غاص عبد العزيز دردوري الخبير في الأمن المعلوماتي في عمق شبكات التواصل الاجتماعي وتطوراتها وتحويلها إلى واجهة إعلامية وما تحمله من مزايا وأخطار. وذهب الأستاذ الجامعي بكلية العلوم السياسية والإعلام إلى الأبعد في تحليله لهذه الشبكات الظاهرة المتمادية في خرق السيادات الوطنية غير معترفة بالحدود والأوطان مقربة المسافات الجغرافية البعيدة. وظل يردد على المسامع في ندوة نقاش حول شبكات التواصل الاجتماعي بين التهديد والمزايا أن هذه الفضاءات التي تستقبل ما يقارب 800 مليون مستعمل في صدارتها «الفيسبوك» فرضت نفسها آلية اتصال بامتياز وسقطت أمامها الوسائل الإعلامية التقليدية لا يمكن وضع حد لها عبر إقامة أجهزة رقابية وأنظمة عدا التحصيل العلمي المعرفي مؤمن السيادة الحقة والقرار الوطني المستقل. وأعطى دردوري في ندوة نقاش الثانية من نوعها ألقاها بمركز «الشعب» للدراسات الإستراتيجية أمثلة حية عن دول حاولت تحصين الذات من خلال أجهزة رقابة فرضت حواجز صارمة على استعمال الانترنيت لكنها فشلت كلية في المسعى. وزادت من حمى استعمال شبكات التواصل الاجتماعي رافعة من المشتركين إلى أعلى المستويات. ظهر هذا واضحا في حكم الرئيس المصري السابق مبارك حيث خضعت شبكة الانترنيت إلى آليات رقابة اعتقد أنها تحد من الولوج إلى التجهيزات الرقمية الافتراضية. لكن العكس وقع أيام الاهتزازات الشعبية حيث تحول ال«فيسبوك» وال«تويتر» إلى سلاح حاد وظف في التغيير المنشود ساقطا نظام سياسي غارق في القدم. وهناك دول أخرى اتبعت النهج المعاكس حيث سنت تشريعات تشدد على تحصين المجتمع بالوعي العميق والقناعات الراسخة بثقافة التحكم في شبكات الاتصال الاجتماعية وتوظيفها لأغراض تفيد الأمة والدولة ولا تراها أخطارا محدقة بها. من هذه الدول الولاياتالمتحدة التي تطالب الشركات بحتمية الاستثمار في الموارد البشرية وتزويدها بآخر ما وصلته التكنولوجيا الحديثة واستعمالها حيث المنفعة أكثر من إماطتها بجملة من المحظورات المولدة للسلوك النقيض القائل «أن كل ممنوع مرغوب» من جهة ومن جهة أخرى أن وقف اختراق هذه الأجهزة والمنظومة بات ضرب من المستحيل. واتبعت فرنسا الطريقة الأمريكية فارضة على المؤسسات مرحلة انتقالية لا تتعدى 3 سنوات للتكيف مع التشريع القائل بوجود تكوين الموارد البشرية على حسن استعمال تكنولوجيات الاتصال والتحكم في المواقع الالكترونية المتجاوزة 200 موقع في مختلف جهات المعمورة. والجزائر لا يمكنها الاستثناء من القاعدة، حسب الخبير دردوري، فهي مطالبة بتحصين الذات من خلال منظومة تربوية وتعليمية تكون النشئ على القواعد المعرفية السليمة وتزوده بأبجديات المعرفة والعلوم تجعله لا يخشى من شبكات التواصل الاجتماعي ولا ينخرط في رسائلها وحملاتها المسعورة الموظفة بطريقة غير بريئة من اجل إدماجها في الاهتزازات الارتدادية العربية. ورأينا كيف تتمادى الحملات ضد البلاد من خلال شبكات ال«فايسبوك» وغيرها مستغلة مشاكل اجتماعية وعواطف الشباب محاولة الزج بهم إلى الشارع. لكن هذه الحملات وجدت حملات معاكسة خاضها الشباب الواعي الموجه آلاف الرسائل إلى المواطنين يحثهم على عدم الإنسياق وراء التحريض. ونجح المسعى جاعلا من 17 سبتمبر يوما عاديا لم تشبه أي شائبة مكرر التجربة السابقة مع تنسيقية التغيير من اجل الديمقراطية التي حاولت أن تجعل كل يوم السبت محطة للانتفاضة بالعاصفة. وهو مسعى قابله سكان الأحياء بالرفض والتمسك بالهدوء دون السماح بانفلات آخر للوضع الأمني والعودة إلى سنوات الجمر والجنون. وكان رفض الجزائريين الانسياق وراء التحريض باكورة عمل تحسيسي قامت به الأحزاب والجمعيات أقنعت الجميع بان ما يعرفه العالم العربي من حراك اجتماعي تساهم فيه شبكات التواصل الاجتماعي بامتياز هي خطة مدبرة من جهات خارجية غايتها تغيير خارطة المنطقة الواسعة بالقوة بعدما عجزت عنه الأساليب الأخرى. وجاءت هذه الخطة المروجة لمنطقة الشرق الأوسط الجديد تكملة لحملات ممهدة تبعت فضيحة «ويكيليكس» التي عرت الأنظمة وتركت قادتها بعيدة عن الحكامة السياسية السامحة بتطبيق مبدأ الشرعية للإطاحة بها الآن وليس غدا. وبهذا المنطق نفهم لماذا فشلت الخطط المستعملة ضد إيران والصين وغيرها من الأنظمة التي تمتلك مشروعا وطنيا ولم تترك يوما هويتها جانبا وتنسلخ عن أصالتها وقيمها، ونجحت بامتياز في بعض الأنظمة العربية حيث سقطت دول بأكملها كأوراق الخريف ولم يعد لها وجودا بين عشية وضحاها كل هذا بفضل الآلة الخارجية التي شهر فيها سلاح شبكات التواصل الاجتماعي ووظف حسب المصلحة والنفوذ وما تتطلبه تغييرات الجيوبوليتيك.