منذ اندلاع أحداث ليبيا، وما خلفته من مآسي في معظم مناطق البلاد، ومن انقسامات وقتل ودمار وقصف عنيف شمل المدنيين والمناوئين لنظام القذافي، واسم الجزائر يتداول باستمرار بين طرفي الصراع، في سابقة هي الاولى من نوعها. طرفا الصراع في ليبيا من معارضة ونظام، كل واحد منهما «يتفنن» على طريقته الخاصة في اتهام الجزائر بوقوفها مع طرف ضد الطرف الآخر، وهي مفارقة غريبة، وآخرها ما جادت به قريحة الزعيم القذافي نفسه، عندما قال في آخر خطاب له مساء اول امس ان الشباب الذي يقاتل كتائبه غرر به من عناصر أجنبية جاءت من الجزائر ومصر وأفغانستان، وكأن المعارضة التي وقفت ضده، هي هؤلاء الشباب فقط «المغرر» بهم على حد تعبير القذافي. والواقع ان من ثار ضد القذافي هم مواطنون ليبيون فيهم الشباب والاطارات السامية ومسؤولين كبار سابقا في الدولة الليبية وحقوقيون وغيرهم ممن شكلوا فيما يمكن اعتباره بقيادة ليبية جديدة موازية للنظام القائم، والمتمثلة في المجلس الانتقالي الذي تم تأسيسه بصفة مؤقتة في مدينة بنغازي، ليكون الممثل الوحيد للمعارضة، مثلما تريد هذه الاخيرة تسويقه داخليا وخارجيا. الزعيم الليبي وباتهامه لاطراف خارجية من بينها الجزائر ممن ساهموا في تحريض الشباب للإطاحة به، انما يؤكد مرة اخرى على انه لم يستوعب فكرة ان رموز المعارضة ومن يقف وراء الدعوة لتنحيته هم ابناء جلدته، بل لا يزال يؤكد على ان كل الشعب الليبي وليس جزء منه يحبه الى درجة التضحية بآخر فرد منه من اجله، اما ما يدور في بنغازي والزاوية ورأس لانوف وطبرق وغيرها، فهو من صنع أيادي خارجية ومؤامرة مدبرة هدفها النيل من مكتسبات ثورة الفاتح من سبتمبر والاستحواذ على النفط الليبي. وفي خضم اتهامات القذافي المتكررة للجزائر، لم تتوان المعارضة في ليبيا من جهتها في تصريح مباشر نقل عبر إحدى القنوات الفضائية العربية، في اتهام النظام الجزائري بوقوفه ودعمه للقذافي، وهو ما جاء على لسان المحامي عبد الحفيظ غوقة الناطق الرسمي للمجلس الوطني الإنتقالي الذي اعلنها صراحة صباح يوم الخميس الماضي وتوالت نفس الإتهامات الكاذبة، لتردد بصفة دورية على لسان بعض رموز المعارضة الليبية في الخارج وحكاية المرتزقة الذين ينقلون بالطائرات الجزائرية من ادغال افريقيا وتارة أخرى هم أنفسهم جزائريون يشاركون كتائب القذافي وابناءه في قمع المقاومة. تناقضات طرفي الصراع في ليبيا وادعاءاتهما المغرضة والمغالطة عن وقوف طرف ما في الجزائر تارة مع المعارضة وتارة اخرى مع النظام، انما هو دليل قاطع على ان الجزائر بريئة من كل ما ينسج من أقاويل وافتراءات غير مؤسسة، الهدف منها هو إقحام الجزائر بطريقة او بأخرى في الصراع الداخلي والضغط عليها من اجل اتخاذ موقف منحاز لطرف على حساب الطرف الآخر. صحيح ان نفس الناطق الرسمي للمجلس الإنتقالي في ليبيا، المحامي غوقة تراجع عن اتهاماته الصريحة للجزائر حينما صرح لاحدى اليوميات الوطنية، بأنه لم يقصد الاتهام المباشر للحكومة الجزائرية، وإنما احتمال أن يكون طياريون جزائريون ارغموا على القتال مع القذافي تحت التهديد!!؟؟.. لكن ان تصدر اتهامات خطيرة تجاه دولة جارة محورية بحجم الجزائر، وبناء على «احتمالات» فقط وليس على دلائل وقرائن مؤكدة، ومن ثم الترويج لها دوليا، امر لا ينبغي التغاضي عنه او السكوت عليه، خاصة وان ممثل ليبيا لدى الاممالمتحدة عبد الرحمان شلقم، الذي كان يمسك العصا من الوسط وتردد في الانشقاق عن النظام الليبي إلى غاية عشية عقد جلسة الاممالمتحدة الاولى حول الاوضاع في ليبيا حيث تبين له ان هذا الأخير سيتخذ قرار الإدانة بالإجماع، هذا الممثل الليبي الذي بكى أمام العالم، وحاول التسويق لما راج حول فكرة دعم النظام الليبي عن طريق مده بالمرتزقة، والتهديد بملاحقة الانظمة الداعمة لصديق عمره القذافي. السكوت على هذه المغالطات، التي تارة تصدر عن محنك في السياسة وتارة أخرى عن مبتدئين يبينون مواقف واتهامات خطيرة انطلاقا من احتمالات وفرضيات، لم يعد أمرا مقبولا، واتخاذ المواقف الصارمة للرد على الإساءات المتكررة ينبغي ان يكون العنوان الرئيسي للدبلوماسية الجزائرية في الوقت الراهن.