يعد الطفل جيل المستقبل وحامل مشعل الغد، الذي وجب الاهتمام بحاجاته البيولوجية والنفسية والاجتماعية والمعرفية بدرجة أكبر لمساعدته على الترفية والاستمتاع بطفولته من ناحية، ومساعدته على التفتح والاتصال من ناحية ثانية.. ومن حسن حظ الأطفال أن الجزائر تحتفل في الفاتح جوان من كل سنة بيومهم العالمي، هذا اليوم الذي تجد فيه هذه الفئة متنفسها، وتجد من يتذكرها برامج ترفيهية، حيث تكثر النشاطات في قاعات المسرح على وجه الخصوص وبعض البرامج السنيمائية. لكن ماذا بعد الفاتح الجوان؟ وهل سيبقى الطفل ينتظر هذا اليوم لنتذكره؟. “مؤسسات ثقافية غيبت الطفل” تكثر في الجزائر مؤسسات ثقافية وجمعيات هدفها بالدرجة الأولى تنظيم نشاطات تعمل على تكوين ثقافة الفرد، لكن هذه المؤسسات توجه أعمالها بالدرجة الأولى للراشد الذي انتهل ما يكفيه من علوم ومعرفة، وتناست أهم فئة في المجتمع، لتغيب الطفل الذي أضحى يبحث عن أمور خارج عن الثقافة تشغل وقت فراغه، لينتقل إلى وسائل الاعلام العربية والأجنبية علها تشفي غليله، ليبقى السؤال المطروح الذي يتبادر إلى ذهن كل أب يهمه مستقبل ابنه، وكل طفل يبحث عما ينمي ذاكرته الفكرية، لماذا تبقى النشاطات التي تهتم بالطفل مناسباتية، فلا الجاحظية ولا مؤسسة فنون وثقافة ولا أي مؤسسة في الجزائر فكرت في كسر هذا الجمود، وخصصت على الأقل مرة في الأسبوع نشاطا فكريا وثقافيا يساهم في التنشئة الثقافية للطفل. “متى تتذكر وسائل الاعلام جيل المستقبل” ليست المؤسسات الثقافية ولا وسائل الاعلام وحدها من همشت البراء ة في الجزائر، بل تلعب وسائل الاعلام السمعية والبصرية وحتى المكتوبة دورا كبيرا في ذلك، فلا نجد نشاطات تتذكر هذه الفئة، ففي سنوات السبعينيات والثمانينيات أيام “ماما نجوى” كان الأطفال يتسابقون إلى شاشات التلفاز أو إلى مقر التلفزيون الجزائري لحجز مقعد لهم أمام هاته السيدة التي كرست حياتها للترفيه عن هؤلاء، لتقدم النفس والنفيس لأجل أن ترسم ابتسامة على وجه البراءة، لكن دون سابق إنذار تختفي هذه الحصص باختفاء “ماما نجوى” عن التلفزيون الجزائري، ويبقى الطفل الجزائري يتحسر على تلك الأيام التي أضحت غائبة عن وسائلنا الإعلامية اليوم. لتعود بعد ماما نجوى حصص قليلة أبدعت فيها المنشطة والفنانة ليندة ياسمين التي تمكنت من تغطية هذا الغياب، لتعود وتختفي هي من جديد، ويعلن التلفزيون الجزائري عن تهميش مطلق للطفل، لتخطو خطوها مختلف الصحف الوطنية التي تتهاون إلى يومنا هذا في إفراد صفحة من صفحاتها للبراءة، حيث تسهم وسائل الاعلام بشكل كبير في توعية وتنمية قدرات الطفل الفكرية والعلمية، وتساهم في الترفيه عنه حتى لا يدير وجه إلى وسائل الاعلام الأجنبية، التي تلعب دورا كبيرا في تشبيعه بأفكار غربية بعيدة عن معتقداته وعاداته، وأيضا في ظل انتشار التكنولوجيا والشبكة