو ظاهر في ذلك - و إنّما من المتواطئين العرب الذين ارتبطت علاقاتهم المشبوهة بالربيبة إسرائيل ، هذه الأخيرة التي استطاعت أن تدمجهم ضمن منظومتها الإباحية ، بحيث ورّطتهم في علاقات مشبوهة انتهت بهم إلى الاندماج في صفوفها ، حتّى صاروا أكثر يهودية من اليهود ، و أشدّ شراسة من الصهيونية في إلحاق الأذى بالفلسطينيين ، و هو ما يراه العالم اليوم و يشاهده و يقف على مآسيه و مخازيه .. لم يعد مستوعبا هذا الصمت العربي المريب الذي خيّم على المواقف الرسمية في إطار المؤسّسات القانونية ، و التي آلت إلى أضحوكة أممية يسخر منها الجميع حيث نام أصحابها طويلا، و لم يعد يعنيهم أن يستيقظوا من سباتهم إن كان الأمر متعلّقا بقضاياهم المشروعة و في أولوياتها القضية المركزية في فلسطين .. فلا الجامعة العربية ، و لا منظمة المؤتمر الإسلامي ، و لا رابطة العالم الإسلامي التي صارت لا تخرج عن سياسة من دعا إلى الاندماج في دين واحد جديد يجمع كل الملل و النحل بغرض إبعاد الإسلام و استبدال كلمة الرب بديلا عن لفظ الجلالة الله تعالى ، و هي بدايات الركوع أمام المشروع اليهودي الماكر. ما يجري في غزّة من عدوان صهيوني سافر يتحمّل إثمه بالدّرجة الأولى من ساهموا ماديا و سياسيا في الانقلاب الآثم على الشرعية في مصر .. فالشواهد – و هي كثيرة - كلّها تؤكّد ذلك .. فمن يفترض فيهم – بحكم الأخوة الإسلامية - أن يفتحوا معبر رفح في وجه المساعدات الإنسانية ، و الإغاثات الدولية ، و الإسعافات الطّبية ، نراهم هم من يزيدون من معاناة شعب كامل محاصر لأكثر من عشر سنوات كاملات .. إنه بالإضافة إلى كونه حصارا إسرائيليا ، فهو حصار عربي مغشوش سياسيا .. كما أنّ الذين يتحمّلون إثم هذا الحصار الغاشم، و هذه الحرب الجهنّمية المبيدة هم أولئك العلماء المغشوشون، و المدسوسون، الذين تحوّلوا إلى بيادق بيد من يلعب بهم من حماة المشروع الصهيوأمريكي ، حيث مكّنوهم من تسيير أعلى المؤسّسات الدّينية الرّسمية كالأزهر الشريف، و دار الإفتاء، و غيرها من المؤسّسات التي فرّغت من محتواها الروحي و الشرعي ، حتّى عقد لهم ما يسمّى بمجلس حكماء المسلمين في دولة الإمارات العربية، هذه الأخيرة التي افتضح أمرها بما تنفذه من مؤامرات باتت تروّع الآمنين في بيوتهم في جهات كثيرة من العالم الإسلامي ، بل لم يسلم من مكرها عندها حتّى العلماء و الدّعاة و المتميّزون الذين ساهموا بشكل كبير في صناعة نهضتها و تطوّر حضارتها ، الذين لم يعرف عنهم أبدا أنهم في يوم من الأيام أساءوا إلى دولتهم. و يضاف ثالثا إلى هذين العنصرين السلبيين عنصر آخر و هو الإعلام المصري بصفة خاصّة ، حيث صار يشعلها حربا إعلامية للنيل من المقاومة الإسلامية في غزة من منطلق خلفيات الانقلاب على الرئيس مرسي، بالإضافة إلى الإعلام العربي عموما، و الذي هو الآخر صار عليه نوم طويل ، مكتفيا ببث لقطات لا تتجاوز الدقيقة أو الدقيقتين على الأكثر .. كان يمكن أن تكون حملات إعلامية عربية في كل القنوات العمومية و الخاصة حتى يحس الشعب الفلسطيني في غزّة أنّه ليس بمعزل عن إخوانه من العرب و المسلمين ، و هذا ما لم يحدث إلى غاية السّاعة .. و إن حدث تضامن إعلامي فينبغي أن تكون الحملة الإعلامية مشفوعة بحملة إغاثية : اقتصادية ، و مالية ، و طبية ، تخفف عنهم من آلامهم ، و تعيد الأمل إلى نفوسهم ، و ليكن أول شيء هو التفكير في زكاة الفطر على المستوى العربي بأن تدفع إليهم ، فإنها ستجدد بإذن الله دعم المقاومة و إعادة تعمير المخرب بالآلة الحربية الإسرائيلية. و إن لم يكن ذلك ، و هو المتبادر إلى الذهن ، فحجّة علينا قول نبينا عليه الصلاة و السلام حينما سأله عمّه العباس رضي الله عنه إمارة على مكّة أو الطّائف فأجابه يا عبّاس ، يا عمّ رسول الله " نفس تحييها خير من إمارة لا تحصيها " و عليه فلا خير فيمن لا يؤدي الأمانات إلى أهلها ، و لا خير في حكومات لا تحيي نفوس كثيرين ، يتهدّدهم الموت في كل حين ، من المنتمين إليها ، دينيا و قوميا و إنسانيا .. (*) كاتب و باحث و داعية صور من حي الشجاعية بغزّة