يجيد الكثير من الجزائريين الدراسات الاستشرافية، لكن للأسف بقيت مقتصرة على التاريخ عكس الهدف الذي أنشأت من حوله، حيث تركنا البحث في المستقبل وبقينا ننبش في الماضي لعلنا نجد مراحل انجاز القنبلة النووية أو المركبات التي تنقلنا إ؟ الفضاء الخارجي. ويجتهد الكثير من المختصين في الدراسات الاستشرافية ببلادنا في إحياء النعرات القبلية وتناقل شائعات وأخبار كاذبة وقعت في وقت الثورة وجميع أطرفها ماتوا حيث لا يستطيعون ممارسة حق الرد لفضح من تسول له استعمال التاريخ للتغطية على التخلف والجهل الذي نعانيه اليوم، فعجزنا عن التفكير في المستقبل وحجز مكانة بين الأمم المتقدمة والمحركة للعلاقات الدولية. دفع بنا إلى الانتقام من بعضنا البعض والتفنن في تبادل الاتهامات والإساءة لسمعة بعضنا البعض، لأن الفراغ الفكري والعقلي أتى على الجميع وفي ظل غياب النقد البناء والنهي عن المنكر والأمر بالمعروف وإسداء النصيحة والتنازل عن الذات والنرجسية من أجل الشعب والدولة والمستقبل، ولكن هذا الأمر يبقى مستبعدا في وقتنا، لأن السلوكات التي نلمحها يوميا في مجتمعنا وأسواقنا وملاعبنا وجامعتنا وهيائتنا وأحزابنا.. و... قد تجعل غياب الدراسات الاستشرافية أمر ايجابي أكثر منه سلبي وإذا افترضنا أن هناك دراسات استشرافية، هل بإمكان القائمين عليها التجرؤ على ذكر الواقع ونقل الوقائع، وإذا افترضنا بأن الذين طلبوا إجراء الدراسات الاستشرافية اطلعوا على نتائجها ووجدوا أنفسهم هم المتسببين في تخلف البلاد والعباد، فهل سيطلعون الرأي العام على نتائجها وكيف سيتصرف الرأي العام بعد اطلاعه على نتائج الدراسات الاستشرافية. إن الدراسات الاستشرافية تتطلب أرضا خصبة للقيام بها ونشرها وتطبيقها والتسطير لتجسيدها وليس بيروقراطية لانجازها وصعوبة في تمويلها وتكتم على نتائجها واستحالة تطبيقها ومنه نصل إلى أننا نحن كمجتمعات وسلطات قد أصبحنا نتيجة لدراسات استشرافية غربية وإسرائيلية لقد نجح الغرب منذ 1990 في تحديد التوجهات الكبرى للعالم الثالث، فالمطلع على الدراسات الاستشرافية الغربية تكون قد تنبأت بسقوط الاتحاد السوفياتي وسطروا كيفية نشر الرأسمالية في بلداننا وبمرور الوقت أصبحنا خاضعين للدراسات الاستشرافية الغربية، ألم ينقلوا إلينا قيمهم وسلوكهم عبر القنوات الفضائية والهوائيات المقعرة حتى أصبحنا نحيي بتحيتهم ونلبس لباسهم ونساير مواقفهم ونقف ضد بعضنا البعض لإرضائهم، كما بتنا نكفر بالاشتراكية التي قدّسناها بالأمس وغيرها من التحولات في توجهات نفس الأشخاص وهو ما يؤكد صعوبة إجراء الدراسات الاستشرافية في دول العالم الثالث التي لا تتحكم في مصيرها، لأننا ملك للخارج والعلاقات الدولية تثبت ذلك، فما يحدث في فلسطين والعراق وباكستان وأفغانستان وغيرها من بؤر التوتر يجعلنا نستبعد الدراسات الاستشرافية من عقولنا، لأنها ستفضحنا وتعري واقعنا وتجعل المستقبل أسودا لأجيالنا وسيكتشفون بأنهم أمواتا من الآن وسيعرفون بأنهم سيعيشون من أجل توفير الحليب والبطاطا والعدس والعمل طيلة العمر لانجاز سكن فوضوي من أجل الحصول على سكن، كما ستصل النتائج إلى أهمية السفر للخارج من أجل تفجير الطاقات، لأن واقع البحث العلمي والتعليم العالي ما زال رهين استكمال المرسوم التطبيقي لزيادة الأجور حتى نسمح للأساتذة بالتفرغ للبحث العلمي. وعليه، فقضية الاستشراف يجب أن تطرح في مكانها وأمام من يستحقها وما عدا هذا، فهو بهتان وافتراء واسألوا لاستشراف عند من خطط لنقل الأنصار إلى جنوب إفريقيا وجلب اللحوم من السودان تحسبا لشهر رمضان، وهل سنجد ما أحسن من هذه الدراسات الاستشرافية في وقتنا الحاضر.