غيّرت تركيا لهجتها تجاه سوريا بشكل محيّر أثار تساؤلات الأوساط السياسية إلى درجة إيلاء مزيد من المتابعة إلى هذا الملف الشائك.. الذي يعرف يوميا مستجدات خاصة من طرف أنقرة. الخطاب التركي إزاء سوريا بلغ ذروته في غضون الأيام الماضية.. محملا هذا البلد المسؤولية كل المسؤولية فيما يتعرض له السوريون يوميا.. في المناطق التي تعرف غضبا ضد الأسد. ولا يكتفي الرئيس أردوغان بسرد الأحداث فقط.. ولكنه وصل إلى درجة إصدار أحكام ومواقف مباشرة لا تخضع لأي تحفظ يذكر من جانب إبراز المسؤولية لما يتعرض له المواطن السوري في الأماكن التي هي محل إحتجاج على النظام القائم في هذا البلد.. وقد إستشاط الرئيس التركي غيضا لما عاد وزير خارجيته أوغلو بخفي حنين من دمشق.. ولم يتحصل على أي ضمانات من قادة سوريا بخصوص إنسحاب الجيش من الشوارع والإنطلاق في عملية الإصلاحات بشكل جدي. منذ عودة وزير الخارجية التركي من سوريا، صعدت أنقرة لهجتها ضد حكام هذا البلد، خاصة بعد أن قال أوغولو أن هناك آجالا لا تتعدى الأسبوعين، ليتم الشروع في أولى البوادر لإصلاحات عميقة.. إلا أن هذا لم يحدث بتاتا، وكان مجرد مناورة شعر الأتراك فيما بعد بأنهم كانوا ضحية لتلاعبات سياسية، ربحا للوقت، كونهم رفضوا الإنضمام إلى الطرح الدائر بأن هناك مؤامرة خارجية ضد هذا البلد. الأتراك وضعوا هذا »التفسير السوري« جانبا، وغيروا استراتيجيتهم القائمة اليوم على شنّ حملة عشواء ضد الرئيس بشار الأسد.. بإطلاق عليه أوصاف ونعوت لابداية ولا نهاية لها.. وكلما أتيحت فرصة لأردوغان إلا ويقصف السوريين بالثقيل، في حين أن الخطاب السوري لا يهمه ما يقال هنا وهناك.. جوابه على كل الذين يشنون كل تلك الحملة المسعورة هو الميدان.. ونقصد تصدي جحافل الجيش العربي السوري.. إلى كل من يتمرد على مؤسساته... وهذا فعلا ما دفع بالمعارضة إلى إطلاق تسمية إحدى الجمعات ب»صمتكم يقتلنا«، وهم يقصدون ما يلاقونه من ولايات دون أي حماية تذكر لا من الداخل أو الخارج. هذا الخطاب الذي يتوارد على ألسن السوريين بأن هناك عصابات مسلحة ومجموعات إرهابية لم يقنع الأتراك أبدا، ومن حين لآخر يقول السوريون بأنهم إكتشفوا أسلحة ومتفجرات.. ومن جانبهم يرد عليهم الأتراك بأنهم إعترضوا باخرة محملة بأطنان من الذخيرة الحربية.. وهذه الرسائل يفهمها كل واحد من هؤلاء. والسؤال المطروح في هذا الشأن، إلى أين تسير سوريا؟ وإلى أين يسير الموقف التركي؟ سوريا لا تريد فتح جبهة أخرى مع الأتراك.. إذ يكفيها ما تقوم به قصد إستتباب الأمن في ربوع البلاد.. ومن جهتها تركيا عازمة كل العزم على إحداث النقلة التي تريدها.. بتشجيع من أطراف خوّلوا لهذا البلد الإطاحة بالأسد، إن استطاعوا ذلك.. فكل ما سعوا إليه منذ إندلاع الأحداث.. لم يفلحوا في إيجاد شريك قوي يعولون عليه بداخل سوريا يحرك الأوضاع بشكل جذري ويحدث ما يأملون الوصول إليه. ونعتقد بأن الجبهة الداخلية لسوريا متماسكة بالشكل الذي يصعب فيه التفكير في تصدع بداخل الجيش.. وهذا الرهان يعتبره الكثير بالخاسر.. نظرا لإجهاض كل محاولات الإنشقاق وإعتبارها ضربا من الخيال.. وتصنيفها في خانة الفعل المعزول