اعتبر الدكتور أحمد بقار الأستاذ بقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة قاصدي مرباح ورقلة أن مسيرة ترجمة الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية إلى اللغة العربية، شهدت نقلة مهمة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي وبالخصوص عبر أعمال محمد ديب وآسيا جبار ومولود فرعون ومالك حداد، هذا الأخير الذي يصرح متألما من عدم قدرته على الكتابة باللغة الأم: «إن اللغة الفرنسية هي منفاي». ومن هنا أوضح المتحدث أنه قد تصدى لهذه المهمة القومية أدباء ونقاد ومترجمون من المشرق العربي من سوريا ومصر بالخصوص؛ مشيرا إلى أن المقصود من القومية هنا يعود إلى أن العرب - حينذاك - كان لهم ولع كبير بمعرفة كل ما يتعلّق بهذا الجنس الجزائري الذي صنع أكبر ثورة عرفها تاريخ هذا القرن، فقاموا بترجمة عديد الأعمال من الأدب الجزائري بشغف كبير، وبداعي الأخوة العربية، فتعرف العرب إلى هذا الجنس من خلال أدبه المترجم، وبعد عملية الترجمة راح النقاد يخوضون في دراسة هذا الأدب، مضيفا يقول الدكتور علي سامي مصطفى «الترجمة هي فن الكشف، أو العصاة السحرية التي تزيل الحجب عن المتلقي الأجنبي لتضع ثقافات العالم بين أصابعه والمترجم هو الفنان الذي يؤرقه ولع الكشف والتنقيب عن النفائس، فيبذل الجهد والوقت من أجل استكشاف عمل فنان آخر، ليعيد خلقه، ثم يظهره في عباءة جديدة»، هذه الرغبة مع رغبة الاكتشاف هي الدافع لترجمتها إلى اللغة العربية. أما عن واقع الترجمة الآن فهي تعرف تراجعا كبيرا على جميع الصعد - كما ذكر الدكتور أحمد بقار -، اللهم إلا ترجمة أعمال الروائي عبد الحميد بن هدوقة إلى لغات متعددة (الفرنسية / الإنجليزية / الصينية / الروسية )، قد يعود هذا إلى الانتماء الإيديولوجي لهذا المبدع في ذاته وانعكس في ترجمتها للروسية والصينية، كما ترجمت أعمال الطاهر وطار إلى لغات متقاربة مما ترجمت إليه أعمال ابن هدوقة، إلى جانب ترجمات محتشمة أخرى لمبدعين آخرين غير أنها لا ترى النور في الأغلب الأعم، كما يضطر المبدع هو نفسه لترجمة أعماله، أو الكتابة منذ البدء بلغة أجنبية كما هو الحال عند رشيد بوجدرة وأمين الزاوي وواسيني الأعرج. وحسب محدثنا، فإن الهيئة الوطنية للترجمة برئاسة السيدة إنعام بيوض تقوم بهمة نبيلة غير أنها ليست كافية، لأن الأمر يحتاج إلى تنسيق على أوسع نطاق، التنسيق مع المبدع من جهة، ومخابر الترجمة في الجامعات من جهة أخرى، ومحاولة الاستفادة من تجارب الجوار، هذه الهيئة مكلفة من قبل الدولة في القيام بهذا العمل، فالمهمة إذن أكبر، فلا بد أن تتوزع ميزانيتها، وأن تغوص في الجزائر العميقة من أجل البحث عن الأكفاء في الترجمة، والاهتمام بوضع خارطة طريق واضحة المعالم تجعل الجميع يبادر من أجل توسيع دائرة الترجمة، وأن لا تبقى حبيسة المكاتب والمهرجانات والملتقيات، هذه الخارطة تجعل العمل جماعيا ويخضع للضبط. وفي هذا يقول الدكتور عبد الله الركيبي رحمه الله - «مهما حاول المترجم أن يجعل النص المترجم شبيها بالزجاج الشفاف، فلابد لذلك النص من أن يتحوّل في بعض اللحظات إلى ما يشبه المرآة، فتنعكس فيه سمات المترجم الذاتية، وكما يسبغ الفنان المبدع ذاته، بقصد أو بدون قصد على الظواهر التي يجسّدها فيجعلها شبيهة به على نحوما، يسبغ المترجم الموهوب ذاته على ما يترجم من نصوص»، لذا فالرهان الأكبر هو تنسيق جهود المترجمين مع المخابر الجامعية المتخصصة، وتحديد الأولويات وفتح بنك خاص بالنصوص التي تخضع لعملية الترجمة، والتنسيق مع الملاحق الثقافية في السفارات الوطنية بالخارج، هذا إذا أردنا لأدبنا اكتساب صبغة الانتشار خارج الحدود وأن لا يبقى الأمر حبيس الصدف، لأن الصدف لا تكون متوفرة في كل الأحوال——