أضحى الحراك الشعبي فرصة للشباب من اجل الاسترزاق الحلال وأيضا لتفجير طاقتهم المكبوتة من خلال استغلال هذا الحدث المهم كل جمعة لإخراج طاقاتهم وإبراز مواهبهم، وهو الذي أضاف الكثير من الجمالية للحضور الجماهيري الكبير كل جمعة وسط العاصمة، حيث استغلت جريدة «الشعب» الفرصة من أجل رصد حركة الشارع بما يكتنزه من معالم تعكس طبيعة الشعب الجزائري الذي يسعى دائما للرقي والتحضّر وتقديم صورة مميزة للعالم عن حراكه السلمي الذي أصبح مصدر فخر لكل من يريد التغيير السلمي والايجابي. وجد كثير من الشباب والأطفال في الحراك الشعبي مصدر رزق لهم حيث اغتنموا الفرصة لنصب طاولاتهم على حافة الشوارع وضمّنوها مختلف المواد الأساسية التي يتزود بها المتظاهرون من أعلام هدايا وغذاء، حيث حضرت «البيتزا» و»الزلابية» بقوة في قلب مسيرات الجمعة. كل شيء يباع على أرصفة الطرقات فالجماهير المكتظة التي د تصطف منذ الساعات الأولى على امتداد الشوارع بين ساحة أول ماي وساحة البريد المركزي، بحاجة ماسة إلى العثور على ما تسدّ به رمقها أو جوعها وهو ما تفطن إليه بعض الشباب وحتى الأطفال الذين حاولوا كسب بعض الدنانير من سلمية الحراك الشعبي . تعدّ الرايات الوطنية وبقية الهدايا وحتى القمصان الوطنية أوّل ما بادر لبيعه بعض الشباب البطال وبعد ما وقفوا عليه من إقبال للمواطنين والمتظاهرين توسّعت الرقعة وبات تواجد هؤلاء الباعة مسجلا عبر معظم الأزقة والشوارع. تروّج هذه الأيام في أسواق مختلف الولايات العديد من الأشياء التي تحمل الألوان الوطنية الجزائرية والتي يتباهى الجزائريون بحملها أو وضعها على أجسامهم مع كل مناسبة احتفالية. وقد شهدت تجارة الأعلام الوطنية ومختلف الأغراض بألوان العلم الوطني منذ بداية الحراك الشعبي في 22 فيفري الماضي انتعاشا كبيرا بعد تزايد الإقبال عليها من طرف المواطنين الذين يتباهون بحمل الراية الوطنية أو وضعها على أكتفاهم خلال خروجهم في المسيرات الشعبية للمطالبة بالتغيير السلمي ومنح الفرصة للكفاءات الشابة. وقد دفع الإقبال المتزايد على الراية الوطنية بمختلف أشكالها وأحجامها في الأسابيع الأخيرة إلى الإستثمار في هذه التجارة واقتناء كميات معتبرة من الأعلام من أسواق الجملة خاصة منها سوق شارع دبي بالعلمة في ولاية سطيف أو عين فكرون وعين مليلة بولاية أم البواقي ونقلها إلى ولاياتهم لإعادة بيعها للمتظاهرين خلال أيام الأسبوع بمبالغ مختلفة يحققون فيها مداخيل وأرباح مالية متفاوتة ولم يعد الأمر مقتصرا على مختلف أحجام وأشكال الراية الوطنية فحسب بل تعداه إلى أغراض أخرى يمتزج فيها اللون الأحمر بالأبيض والأخضر في رمزية للعلم الوطني واختلفت من ربطات وكوفيات إلى قبعات بمختلف الأشكال والأنواع وحتى أقنعة للوجوه بألوان الراية الوطنية. شهادات من عمق المسيرات وقد أكد بعض العارفين بالحركة التجارية في الأسواق الجزائرية «للشعب» أن المؤسسات الصناعية المتخصصة في خياطة الأعلام الوطنية وبعض ورشات الخياطة لم يعد بمقدورها تلبية احتياجات السوق الوطنية وتلبية الاحتياجات الوطنية من الأعلام بعد ارتفاع الطلب عليها من طرف المواطنين والإدارات العمومية على حدّ سواء خاصة وتزامن الحراك الشعبي مع الإحتفال الرسمي بإحياء بعض المناسبات الوطنية خاصة منها إحياء عيد النصر المصادف لتاريخ 19 مارس والمتزامن