كشف الوزير الأول احمد اويحيى أمام أعضاء مجلس الأمة في عرض بيان السياسة العامة عن خارطة الطريق للمرحلة القادمة التي تخوضها الجزائر بتحد معتمدة على نفسها في تمويل البرامج والمشاريع دون اتكالية على الآخر. بين اويحيى بالملموس محاور عمل الحاضر والمستقبل الذي يكسب الرواج والاستقامة من خلال اندماج مختلف الهيئات والتشكيلات السياسية فيه وفق تقاسم وظيفي لا يقبل الخلل ويترك جانب ذهنية «تخطي راسي». وبقدر ما ذكر الوزير الأول بالمنجزات التي حققت في جزائر تشق طريقها للمستقبل بنظرة واقعية بعيدة عن التفاؤل المفرط وقاعدة كل على ما يرام، نبه إلى الكثير من المخاطر داعيا إلى وضعها في الحسبان الآن وليس غدا. وشدد على تكاتف الجهود من اجل علاج الخلل لتحقيق أهداف التنمية المستديمة المبنية على البعد الثلاثي المتوازن المقدس: زيادة النمو لرفع القدرات المعيشية لمواطن أنهكته الظروف الصعبة وولدت في نفسه الشعور بالإحباط واليأس، وخلق المؤسسات المولدة للثروة والقيمة المضافة والعمل، وحماية محيط الأعمال والاستثمار وتطهيره من الطفيليين الذين يجرون وراء الربح بلا وجه حق. وحرض الوزير الأول في عرض الخطوط العريضة لسياسة التقويم والتجديد على ضرورة مشاركة النشاط الاقتصادي في هذا التحول السريع الذي أملته الظروف الراهنة وطالبت به المرحلة. وليست هذه المرة الأولى التي تشدد فيها الهيأة التنفيذية على هذا التوجه الذي يأخذ في الاعتبار الكثير من الحقائق القائمة ويكسر الاتكالية على الخزينة العمومية في تمويل كبريات المشاريع وصغرها وما رافقها من انحراف أحيانا وفساد شوه معالم الاستثمار وفتح المجال الواسع للجدل حول جدوى تدقيق الحسابات والمرافقة والمراقبة لسيران تجسيد المشاريع وتطبيقها في اجلها بلا كلفة زائدة ومراجعة التقويم والدراسة. من غير المعقول السير الأبدي على هذا النهج الذي يبقى التمويل فيه أحادي الجانب تتولى فيها الخزينة كل الأمور، ولا يفتح المجال للقطاع الاقتصادي لاقتحام محيط الأعمال والاستثمار بعد سنوات من إعادة الهيكلة وبرامج التأهيل ومسعى تعميم شهادات المطابقة والنوعية شرط الوجود. من غير المعقول التمادي في هذه السياسة غير المؤمنة لاعتماد تمويل المشاريع فيها على إيرادات البترول غير الدائمة بسبب اهتزازات السوق واضطرابها. وهي اهتزازات تتحملها الجزائر مباشرة باعتبارها بلد يأخذ من البترول كل شيء لتمويل مشاريعه. يكفي التذكير بالمراحل السابقة المتعاقبة ذات الوقع السلبي على خيارات التنمية وبدائلها بدءا من الثمانينيات ووسط التسعينيات حيت أدى السقوط الحر لسعر البترول إلى توقيف مشاريع إستراتيجية يحسب لها الحساب في تحسين الظروف المعيشية والثروة والشغل. كانت هذه المراحل العسيرة درسا وعبرة لجزائر لا تريد العودة من جديد إلى الإخفاقات واملاءات الخارج ووصفاته. عكس ذلك فهي تعمل ما في الممكن من اجل تامين نفسها من خطر الاتكالية وخشية السقوط في المديونية التي كادت أن ترهن السيادة واستقلالية القرار السياسي. ونبه إلى هذا الوضع احمد اويحيى بالتأكيد الصريح على ضرورة تنويع تمويل النشاط الاقتصادي لدفع عجلة النمو المستديم لان الاستثمارات العمومية قد لا تحافظ على نفس الوتيرة السابقة بفعل أي طارئ في سوق المحروقات. والبديل الآمن، اندماج القطاع الاقتصادي بشقيه العمومي والخاص في تمويل المشاريع وزيادة النمو خارج المحروقات الذي يبقى هشا للغاية رغم إجراءات الدعم والحماية والمرافقة. من هنا جاء التأكيد على السياسة البديلة التي تعطي للنشاط الاقتصادي مجالا للمساهمة والمشاركة تضمن تمويل المتعدد الأوجه. وتشدد هذه السياسة على تحاشي مواصلة توظيف 3 أو 4 ألاف مليار دينار في برامج استثمارية عمومية استثمارات تمتد لسنوات طويلة. وهي استثمارات لم تحرك عجلة التنمية محل الاهتمام والانشغال لكن خدمت اقتصاديات الأمم الأخرى بزيادة صادراتها نحو الجزائر بحجم تجاوز الخطوط الحمراء شكل نزيفا للخزينة وأملى حتمية التغيير والبدائل.