العنكبوتية الأنترنيت والتي تضر أكثر مما تنفعه، إذا ما استخدمت بطريقة خاطئة بعيدا عن مراقبة الأولياء. وإذ يبقى التلفزيون الجزائري مهمشا للطفل سيكون بالدرجة الأولى السبب الرئيسي في التنشئة الخاطئة لجيل المستقبل، حيث يولي الطفل أهمية كبيرة لهذه الوسيلة أكثر من أي شيء أخر، هاته الهيئة التي عجزت وما تزال تعلن عن عجزها على توفير برامج ثقافية وترفيهية للطفل، وعن تخصيص حصة على الأقل مرة في الأسبوع تحول وجهة الطفل نحو ما ينفعه وليس ما يضره، وتغرس في نفسه مقومات الأخلاق والسلوك القويم والاعتزاز بدينه وتاريخه وحضارته، وكل ما جاء به الدين، إلى جانب تنمية قدرات الطفل وتوجيهها السليم وتنمية مواهبه واستعداداته الإيجابية. “سنة ثقافية في غياب الطفل”؟ كثر الحديث في الجزائر عن تنظيم مهرجانات ثقافية ودينية وعلمية متنوعة وفي مختلف الولايات، لكنه قل الحديث عن مهرجان خاص بالطفل، فماعدا مهرجان وحيد احتضنته ولاية خنشلة، يجد أطفال العاصمة وولايات أخرى أنفسهم محرومين من تظاهرات ومهرجانات تجمع بين النشاطات الترفيهية والفكرية، مهرجانات تجمع بين العروض المسرحية والسينمائية الموجهة للطفل، وحتى الندوات الفكرية، التي تساعد على زيادة الوعي لديه وتكوين نشء صاعد. فالمهرجانات كما هو معروف عنها وعلى المستوى العالمي ليس الهدف من ورائها وفقط الترفيه عن النفس وإنما هدفها بالدرجة الأولى ال توعية واكتساب المعارف، كما تساهم مثل هاته التظاهرات في اكتشاف المواهب في مختلف المجالات، وخلق جيل قادر على المواجهة والمنافسة، من خلال تنظيم مسابقات فكرية يسعى من خلالها الطفل إلى إبراز قدراته ومواهبه، وإشراكه بدوره في تنشيط لقاءات، ناهيك عن تشجيعه بجوائز رمزية تخلق لديه الرغبة في الالتفاف حول كل ما هو جزائري، وغض النظر على كل ما هو أجنبي وغريب على معتقداته وعاداته. والأدهى من ذلك أن الجزائر تحتفي بتلمسان عاصمة الثقافة الاسلامية على مدار سنة كاملة، حيث سطرت لذلك نشاطات وبرامج ثرية فنية وفكرية، وتناست أن في الجزائر فئة هي جزء من هذا الوطن، ومن حقها المشاركة في هذه التظاهرة، ولو ببرامج بسيطة تعلن عن وجودها. “أعيدوا النظر في أطفال الجزائر” على القائمين على رأس الثقافة في الجزائر، إعادة النظر في كل ما يخص جيل مستقبل الغد، الذي برقيه ترتقي الجزائر وتزدهر، وبتهميشه تزول، فصلاح الأمم يبدأ من الطفولة والاهتمام به يكون بالاهتمام بثقافته وفكره. وللأسف يعيش الطفل في الجزائر تهميشا لا مثيل له، فقليلا ما يتذكرونه وإن حدث ذلك ففي الفاتح من جوان، وبالرغم من ذلك تبقى النشاطات المخصصة له قليلة وتعتمد فقط على المسرح، وكأن الطفل ما ينقصه هو الضحك وفقط، في حين تناسوا أنه بحاجة أيضا لما ينمي قدراته المبنية على الهوية والأصالة ويجعله عنصرا فعالا في بناء الأسرة والمجتمع بناء سليما.