من سيكون التالي؟ أي نظام سيأتي عليه الدور لتسقطه الثورة الشعبية التي تخترق الحدود وتلهب العالم العربي من خليجه الى محيطه؟. بعد بن علي ومبارك اصبح بعض الزعماء العرب يتحسسون رؤوسهم ويستبقون الكارثة إما بتنازلات سياسية أو بقضايا اجتماعية أو بالاثنين معا، لكن يبدو أن من أشعل النيران لا يريد اطفاءها، ومن يلهب الشوارع مصمم على تنفيذ أجندته بدقة وهي إحداث انقلاب على الأنظمة العربية كلها أو بعضها لأهداف محددة، واذا كان الفاعل الظاهر في الهزات التي تزلزل الأوضاع في العالم العربي هو الشعب وفئة الشباب منه تحديدا، فإن الفاعل والمستتر حسب اعتقادي والذي هو المحرك الحقيقي لهذا الحدث التاريخي هو نفسه الذي يدعو الزعامات العربية الى ضبط النفس وعدم مجابهة المحتجين والرضوخ لمطالبهم المتمثلة أساسا في رحيلهم. وهو أيضا نفسه الذي أعطى أوامره بكشف عَمَالة وخيانة الكثير من القادة العرب من خلال تسريب وثائق «ويكيليكس»، ولا يمكن لعاقل أن يعتقد بأن نشر الغسيل القذر لبعض الزعامات كان صدفة أو من بنات أفكار «أسانج»، فالامر يتجاوز الصدفة أو رغبة إعلامي مغمور في تحقيق السبق أو كسب الأموال، ويتحول الى فعل مقصود لإثارة نقمة الشعوب ودفعها بطريق غير مباشرة للثورة على قادتها وإسقاطها ليتحقق هدف هذا الفاعل المستتر المعلوم، فبمجرد أن زكمت روائح «ويكيليكس» النتنة أنوف الشعوب العربية حتى تحركت الشوارع وهنا وهناك رافعة مطلبا أساسيا مشتركا وهو رحيل قادته. إن ما يجري في العالم العربي منذ نهاية ديسمبر الماضي مشابه الى حد بعيد لما وقع قبل عقدين من الزمن فيما كان يسمى بالمعسكر الشيوعي، إذ استيقظ العالم فجأة على ثورة شعبية فريدة من نوعها بدأت بتحطيم الشعب الألماني لجدار برلين وانتهت بنسف الاتحاد السوفياتي وتفتيت كتلته التي تحولت الى جمهوريات مستقلة تسبح كلها اليوم في فلك المعسكر الرأسمالي الغربي الذي تقوده أمريكا.. ومثلما لم يكن سقوط وانهيار المعسكر الشيوعي صدفة وبعيدا عن أعين وتخطيط أمريكا للقضاء على غريم عنيد والانفراد بزعامة العالم عن طريق ثورات شعبية داخلية، فما يجري اليوم في العالم العربي لا يبتعد كثيرا أيضا عن أعين وتخطيط أمريكا التي تبدو أنها وبهدف محاربة ما تسميه الارهاب والتي تلصقه طبعا بالعرب والمسلمين، تسعى لتبني استراتيجية جديدة غير تلك التي تبنتها في عهد بوش، أي تبتعد عن أسلوب الحرب واستعمال القوة لنشر الديمقراطية وتغيير الأنظمة خاصة بعد تجربتها الفاشلة في العراق وأفغانستان، وتتبنى أسلوب التغيير دون تدخل مباشر بل عن طريق الشعوب نفسها.. وقد وجدت أمريكا الأرضية مهيأة للاشتعال بسبب الاختلالات الاجتماعية التي تواجهها معظم الدول العربية.. ونعود لنكرر سؤال البداية، من سيتبع بن علي ومبارك للخروج من الباب الضيق؟ الجواب ستكشفه الأيام. لكن في اعتقادي أن بعض القيادات العربية وعلى رأسها الرئيس الجزائري إجتهدت في خدمة شعوبها وحصلت على الحصانة التي ستحميها حتما من هذه العواصف الهوجاء التي تعصف بأنظمة الوطن العربي..