توقع أمس الدكتور محمد خوجة، أستاذ في جامعة الجزائر، تسجيل انهيار في الكثير من المسلمات العسكرية ومفاهيم الصناعة العسكرية في العالم تماما مثل سقوط النظام الإقطاعي بفضل تكنولوجية الكومبيوتر المتطورة، مؤكدا تراجع نفوذ وسيطرة أسلحة الدمار الشامل أمام بروز أسلحة دقة التصويب، مما أعطى انتعاشا للحرب التقليدية بفضل قلة مفعولية السلاح النووي، وقدر أن الولاياتالمتحدةالأمريكية التي خاضت أربعة حروب انتزعت امتياز الاستفادة من تسهيلات وقواعد عسكرية في 131 دولة أي في نحو 70 بالمائة من دول العالم . ودعا إلى ضرورة التكيف والاستفادة كجزائريين وعرب من التحول الفكري والعقائدي الذي يحدث في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وبالمقابل صعود الروسيين والصينيين . دافع الدكتور محمد خوجة، خلال النقاش الذي أفضت إليه ندوة التحول في الشؤون العسكرية الأمريكية خلال العشرية الثانية، عن ما يروج حول التفوق العسكري الأمريكي وقوة جيش الولاياتالمتحدةالأمريكية، مفندا الشكوك التي تحوم حول قدرته في الحسم النهائي في الحروب التي خاضها، خاصة في العشرية الأخيرة. وأوضح الأستاذ في هذا الشق، أن الجيش الأمريكي لحد الآن يعد الجيش الذي خاض أكبر عدد من الحروب تماما مثل فرق كرة القدم والاحتكام في اختيار الأحسن الذي خاض أكبر عدد من المقابلات وسجل أكبر قدر من الأهداف. واعتبر خوجة في ذات المقام، أن من دوافع شن الجيش الأمريكي للحروب سعيه وراء تكريس مفاهيم مسطرة، على اعتبار أن الجيوش عندما تريد تحديد واختبار ترسانتها الذكية تلجأ لمثل هذه الخرجات العسكرية . وفي رده على سؤال يتعلق بزوال أسباب تواجد الحلف الأطلسي واستمرار سيطرته وبقائه حيا، ذكر الأستاذ أن الحلف الأطلسي يمارس أكبر هيمنة وبزنسة تقوم بها الولاياتالمتحدةالأمريكية، بالنظر إلى الحجم المفرط التي تسوقه وتبيعه من الأسلحة إلى دول الحلف الأطلسي، إلى جانب بيع التكنولوجيا ونشر الأفكار في أوروبا على وجه الخصوص، على اعتبار انه منذ الحرب العالمية الثانية والولاياتالمتحدةالأمريكية تهيمن في المنظومة الأمنية الأوروبية . وبخصوص التساؤل المتعلق بالقرار السياسي والبنية السياسية في العالم، يرى الدكتور أن القرار السياسي يبنى على الوقائع المادية أي باستقصاء الواقع العسكري، وقال في هذا المقام أن الرئيس الذي ليس له قوة على المجابهة سيدخل في مشاكل . ونفى دكتور العلاقات الدولية بجامعة الجزائر أن يكون قد بالغ في المعطيات التي قدمها حول التفوق العسكري ونجاعة الإستراتجية التي يجسدها الجيش الأمريكي، مستشهدا على ذلك بخوض أربعة حروب تتصدرها حرب كوسوفو وطرد القوات اليوغسلافية، ثم الحرب على أفغانستان والإطاحة بنظام طالبان وحروب الخليج. وأشار إلى أنه تحدث عن وقائع وفكر تكرس في الواقع الميداني، ووقف عند ملامح التحول الذي عرفته المؤسسة العسكرية الأمريكية دون إعطاء وجهة نظر شخصية أو تهليل . واغتنم الفرصة ليستعرض التراجع الذي سجلته أسلحة الدمار الشامل والمتمثلة في الأسلحة النووية، بفضل إطلاق أسلحة دقة التصويب وأسفر الوضع حسب الأستاذ عن تسجيل انتعاش محسوس لعودة الحرب التقليدية.واعتبر الأستاذ خوجة في هذا السياق، أن بؤر التوتر مع إيران وكوريا مرتبط في الجوهر بمشاكل إقليمية ولا يعبر في الحقيقة عن السلاح النووي. وأجاب الأستاذ خوجة بإسهاب فيما يتعلق بالدور الرئيس للولايات المتحدةالأمريكية، واعترف أنه عقب الحرب على فيتنام جاء قانون صدر عن الكونغرس يمنع الرئيس الأمريكي من الذهاب إلى الحرب أو شنها دون العودة إلى الكونغرس، لكن هذا النص القانوني حسب الأستاذ تضمن استثناء وأعطى صلاحيات لهذا الرئيس في شن الحروب في حالة تلمس ورؤية الرئيس لمصلحة خاصة للولايات المتحدةالأمريكية، وخلص إلى القول في سياق متصل انه لم يحدث في تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية، أن أدار رئيس الجمهورية بنفسه هذه