ارتفعت حالات الوفيات في الأسرة الإعلامية وخاصة الصحفيين وهو ما يجعلنا ندق ناقوس الخطر لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتحسين الظروف الاجتماعية والمهنية لأصحاب مهنة المتاعب الذين باتوا لقمة سائغة للمرض والموت الذي غيب علينا العديد من الزملاء جراء ارتفاع الضغوطات المهنية وضعف المراقبة الطبية حيث بات العديد من الصحفيين عرضة للإصابة بداء السكري والضغط الدموي والسكتات القلبية. وفقدت أسرة الصحافة في السنتين الأخيرتين أكثر من 10 زملاء ما جعل القلق والشك ينتشران بسرعة البرق بين مهنيي السلطة الرابعة وقد أبدى العديد من الزملاء قلقهم تجاه فقدان العديد من الصحفيين وتدهور الحالة الصحية للبعض الآخر هذا ما رصدته «الشعب» في استطلاع ميداني. وأكد رمضان بلعمري صحفي من يومية «الخبر» أن تدهور الظروف الصحية للصحفيين يعود إلى العديد من المشاكل منها ما هو ناتج عن الضغوطات المهنية التي تفرز حالات قلق كبيرة لدى الإعلاميين جراء البحث عن المعلومة والسعي لرفع المستوى بشكل يومي أو التخوف من تراجع المستوى وغياب المردودية التي ترضي الصحفي مقارنة بزملائه الصحفيين في الجريدة نفسها أو بالمقارنة مع وسائل الإعلام الأخرى. وأشار نفس المتحدث في حديث ل «الشعب» إلى غياب قنوات حوار ووسطاء ينقلون بصدق معاناة الصحفيين التي يعتقد أنها لا تخفى على أحد. ويرى في سياق متصل أن الصحفي مطالب بأن يكون نفسه جيدا ويتحكم في كل ما يجعل عمله الصحفي مميزا للوصول إلى مستوى الاحترافية ويصبح شخصا مطلوبا وعندها يفرض شروطه على من يريد خدماته الإعلامية لأنه الحل الحقيقي الذي يمر عبر نقابات قوية أو قوانين تحمي الحقوق وهو ما نفتقده حاليا ويقترح إضافة يوم راحة للصحفي أسبوعيا لتصبح يومين مثل القطاعات الأخرى حيث تتطلب المجهودات الكبيرة التي يبذلها راحة كبيرة للاسترجاع وهو ما يجب أن يتفهمه الكثيرون. وأرجع كمال زايت صحفي بيومية «وقت الجزائر» وفاة الصحفيين من عثمان سناجقي إلى عامر محي الدين ومراد تيروش واحميدة غزالي وعلي يونسي إلى انعدام حياة اجتماعية مريحة تحمي الصحفي من تبعات العمل المضني والشاق مؤكدا على ضرورة تخليص العمل الصحفي من الضغط الذي يعتبر أهم عامل لتفشي الأمراض موضحا بان بعض الصحفيين الفرنسيين الذين يعرفهم يعملون مرة في 15 يوما. صحفيون ينامون في الحمامات وآخرون يتابعون علاجا نفسيا وبنبرة حادة انتقد محمد قوطالي صحفي يومية «أوريزون» السكوت على تدهور الحالة الصحية للعديد من الصحفيين حيث حمل مسؤولية وفاة الصحفيين لمالكي الجرائد داعيا إلى التكفل بمشاكل الصحفيين الحقيقية لأن الاستمرار على هذا الحال سيجعل الجميع يقضي نحبه. وتطرق الصحفي «ب.عزوز» إلى الأوضاع المزرية التي مر بها العديد من الزملاء الذين يعرفهم حيث أكد لنا عن لجوء الصحفيين للمبيت في حمامات قرب ساحة الشهداء ب 100 دينار لليلة الواحدة وكشف أن العديد منهم لازالوا يبيتون هناك بالنظر لعجزهم عن توفير مبالغ كراء الشقق التي تعرف ارتفاعا مستمرا كما أن أجور الصحفيين التي لا تتجاوز في بعض الجرائد 20 ألف دينار وهي لا تكفي حسبه لتوفير الأكل والنقل والهاتف. وقال نفس المصدر أن العديد من الصحفيين الذين ينشطون بمختلف وسائل الإعلام لا يقيمون بالعاصمة ومهمة الحصول على سكن ليست باليسيرة. وسرد لنا نفس المصدر المعاناة التي تعرض لها بعد أن أصيب في الكثير من الأحيان انهيارات عصبية جراء ضغط المهنة وتدهور الظروف الاجتماعية، وأكد أنه يتابع علاجا عند مختص نفساني نصحه بتجنب الضغط واللجوء للتمارين الرياضية والترفيه للتقليل من الضغط الذي تفرضه مهنة الإعلام. وحول مدى قيام الصحفي بفحوصات طبية وقائية أجاب الصحفي عن غياب هذه الثقافة بالنظر لعدم تفكير الصحفي في صحته التي تبقى آخر اهتماماته بالنظر لعدم وجود الوقت وتدهور حالته المعيشية. وعن الاتفاقيات الجماعية ورفع أجور القطاع الخاص دعا إلى تفادي الحديث عن مثل هذه الحقوق لأن القطاع الخاص تحكمه الأهواء والأجور تخضع لمقاييس لا صلة لها بمهنة الإعلام أما الحقوق فمحرم الحديث عنها كما أن إنشاء نقابات أو التفكير فيها سيجعلك