الذي لا يتعدى نطاق معين لا تأثير له من ناحية إحباط معنويات الجيش. هذه الفرضية إستبعدتها كل البلدان التي تقيم الدنيا ولا تقعدها على سوريا.. لذلك فإن العمل كل العمل متوجه إلى السعي من أجل إقناع روسيا على الإنتقال إلى صف تلك الدول التي تريد إصدار قرار ل»حماية المدنيين« و»إقامة منطقة حظر جوي« وهذا يعني بما لا يدع مجالا للشك الشروع في قصف المواقع العسكرية في سوريا كما كان الشأن في ليبيا.. وفي كل مرة نسمع مقولة مفادها »أن الناتو لا يملك حاليا خططا عسكرية لمهاجمة سوريا«.. وهذا يعني بأن للحلف الأطلسي إمكانية بأن تكون له مخططات عسكرية مستقبلا. وإن تغير الموقف الروسي، فإن كل الإحتمالات واردة.. وقد بدأ هؤلاء بتسليط عقوبات صارمة على كل المقربين من دوائر القرار في سوريا... وكذلك المؤسسات المالية والتجارية.. وهذا ما يؤثر كثيرا على الحكومة السورية مستقبلا... مهما حاولت التقليل من الآثار المترتبة عنه، فإن هذه القطيعة الأحادية الطرف خطيرة جدا. ولا يمكن لروسيا أن تتخلى عن سوريا بالشكل الذي يتمناه الغرب.. بل ستعمل في غضون هذه الأيام على إقناع حكام هذا البلد بالعمل الجاد على إحداث الإصلاحات الحقيقية بالرغم من أن الدول الكبرى أكدت في العديد من المرات بأن الإصلاحات المزمع تطبيقها فقدت بريقها.. ولا معنى لها اليوم كونها تأخرت كثيرا، وتحولت إلى »مونولوج« حوار داخلي بين المرء ونفسه.. وهم بذلك غيروا من الخطاب باتجاه طرح خيار آخر وهو أن »الرئيس الأسد فقد شرعيته«. ومعنى هذا الكلام، أن النظام السوري فقد مصداقيته على كل الأصعدة، وهو خارج الأطر القانونية.. ولا يمكن التعامل معه إن عاجلا أم آجلا.. والكثير يتحين الفرصة قصد تكييف ما وقع في المدن المحتجة بجرائم حرب يحال مرتكبوها على المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي.. وهو نفس سيناريو ليبيا وصربيا. ولابد من التأكيد هنا بأن الخارج لايريد أن يفهم بأن سوريا تقاوم قوى معادية لإستقرارها، وهي مقتنعة بأن ما تقوم به يندرج في إطار الحفاظ على الأمن العام، لكن هذا الخطاب لا يلبث أن يصطدم بحقائق من هنا وهناك ولم يعد عنصرا قويا للتحجج به من قبل سوريا. لذلك، فإن القيادة السورية تعمل حاليا على إستنزاف الروح المعنوية للمتظاهرين، أي إدخال في نفسيتهم عنصر الإحباط القوي. لكن هؤلاء تجاوزوا هذه المرحلة الحساسة التي يراهن عليها المسؤولون في سوريا.. وهذا من خلال التصعيد في التظاهر اليومي.. والعمل على إبداء مواقف متشددة.. في عدم التخلي عن مطالبهم المرفوعة وهذا ما زاد في تعقيد الوضع أكثر فأكثر.. وتحول الأمر إلى قتل من جهة وحساب القتلى من جهة أخرى.. وهذا هو المشهد الحالي في المدن التي تصبح وتمسي على الإحتجاجات. وفي نطاق آخر لا يوجد أي مؤشر على أن الإشكال سينتهي غدا.. سواء داخليا أو خارجيا.. بسبب تعقد الوضع وتداخله ووجود عناصر إعلامية منها القنوات الخارجية التي تعطي حيزا واسعا للمعارضة بالصوت والصورة.. في حين تعتمد القنوات السورية الرسمية على تقديم شهادات لما تعتبرهم عصابات مسلحة.. والإعلان عن قتلى الجيش.. إنه إنسداد أمني وسياسي حقيقي، ينتظر عنصر المفاجأة.