نقلت عناوين إعلامية جزائرية الاثنين الماضي عن وكالة الأنباء وأج عن مسؤول في الحكومة أن المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي بشأن تأجيل البرنامج الأخير من اتفاقية الشراكة الخاص بالتفكيك الجمركي وصلت الى طريق مسدود، وأن الجزائر تكون فشلت في اقناع نظرائها في بروكسل بمطلبها الذي يستهدف تأجيل البرنامج المذكور للعام 2020 بدل 2017. وبعد أقل من 24 ساعة عادت ونقلت نفس العناوين أن وزير خارجيتنا صرح للاذاعة الوطنية بأن اتفاقا مبدئيا حول الموضوع قد تم تحقيقه في اجتماع الطرفين المنعقد يوم الاثنين باللوكسمبورج وأن شهر جويلية القادم سيشهد حسب توقعات المسؤول الجزائري اتفاقيا نهائيا، وهو نفسه ما كتبناه في تحليل لنا نشر بالجزائر الخميس الماضي وهكذا، تثبت المنظومة الإعلامية في الجزائر مرة أخرى ارتباكها في التعاطي مع المعلومة الاقتصادية وتضع القارئ الجزائري في معادلة من الحيرة يصعب التفاعل مع متغيراتها. فماذا يعني أن يتم تأجيل الحسم في موضوع التفكيك الجمركي بين الجزائر والاتحاد الأوروبي الى الشهر الداخل؟ والى أي مدى يمكن اعتبار آخر تصريح للمسؤول الأول عن الديبلوماسية الجزائرية مؤشرا حقيقيا على نجاح مسعى المفاوضات بين الجانبين؟ صفقات التسلح حصل الأوروبيون على صفقات مهمة في مجال بيع الأسلحة للجزائر مؤخرا، وهناك سوق قادمة تخص أنواعا أخرى من السلاح ينافس فيها الروس الأوروبيين. حصل الفرنسيون على صفقة السفن البحرية وحجمها 200 مليون دولار، وفي الأفق سوق ل 40 طائرة حوامة وعدد من القطع البحرية، ولكن مع موسكو لازال المجال مفتوحا بعد طي صفحة مقاتلات »ميغ 29« المغشوشة المبرمة العام 2006 والمسلمة في 2007. وتشكل الجزائر سوقا مهما لصانعي السلاح في العالم بين القطبين الروسي والأوروبي ولا يمكن الجزم بحجم السوق حاليا بسبب سرية المعلومات ولكن الأكيد أن لموسكو مكانة متقدمة بالنظر الى حجم الصفقات المبرمة بينها والجزائر حتى الآن والتي لا تقل عن 7 مليار دولار في العام 2007 وحده. وفي نفس الوقت يشكل سوق السلاح بالنسبة للاتحاد الأوروبي - وخاصة الدولتين الرائدتين في الاتحاد وهما ألمانيا وفرنسا ورقة استراتيجية في المفاوضات بين الدول لا نستبعد أن تستغل في موضوع تأجيل التفكيك الجمركي. ليس غريبا أن يتم تأجيل الحسم في الموضوع في سياق عروض السلاح التي يجري التنافس عليها حاليا بين باريس وبون ومدريد وروما أي الى غاية الحصول على السقف المقبول من الربح لصالح شركات تلك البلدان وخاصة المجموعات الرائدة في مجال صناعة السلاح أي: أغوستا الايطالية، أوسيا الفرنسية، والمجموعة المشتركة الفرنسية الألمانية الاسبانية »أوركبتر«. البرامج الأوروبية لدعم الاقتصاد الجزائري قال تقرير أخير صدر عن الاتحاد الأوروبي خاص بالتعاون الأوروبي الجزائري بأن برنامج دعم الاقتصاد الجزائري يقضي بتخصيص نصف مليار أورو شرع فيه منتصف العام 2009، وأن هذا البرنامج يستهدف مساعدة الجزائر على تحرير وضبط أسواقها من خلال دعم تأهيل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، تسهيلات لصالح التجارة، آليات ضبط الميزانية الحكومية، مرافقة اتفاقية الشراكة، برامج تنويع الاقتصاد، تطوير نظام المعلومات والادارة لصالح المؤسسة. وفضلا عن محفظة للدعم بهذا الحجم هناك الاتفاقيات الحكومية بين أعضاء الاتحاد الأوروبي والجزائر تخص التعاون بين الدول التي باشرته بلادنا في إطار ما عرف بتنويع الشركاء. لا ينبغي أن ينظر الى هذا النوع من الدعم من زاوية التعاون وحده بل من زاوية الشراكة الاقتصادية والتجارية أيضا حيث تحتل المؤسسة الجزائرية مرتبة متدنية في جانب التصدير وبالتالي لا تشكل خطرا على المصالح الأوروبية من منظور الأسواق بل إن تأهيل المؤسسة الوطنية على سلم التنافسية يتيح في المدى المتوسط على الأقل فرصة ذهبية للشركات الأوروبية في مجال تحديث الآلة الانتاجية وتسويق الخبرات والدراسات والمعلومات. وفي مجال ضبط آليات التدخل الحكومي من خلال الميزانية فإن استمرار الاستثمار في قطاعي النفط والغاز بالشكل الذي يلبي الطلب الأوروبي على الطاقة يقتضي رسائل مالية وسياسية قوية من الطرف الأوروبي بشأن تخصيصات الاستثمار التي يجب أن تستمر لصالح الطاقة والطاقات المتجددة وهو ما يفسر الموقع الذي يحتله هذا القطاع في برامج الدعم الأوروبي لبلادنا. وفي مرحلة متقدمة من الشراكة الجزائرية الأجنبية فإن دخول الولاياتالمتحدةالأمريكية وبقوة على خط تأهيل المؤسسة الجزائرية من خلال البرنامج الأمريكي المعروف بعنوان: فرص الشراكة الأمريكية وشمال افريقيا نابيوو التي أطلقت من الجزائر في ديسمبر 2010 والتي تقضي بإطلاق وتأهيل مبادرات لصالح 20 ألف شاب جزائري. هذا الدخول غير المسبوق والذي أثمر في الأسبوع الماضي إنشاء مصنع جزائري أمريكي لصناعة الدواء والتكنولوجيا الحيوية يعني على الأوروبيين الاحتفاظ بما يمكن الاحتفاظ به من أوراق الضغط الذكي على السوق الجزائرية للمحافظة على موقعها في بلد يقول التقرير الأوربي بأنه شريك استرايجي للاتحاد. حقيقة، تظل الجزائر شريكا استراتيجيا لأوروبا من جانبين : التجارة الخارجية بمستوى واردات يلامس 57 بالمائة من إجمالي تجارتنا الخارجية، ومستوى صادرات يغطي ثلث احتياجات أوروبا من الغاز. ولهذا إذن لا مفر للاتحاد الأوروبي من دعم اتفاق يرضي الجزائر في موضوع تأجيل التفكيك الجمركي ولو بتأجيل الحسم في ذلك خلال الاجتماع القادم في اللوكسمبورج شهر جويلية القادم أي الى اللحظة الأخيرة التي تتمكن عندها الشركات الأوروبية من افتكاك ما تستهدفه من أرباح رأسمالية فضلا عن الأرباح السياسية التي يصبو اليها حلف الناتو في المنطقة التي تشهد أعنف تحول ديمقراطي عربي على الاطلاق أي التحول في العزيزة »ليبيا«.