هذه السنة مع الحراك الشعبي وخروج الملايين من العمال والموظفين في مختلف الأسلاك والطلبة في مسيرات يومية رافعين الرايات في مختلف ولايات الوطن. وفي ظلّ تلك المعطيات سارع مستوردون إلى جلب كميات هائلة من الأعلام من بلدان أخرى وطرحها في السوق بأسعار تعتبر جد منخفضة مقارنة مع تكلفة صنعها في الجزائر انطلاقا من حجمها ونوعية القماش المستعمل في خياطتها وفكرة الإبداع التي تفتقدها أغلب المؤسسات الجزائرية المتخصصة في صناعة الأعلام الوطنية. وقد ظلت تجارة الرايات الوطنية ومختلف الأغراض الأخرى التي ترمز لها مرتبطة بانتصارات المنتخب الوطني لكرة القدم في مختلف المنافسات القارية ونهائيات كأس العالم قبل ظهور الحراك الشعبي الذي طالب بالتغيير نحو الأفضل بسلمية. رغم ما يوفّره المواطنون من قارورات مياه معدنية بالمجان إلاّ أنها لم تكن كافية وهو ما جعل بعض التجار يغتنمون الفرصة لتوفيرها بمبالغ معقولة تضاهي أسعارها في المحلات وإلى جانب المياه يعرض هؤلاء الباعة قارورات مختلف العصائر الباردة التي يقتنيها المتظاهرون سيما من يصطحب معه أطفاله الصغار الذين يلحون عليه للشراء فيستجيب بعد إلحاحهم. وخلال الأسبوعين الأخيرين، أضيفت إلى قائمة المبيعات بعض المأكولات الخفيفة من المملحات والمحليات على غرار قطع «البيتزا» بأنواعها إلى جانب بعض العجائن التقليدية على غرار تتصدرها «المحاجب» و»الفطير» و»الخفاف» وحتى «المطلوع» مع الجبن والبيض المسلوق . وكانت «الزلابية» جاضرة بقوة في مسيرات الجمعة في قلب العاصمة باعتبارها محبوبة لدى الجزائريين، حيث لجأ العديد من الشباب إلى تحميل شاحنات صغيرة بهذه الحلوى التي كانت المطلب الأول للمشاركين في الحراك الشعبي. واستحسن كثير من المتظاهرين الأمر حيث بات بإمكانهم تناول وجبات خفيفة بدل صومهم طوال اليوم مثل ما كان يحدث معهم في الأيام الأولى من الحراك الشعبي، خاصة أمام غلق كثير من المطاعم والمحلات الأكل السريع أبوابها. ويغدو ويروح بائعو الشاي المتجولون بين المتظاهرين وفي جميع الاتجاهات حاملين معهم إبريق الشاي وكميات من النعناع والمكسرات وتنتعش هذه التجارة بشكل لافت بعد الظهيرة أي بعد الغذاء، حيث تعوّد غالبية الجزائريين على شرب قهوة أو شاي يعدلون به مزاجهم. أبدى متظاهرون شاركوا في مسيرات الجمعة في دردشة مع «الشعب» رضاهم بما يعرضه باعة الأرصفة والباعة المتجولون خلال مسيرات الجمعة، كما أكدوا أنّ الأسعار المطبقة معقولة ومرضية وتراعي القدرة الشرائية لأبناء الشعب المتظاهرين وبدورهم أكد الباعة أنّ هدفهم ليس الاغتناء على ظهور المتظاهرين وإنما توفير خدمة لهم يكسبون من خلالها بضعة دنانير تكون معيلا لهم على تلبية حاجيات أسرهم. طاولات للأكل الخفيف تستهوى الجماهير على غير العادة في يوم الجمعة أين تغلق جميع محلات الأكل الخفيف والمطاعم أبوابها وتعتبر اليوم عطلة صنع كثير منها الاستثناء خلال جمعة المسيرات، سيما الجمعتين الأخيرتين بعد أن استيقن التجار سلمية الحراك وحاجة المتظاهرين إلى من يوفر لهم خدمات الإطعام والشرب وغيرها. وعلى امتداد الشوارع والأزقة بالعاصمة تجذبك صور المتظاهرين بالأعلام والأوشحة الوطنية وهم جالسين في قاعات محلات الأكل الخفيف يصطفون على مداخل المطاعم لتناول وجبة خفيفة أو «ساندويتشات» تساعدهم على مواصلة