يعد إسقاط طالبان للمروحية الأمريكية من طراز »تشينوك« بصاروخ (إر.بي.جي) يوم الجمعة الماضي، التي خلفت مصرع 31 جنديا أمريكيا و7 آخرين أفغان، ضربة غير مسبوقة منذ بداية العدوان على أفغانستان في نهاية عام 2001، جاءت لتخلط حسابات الرئيس باراك أوباما وإدارته وغالبية قادته العسكريين المتحفظين على خطته للرحيل بنهاية عام 2014. إذ ما فتئوا يطالبون بفترة أطول حتى تحقيق النصر على بقايا القاعدة وهزيمة طالبان التامة..! والواقع أن هذه الضربة النوعية التي تبنتها طالبان، تعدّ الأسوأ للقوات الأمريكية، وهي تحمل أكثر من مغزى، فرغم أنها ليست المرة الأولى أو حتى الأخيرة، التي تسقط فيها طالبان مروحيات أمريكية، حيث تحطمت 101 مروحية، منها 17 أسقطت بنيران معادية، فإنه يوجد من بين عدد قتلاها الأكبر في تاريخ الحرب الراهنة ما لا يقل عن 20 من قوات البحرية الخاصة المعروفين باسم (نيفي سيل)، وهم من وحدة الفرقة السادسة للنخبة المسؤولة عن قتل أسامة بن لادن، وتكون بذلك الإدارة الأمريكية قد دفعت ثمنا غاليا في هذه العملية التي توعدت طالبات بالانتقام للتصفية الجبانة لزعيم القاعدة. إذ يشكل عدد قتلى تحطم المروحية نحو 10٪ من مجموع الخسائر الأمريكية في أفغانستان هذا العام. إن إسقاط المروحية التي تبعها إسقاط أخرى من دون تسجيل خسائر بشرية، تؤكد حقيقة القوّة التي أصبحت عليها حركة طالبات، وضراوة القتال الذي ستواجهه قوات الاحتلال مستقبلا، كذلك، فإن توقيت إسقاط المروحية الأمريكية جاء مع إعلان إدارة البيت الأبيض عن تقليص عدد قواتها البالغة 100 ألف جندي، ليجعل الرئيس أوباما في موقع لا يحسد عليه. فخسائر القوات الأمريكية وقوات الإيساف في إزدياد مضطرد منذ بداية السنة، ارتفعت معه وتيرة قتلها للمدنيين الأبرياء وأكثرهم من الأطفال والنساء والشيوخ. وآخرها مقتل 8 مدنيين في غارة جوية شنتها طائرات الناتو صباح الجمعة الماضي، الأمر الذي أصبح محل إستنكار واسع وكراهية متزايدة للتواجد الأجنبي من قبل السكان المحليين، الذين يخشون اليوم أكثر من أي وقت مضى من إستمرار الحرب لمدة أطول، خاصة وأن طالبان أكدت في المدة الأخيرة عودتها بقوة إلى الساحة. واليوم، مع فشل جهود إعادة الإعمار بأفغانستان، التي نهبت تحت عنوانها ملايير الدولارات، وتسليم مهام القيادة للجنرال جون الين والسفير الأمريكي الجديد ريان كروكر وتأكيدهما على التراجع وإفساح المجال للأفغان كي يتقدموا ويتسلموا زمام الأمور في بلدهم، فإنهما لم يترددا في التأكيد على عدم الإستعجال في الانسحاب من البلاد، من دون نسيان الإشارة إلى أن أيام صعبة تنتظر المهمة الأمريكيةبأفغانستان. والواقع، إن الولاياتالمتحدة بعدوانها على أفغانستان واستمرار حالته هذه بكل ما فيها من أخطاء، تصل حد العقوبات الجماعية للشعب الأفغاني، تنتظرها تحديات كبيرة محفوفة بالمخاطر. ولا يمكن للإدارة الأمريكية أن تراوغ بتمديد البقاء في هذا البلد الفقير الذي أنهك شعبه في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل. ولامعها يمكن حساب الرحيل الأمريكي بالإندحار أو الهزيمة. وهو إن لم يتم، فإن الأمر سيكون كذلك، ولا يمكن التعلل بالبقاء بحجة حماية نظام الرئيس الأفغاني حامد كرازاي، الذي ينخر الفساد جسمه. وسيكون سقوطه حتما مهما طال الزمن، خاصة وأن الولاياتالمتحدة وحلفاءها لايزالون يفتقدون إلى وجود سياسة متماسكة، بهدف تقوية أفغانستان قبل إنسحاب قواتهم بنهاية عام 2014.