بعد أيام قلائل من لقاء ولاة الجمهورية بنظرائهم الفرنسيين تحيي بلادنا الذكرى 56 لعيد النصر، حيث تم التوقيع في مثل هذا اليوم من سنة 1962 على اتفاقيات إيفيان التي أقرت نهاية حرب استدمارية استطاع الشعب الجزائري، بفضل إرادته الفولاذية وعزيمته، افتكاك استقلاله رافضا كل المساومات، إذ كان ممثلا أحسن تمثيل خلال سنتين طويلتين من المفاوضات الشاقة، تمسك خلالها المفاوضون الشباب بمطالبهم الأساسية: الحرية والاستقلال ووحدة التراب الوطني من الحدود إلى الحدود. هنا تكمن عظمة الثورة والروح النوفمبرية للشعب الجزائري الذي استطاع بناء دولته بنفسه وتمكن من طيّ الصفحة الاستعمارية ليبني بعد ذلك علاقات تعاون وشراكة بين البلدين. ما صرح به وزير الداخلية الفرنسي جيرار كولومب يشد الاهتمام، إذ دعا إلى «تأليف كتاب جديد لصالح ضفتي البحر الأبيض المتوسط». وأكثر من ذلك، عبّر بقوة عن «أمله في إقامة تحالف قوي سيعمل على تغيير واجهة العالم في منطقتنا ». نعم، نحن على استعداد وباستطاعتنا تحقيق هذا المبتغى، لكن لماذا تسعى فرنسا دوما إلى حصر تعاملها معنا في خانتي الاقتصاد والشؤون الأمنية؟ الأولى أحادية الجانب لصالح شركاتها الكبرى، والثانية محاولة مستمرة لجر الجزائر إلى مستنقعات تحدثنا عنها سابقا. كلام السيد كولومب جميل جدا ونأمل أن يكون بادرة خير، إلا أن قادة بلاده عوّدونا على ازدواجية خطاباتهم. ألم يصرح أحد الرؤساء الفرنسيين السابقين، أن فرنسا بحاجة إلى منطقة مغاربية مستقرة تساعد على تحويل البحر الأبيض المتوسط إلى بحيرة سلام وتعاون، ردّدها العديد من مسؤوليهم وساساتهم وذهبوا إلى أبعد من ذلك بوضع مشروع (UPM)، فأين الاتحاد من أجل المتوسط؟ قد تكون المسألة مسألة مفاهيم والاختلاف يخص كلمة السلام التي تؤدي ربما معنيين مختلفين لدينا ولديهم. ألم نشاهد كيف تطور الوضع في الصرح المغاربي في ليبيا، تونس والصحراء الغربية... وما قاربهم من بلدان الساحل؟. هذه حقائق تذكر بعيدا عن أية ضغينة، لأننا نعمل المستحيل من أجل وطننا، كلامنا بارود ومستعدون لمد أيدينا بكل سيادة لبناء بلادنا. اختلافاتنا وأزماتنا لا تعيق مسارنا ولا تعد ثغرات تستغل لتدميرنا، لأن ضميرنا الجمعي درعنا الواقي. وما تاريخ الحركة الوطنية والعشرية الحمراء إلا نماذج حية. إننا أبناء عصرنا ولدينا القدرة على التكيف مع واقعنا ومسايرة تحولاته. لكن بلادنا تبقى دوما رأس مالنا.