المسيرة في كامل لياقتهم البدنية . وجد بعض التجار الذين نشطوا بقوة خلال المسيرات في الحراك الشعبي فرصة لضرب عصفورين بحجر واحد، فمن جهة سجّلوا حضورهم ومشاركتهم في أيام تاريخية كما قالوا ومن جهة أخرى حقّقوا مداخيل من تجارتهم التي لم تتعطّل بل على العكس انتعشت في أيام كانت تعد بالنسبة إليهم عطلة كما أنهم اجمعوا على عدم انتهازهم الفرصة للتلاعب والتضخيم في الأسعار إيمانا منهم بأن القضية وطنية والمكسب يجب أن يكون معقولا. شكلت تجمعات المتظاهرين الأسبوعية السلمية مصدرا لإلهام العديد من الشباب بأفكار جديدة تعمل على استغلال التواجد الكبير لقرابة مليون شخص في مكان واحد من أجل إعطاء صورة حضارية وراقية عن الشعب الجزائري الطامح لإنشاء الجمهورية الثانية لتكون فكرة شاحنات التبرع بالدم في محيط المظاهرات حافزا لتعزيز العمل الخيري التطوعي وتشجيعهم عليه. حظي مقترح بعض الشباب حول تخصيص شاحنات ومراكز للتبرع بالدم على المستوى الوطني خلال المسيرات المليونية الأسبوعية والمظاهرات اليومية المطالبة بالتغيير السلمي في جميع ولايات الوطن بدعم نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي الذين رحبوا بالفكرة ودعوا لتعميم تواجدها واستغلال مشاركة الشباب بقوة في الحراك الشعبي لفعل الخير وهي السمة الغالبة والمميزة للمظاهرات منذ انطلاقها، فإلى جانب سلميتها يحرص المشاركون فيها على القيام بنشاطات خيرية وتطوعية. وكان بعض الشباب على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي قد تحدثوا عن قلة المتبرعين بالدم فخلال سنة 2018 تم جمع 600 ألف كيس فقط وهو عدد ضئيل جدا مقارنة بعدد المرضى المحتاجين له وتعاني المستشفيات من نقص حاد في الدم ويزداد مع قدوم فصل الصيف والعطلة ولذا يرى اصحاب الفكرة في تخصيص شاحنات متنقلة للتبرع بالدم في أماكن التجمعات والتي تعرف إقبالا كبيرا للمتظاهرين يقدرهم بعض الخبراء ب15 مليونا فلو ساهم بعض المتظاهرين بالتبرع بدمائهم لأنهوا معاناة وعذاب الكثير من المرضى. وتعد عملية التبرع بالدم سهلة جدا فخلال فترة لا تتجاوز دقيقة قد تساهم بمنح الحياة لشخص آخر . الوجه الحضاري لمجتمع يتوق للسلم وفي حال تمكن شباب الحراك الشعبي من تجسيد هذه الفكرة على أرض الواقع فإنهم سيتمكنون مرة أخرى من إبهار العالم بسلوكياتهم وخرجاتهم الحضارية والمتجدّدة في كل مرة والتي تكشف عن وجه آخر للشعب المتحضر والراقي الذي يسعى لفعل الخير وتعزيزه بمختلف سبله ومظاهره من خلال حملات تنظيف الشوارع والطرقات مباشرة بعد انتهاء المظاهرات وكذا توزيع المياه والطعام على المحتجين والتخفيف من معاناتهم وفتح أبواب منازلهم أمامهم حتى يرتاحوا من مشقة الطريق لتكون فكرة التبرع بالدم في ساحات الاحتجاجات سابقة من نوعها والأولى عالميا خصوصا وأن هناك قبولا كبيرا لهذه الفكرة ولكل فعل خيري فيه صلاح للبلاد والشعب. واستطاعت هذه الفكرة لفت أنظار المتظاهرين لفئة المرضى الذين يعانون الويلات في المستشفيات بسبب سوء التسيير فشرعوا في البحث عن المراكز المخصصة للتبرع بالدم وأرشدوا بعضهم البعض لإحدى الشاحنات المخصصة لذلك على مستوى بلدية الجزائر الوسطى بمقربة من البريد المركزي أين يتجمع يوميا مئات المواطنين من مختلف القطاعات والفئات العمرية للتعبير عن رغبتهم في رؤية الجزائر تتطور