كتب أحد شعراء ولاية الجلفة عن المهرجان المحلي للموسيقى والأغنية والرقص واللباس النايلي فقال " مجرد هردة" لتبييض وجة الإدارة الثقافية في ولايتي ..المهم كلش يمشي، الرقص وفقط، لا ورشات،لا أيام دراسية كما هو متعارف عليه في المهرجانات التقليدية والتراثية ..ينتهي الأمر بمجرد أنتهاء آخر حفلة وتمرير ميزانية بمليار سنتيم أو يزيد في زمن التقشف ....الإدارة تعطي الريح وتشد "الصحيح" هذا شعارها" انتهى. بادئ ذي بدء ... لو نعود الى ديباجة البرنامج العام للتظاهرة المذكورة أعلاه بالموقع الإلكتروني لدار الثقافة "ابن رشد" فسوف نجد فيه كلاما أكاديميا كبيرا جدا يوحي بأنه ستكون هناك ورشات ومحاضرات ... حيث نجد مثلا عبارات "التثمين" و"التعريف بمختلف أنواع اللباس النايلي ومراحل تطوره" و"التعريف بالموسيقى النايلية" و"ترسيخ القيم الحضارية والثقافية" ... كل هذا الكلام جميل غير أننا سوف نصطدم بالبرنامج العام للتظاهرة حيث نجدها تقتصر فقط على "حفلات ... معارض ... لوحات فولكلورية". هل يُعقَل هذا؟ ميزانية تفوق مليار سنتيم لمهرجان محلي يشمل ثقافة ولايات بسكرةوالجلفة وتيارت والأغواط والمسيلة وعدة مناطق من عدة ولايات ... ولكن لا توجد ايام دراسية وورشات على هامشه؟ لا محاضرات ولا دعوات استكتاب؟ لا أساتذة جامعيون ولا باحثون في التراث ولا أكاديميين مدعوون الى هذا "المهرجان" !! فياترى ما الذي سيصدر في "كتاب المهرجان"؟ هل سيكتفي القائمون عليه باعادة جمع وطبع المقالات الصحفية التي تأتي بتكرار ممل جدّا الى حد القرف؟ وهل سيلتقطون عدة صور ويضيفونها الى ذلك الكتاب ليقولوا لنا في الأخير أنه قد تم صرف ميزانية المهرجان فيما يعود بالنفع على أهدافه؟. هل تصدّقون أيها المثقفون أنه في عاصمة أولاد نايل تُصرَف ميزانية مهرجان على "الغناء والشطيح والمعارض" بينما في فرنسا نجد دار النشر العريقة "لارماتون" تنشر كتابين عن ثقافة أولاد نايل وحياة الرّحّالة النوايل؟ بينما تعجز محافظة مهرجاننا عن مجرّد تنظيم يوم دراسي أو محاضرة !! ... منذ أيام راسلتنا السيّدة "نجاة حمريط" التي تقيم بفرنسا لتعرّفنا بالكتابين الصادرين سنتي 2006 و2005 عن دار "لارماتون": * "النساء والزرابي ... حكايات جزائرية" ... "Les femmes et les tapis ... contes d'Algérie" الصادر سنة 2006 * "حكايات بدوية جزائرية" ... "Contes Bedouins d'Algérie" الصادر سنة 2005 * والكتابان المذكوران يتميزان بالطابع السردي التوثيقي لتراث أولاد نايل بولاية بسكرة على لسان السيدة "مسعودة حمريط" التي عاشت حياة البدو الرّحل وابنتها "ميرة حمريط" التي قامت بالتدوين لتنقل حكايات وأمثالا وحكما وعادات وتقاليد نائلية وتحفظها من الإندثار. ولكن للأسف لا تجد هنا في الجزائر من يواصل على درب تلك السيدتين ويوثّق للتراث النايلي المادي واللامادي بطريقة تحفظه من الإندثار والنسيان وتفتح الباب للباحثين لكي يكتبوا عن هذا المجال بغرض التوثيق أولا ثم التدريب والتثمين في مرحلة لاحقة ... فهل سنسمع مثلا عن مبادرة لتعريب الكتابين المذكورين واصدارهما ضمن منشورات المهرجان؟ وهل سنسمع عن مباردة لترجمة كتب السيد أحمد خير الدين؟ لأنها تحمل التراث النايلي بتجليات أخرى غير الفولكلور. * الملاحظ على المهرجان المذكور أنه قد خلا تماما من أي يوم دراسي أو ورشة تكوينية وهو ما لخّصه صديقنا الشاعر بالقول "اقترحت يوما دراسيا أو ورشة لموسيقيين أكاديميين "وليس غياطين" يصنفون الأغنية النائلية ويضعونها في مكانها المناسب ويوثقونها فجاءتني الأخبار الصاعقة ... لا ورشة لا محاضرات لا كتاب مطبوع يرافق الدورة لا أي شيئ فقلت ماذا تبقى إذن؟ الرقص والهف بمليار سنتيم؟ باختصار حابين يخلونا في عقلية "الكبش" أذبح وكول واهرب" !! * هل يعلم القائمون على المهرجان المذكور أن التراث "المادي واللامادي" النايلي الذي يتغنّون بتثمينه لا يتعلّق فقط بالرقص والغناء واللباس بل يتعداه الى نظام حضاري قائم بحد ذاته في المجال المعماري (مثلا الخيمة الحمراء تُنصب في مواجهة الشمس) وتدبير المعيشة والغذاء والتطبيب والشعر الشعبي والفروسية وغيرها ... فهل نقزمه في ثلاثية اسمها "الشطيح والغناء واللباس"؟ ... لماذا لا يتجهون الى التراث النايلي المهمل لإبرازه بالورشات والأيام الدراسية والمحاضرات؟ فهل هو سوى منطق الإدارة عندما تطغى على العمل الإبداعي الفنّي؟ * وحتى لا يُقال أننا ننقد فقط من أجل النقد نسوق لكم مثالا عن كتاب تظاهرة "الأيام الثقافية الوطنية للفولكلور" التي احتضنتها ولاية النعامة بتاريخ 27-28-29 ديسمبر 2012 ... ولعلّكم كنتم هناك أيها الإداريون القائمون على الشأن الثقافي الجلفاوي !! * * لا بأس أن نذكركم بكتاب تلك المظاهرة ... لعلكم تفيقون وتعلموا أن التراث شأن لا يخص الإداريين لوحدهم !! * أولا تم تنظيم محاضرات على هامش تلك الأيام نشطها أساتذة تعليم عالي "بروفيسور" ودكاترة من جامعات تلمسان وسعيدة والنعامة ومعسكر وتيزي وزو وسيدي بلعباس. * ثانيا ... هذه بعض عناوين المحاضرات: "تجليات الثورة من خلال الشعر الشعبي الجزائري" ... "الثقافة الرسمية والثقافة الشعبية" ... "دور الموروث الشعبي في تنمية شخصية الطفل" ... "العمارة التقليدية وعلاقتها بالهوية الوطنية" ... "الحيدوس: فن، تراث، أصالة" ... "الآلات الموسيقية التقليدية بولاية النعامة" ... "الموروث الثقافي ... ممارسات ودلالات" ... وعدّة قصائد شعرية بالفصيح والشعبي. سؤال أخير ... ما فائدة قسم الفنون بتخصصيه "التشكيلي والدرامي" في جامعة الجلفة اذا لم يفرض على محافظة المهرجان المشاركة في تأطير التظاهرة؟ كتابا السيدتين "مسعودة وميرة حمريط"