تتعرض للطرد أو التحويل لأقسام أخرى لن يسمح لك فيها بالكتابة. خياطي يدعو إلى فحوصات وقائية كشف الدكتور مصطفى خياطي في تصريح سابق ل «الشعب» أن ارتفاع ظاهرة الموت المفاجئ بسبب السكتة القلبية راجع إلى إهمال الأفراد لإجراء فحوصات وقائية وهذا خطأ كبير فالمواطن على الأقل مطالب بإجراء حصيلة على الأقل مرة في السنة لاكتشاف إن كان سليما أو يعاني من أمراض مزمنة قد يقلل من أخطارها مبكرا ومنه تفادي المضاعفات وعلى الصحفي كذلك القيام بتلك الإجراءات لأن انسداد الشريان هو الذي يقف وراء السكتة القلبية وكل ما تقدم الفرد في السن مطالب بمتابعة حالته الصحية أكثر. وبالفعل لقد أثبتت الدراسات في الولاياتالمتحدةالأمريكية وغيرها من دول العالم أن القلق والضغط والتوتر يؤثر سلبا على صحة الفرد كما كان لها دورا في الرفع من الوفيات لدى مرضى السكري والقلب وتشير آخر الإحصائيات إلى أن 1 / 3 من الوفيات سببها ارتفاع الضغط. مرسوم نظام علاقات العمل للصحفي يبقى حبرا على ورق يتضمن المرسوم 14008 الصادر في 10 مايو 2008 الذي يحدد النظام النوعي لعلاقات العمل المتعلقة بالصحفي العديد من الأمور الايجابية لو طبقت على الميدان ووجدت الجهات التي تناضل من أجل تحسين الأوضاع المهنية والاجتماعية للصحفيين. وتنص المادة الثانية من المرسوم تطبيق المواد على كل الصحفيين الأجراء الدائمين أو المتعاقدين الذي يمارسون في أجهزة الصحافة العمومية والخاصة أو المنشاة من أحزاب سياسية وكذا مراسلي الصحافة كما تطبق المادة حسب نفس المرسوم على معاوني الصحافة الذين تحدد قائمتهم الاتفاقية الجماعية. وتشير المادة الخامسة صراحة الى حقوق الصحفي كالحصول على البطاقة المهنية الخاصة بالصحفي الدائم والتي يحدد شكلها وشروط تسليمها من طرف التنظيم. وتضمن نفس المادة حرية الرأي وكذا الانتماء السياسي على ألا يمس التصريح بالمصالح المعنوية لجهاز الصحافة المستخدم كما يمنح القانون الحق للصحفي برفض التوقيع على كتاباته إذا تعرضت لتعديلات جوهرية مهما كانت صفة القائم بالتعديل. ومن أهم البنود هو حق الصحفي في الاستفادة من عقد تأمين تكميلي يغطي مجمل المخاطر الاستثنائية التي قد يتعرض لها في إطار ممارسة أنشطته المهنية ووفي حالة وجوده بمناطق النزاعات والتوترات أو المخاطر الكبرى والمكتتب من جهاز الصحافة المستخدم، ولا يعفي عقد التأمين هذا بأي حال من الأحوال جهاز الصحافة المستخدم من الالتزامات المنصوص عليها في التشريع والتنظيم المتعلقين بحوادث العمل والأمراض المهنية. ومن الحقوق التي تحدث عنها المرسوم في المادة الخامسة دائما الحماية من كل أشكال العنف والتعدي والتخويف أو الضغط للحصول على دعم وتسهيلات السلطات العمومية لتمكينه من الوصول إلى مصادر الخبر أثناء القيام بمهامه. وتبقى هذه الحقوق بديهيات في العديد من الدول التي تعترف بمكانة الصحفي بينما تبقى عندنا مجرد حبر على ورق بالرغم من نص القانون عليها ونشرها في الجريدة الرسمية. اكتشفنا العديد من الوقائع المزرية عن الصحفيين والتي طلب منا الكثير عدم ذكر أسمائهم مع استعداداهم للشهادة إذا تطلب الأمر ذلك. فإحدى الصحفيات التي كانت بصحيفة يومية ناطقة بالفرنسية كانت مصابة بمرض يكلفها الكثير من المصاريف سواء للعلاج أو لاقتناء الدواء وعندما طلبت من الصحيفة رفع أجرتها مقابل المجهودات المضنية رفض مالكها وعندما جاءها عرض من مؤسسة إعلامية عمومية رحلت بسرعة وتفاجأت بعد ذلك بوصول كشف راتبها من الصحيفة الخاصة فيها زيادة ب 10 آلاف دينار. وقام مدير صحيفة خاصة تظل تتحدث باسم حرية التعبير والصحافة بتحويل صحفي لمجرد طلبه لرفع أجرته إلى قسم آخر متهما إياه بمحاولة إثارة المشاكل والتشويش. ونقل أحد الصحفيين كذلك حادثة وقعت له مع مدير جريدة ناطقة بالعربية حيث عرض عليه كراء شقة للصحفيين الذين يقطنون خارج العاصمة مقابل اقتطاع حق الكراء من الأجرة الشهرية لتسهيل مهام الصحفيين وتخليصهم من الأوضاع الاجتماعية المزرية فرد المدير بالضحك وقال «أنا لست هنا لحل المشاكل الاجتماعية» والأمثلة كثيرة حول ما يعانيه الصحفيون الذين ينتظرون مستقبلا أحسنا.