وترقى نحو الأفضل ويتظاهر فيها الجمعة من كل أسبوع أزيد من مليون شخص وهذا منذ 22 فيفري الماضي معلنين عن رغبتهم الكبيرة في خوض هذه التجربة وتحفيز معارفهم وأصدقائهم لتقديم دمائهم لعلّها تكون سببا في إنقاذ حياة شخص. سخّر الشباب جميع الإمكانيات المادية والبشرية وكذا مواقع التواصل الاجتماعي لإنجاح الحراك الشعبي ونقل أوجهه وصوره في حلّة بهية وكذا العمل على إيصال صداه إلى العالم قاطبة ولذا أطلقوا عدة تحديات مستغلين تطبيق «تيك توك» الشهير بميزاته المختلفة للتعبير عن حبهم الكبير لوطنهم وضرورة العمل لتحريره من المسيرين الفاشلين. استغل غالبية الشباب المولعين باستخدام التكنولوجيا تطبيق «التيك توك» الذي يحظى برواج كبير هذه الأيام لتصوير عدة فيديوهات وإطلاق تحديات يعلنون من خلالها رفضهم للأوضاع السائدة ومطالبتهم برحيل أوجه النظام المتعدّدة التي لا هدف لها سوى نهب أموال الشعب، حيث ارتدى التطبيق العالمي ألوان الراية الوطنية حتى كادت مواقع التواصل الاجتماعي و»اليوتوب» تنفجر من كثرة الفيديوهات المصورة منذ 22 فيفري الماضي إلى يومنا هذا. ان أشهر التحديات وأولها على «التيك توك» كان حول العهدة الخامسة، حيث صور الشباب مئات مقاطع الفيديو يعلنون فيها رفضهم لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للعهدة الخامسة بطرق متعدّدة فهناك من راح يغني وهناك من ارتأى التعبير من خلال أغان ساخرة فعلى وزن أحد الاغاني الاشهارية المعروفة ظهر شباب يرقصون ويغنون . إبداعات «التيك توك» تحيّر العقول لم تتوقف إبداعات ومواهب «التيك توك» حتى بعد إعلان الرئيس عدم ترشحه لعهدة خامسة لتكون في كل مرة الفيديوهات مواكبة للتطورات الراهنة ولما يشهده الأسبوع من أحداث واعتمد الشباب على الأغاني الوطنية كالنشيد الوطني قسما، موطني، من جبالنا.. وغيرها من الأناشيد الوطنية التي تقشعر لها الأبدان لتصوير فيديوهاتهم محاولين التأكيد في كل مرة أن شباب «التيك توك» و»الفايسبوك» هم سليلو جيل الثورة وسائرون على العهد لبناء الجزائر أمانة الشهداء، كما حاولوا الترويج لذلك من خلال صور الشهداء والرموز التاريخية التي تعمدوا وضعها في الغرف والأماكن خلال تصوير الفيديو . وحظيت الأغاني الجديدة المواكبة للحدث على غرار اغنية «الحرية «لسولكينغ بحصة الأسد في تحديات «التيك توك»، حيث كان غالبية الشباب يعتمدون عليها للتعبير عن انشغالهم بقضية الوطن الكبرى وضرورة استغلال هذه الوسائل للترويج للحراك السلمي لإفشال محاولات الذباب الإلكتروني المجند من قبل النظام للتشويش عليهم وتشويه صورة الشعب الجزائري الواعي والمتحضر الساعي لبناء جمهورية ثانية. كما سجلت الأغنية الرياضية المعروفة بتناولها لمشاكل الشعب وهمومه التي تؤرقه حاضره بقوة على التطبيق. ومن خلال هذه الكلمات المؤلمة والموجعة أطلق الشباب العنان لإبداعاتهم وراحوا يصورون حياة البؤس والشقاء ولا بد من التغيير حتى يعود الحق لأصحابه، خصوصا أن جميع الأغاني تحكي عن البطالة قوافل «الحرقة» والمخدرات التي غرق في بحر إدمانها خيرة الشباب لينسوا مشاكلهم وهمومهم ولأن الأغاني الرياضية لسان صدق المجتمع والعاكس لأوضاعه وجميع شعوب المغرب العربي تعيش المأساة ذاتها اعتمدت فئة أخرى على اغاني اخرى تعبر على الواقع المعاش و كيفية الوصول الى مستوى أفضل.