الحرب باستثناء كما قال براهيم لينكون عندما واجه الجنرالات عجزا وفي فترة حكم ماديسون عندما وصلت بريطانيا بحربها إلى البيت الأبيض سنة 1813 لذا الرئيس الأمريكي أضاف الأستاذ يقول سلطة الحرب والإدارة، ووصف أن في هذه الحروب إبداع أمريكي أرجعه إلى تطور الأسلحة الأمريكية، ولأن في الولاياتالمتحدةالأمريكية وزراء الدفاع وقادة الأركان، الذين يفترض أن توكل لهم مهمة الإشراف على الحرب، دورهم يقتصر على التحضير لها فقط ومنفذها يتبناه القادة الإقليميين، وهذا حسبه ما يضفي مرونة على الأداء وينقذ الرئيس الأمريكي حتى لا يكون ضحية . وكشف أن الولاياتالمتحدة بسبب تخوفها من عدة دول، وللاحتياط منها في حالة تحولها إلى عدو على غرار روسيا والصين، تعكف على تحضير ترسانة من الأسلحة الغير تقليدية، ولأن لديها منذ سنة 2001 تسهيلات وقواعد عسكرية في 131 دولة أي تستحوذ على هذه التسهيلات في70 بالمائة من دول العالم . وأعطى الدكتور إجابة مقتضبة على سؤال يتعلق بالصفقات الكبيرة التي أبرمها الجيش الأمريكي والدور العربي في التسلح، رغم أنها تحتاج للاستفاضة وتطرق من خلالها إلى بؤر التوتر التي تصطنعها الولاياتالمتحدة في منطقة الشرق الأوسط وبالخصوص على الأراضي العربية، حيث أفاد أن الثورة تقوم على ثلاث ركائز يتصدرها توفر الجانب التكنولوجي والعامل العقائدي إلى جانب تنظيم الجيوش، غير انه استطرد مشيرا إلى وجود ثورات واندلاعها دون أن تتوفر على هذه الركائز . وقال أن تنظيم الجيوش لدى الدول العربية مسكوت عنه، لأنه مرتبط بجوانب سياسية يصعب الحديث عن كيفية الاستفادة منها . وفند خوجة ما يطلق على الجيش الأمريكي وما ينسب إليه، حول اقتصار تفوقه على المجال الجوي دون سواه، وأكد أن هناك عدة حروب ومعارك أبدع فيها الجيش الأمريكي، وكانت برية على غرار استشهاده بحرب المائة ساعة التي خاضها في العراق مع الكويت، وأقر الأستاذ حقيقة أن الجيش الأمريكي لا يريد الخسائر ويحاول تفاديها، لذلك يحاول الاستثمار في التكوين كأقصى حد للمحافظة على الجنود، ولأنه كما أوضح الأستاذ في حرب الخليج الثانية الجزء الأول من الحرب جاء صاروخيا وعقب انقضاء شهر كامل تطلب الوضع وجود جنود على أرض الميدان أي قوات مرابطة لمنع دخول القوات العراقية، وجسدوا مناورة شكلت تهديدا بعد أن أعلنوا على تنزيل برمائي وقابله استجابة للقوات العراقية، ثم سمح ذلك بمناورة القوات الأمريكية في عمق الصحراء وقطعت الطريق على القوات العراقية وجاء إبداعا . أما من خلال استشهاده بحرب الخليج الثالثة أي حرب احتلال العراق، قال انها عرفت حملتين، الأولى حملة محاصرة المدن والحملة التي واجهت فيها القوات العراقية البرية ووصلت على بغداد، وبدأت عقب ذلك عملية انهيار الجيش العراقي. ولدى حديثه عن الحرب على طالبان، قال أن أمريكا نجحت سنة 2001، أما عندما صارت طالبان تعتمد على حرب العصابات ومواجهة عدو لا تماثلي، حيث نقلت الحرب من الميدان العسكري إلى الميدان الإعلامي والسكاني فهزمت طالبان أمريكا سياسيا، أي نتيجة أخطاء سياسية ارتكبتها الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث لم يتجسد إعادة بناء الدولة الطالبنية، وهذا ما منح طالبان الانتعاش لجيش لم يكن مؤهل تماما مثل ما حدث للولايات المتحدةالأمريكية في الفيتنام . وركز خوجة أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الجزائر، على التكنولوجيا والمعلوماتية وخلص إلى القول في هذا المقام، أن الثورة الحالية ثورة معلومات، واعتبر أن المعلومات تعد هدفا من أهداف الحرب، وصارت تمثل عامل جوهري وحاسم. وأشار في سياق متصل، إلى انه في حرب الخليج 2003 سجل نحو 20 ألف شخص ما بين مبرمج ومقاتل اشرفوا على إدارة حرب الخليج الثالثة . وتوقع الأستاذ في الأخير أن يشهد العالم انهيار لمفاهيم الصناعة العسكرية تماما مثلما انهار النظام الإقطاعي، إلى جانب انهيار الكثير من المسلمات العسكرية .