لطالما أبدت فرنسا انزعاجا كبيرا من المُطالبات المتكررة للجزائر، ورموزها النضالية، للاعتراف بالجرائم التي اقترفتها طيلة استعمارها للجزائر، وليس فقط إبان حرب التحرير المباركة التي اندلعت في الفاتح من نوفمبر 1954. مرور 57 سنة عن الانتفاضة الثورية العارمة، لم يغير في شيء من الصورة البشعة التي تركها الاستعمار في الذاكرة الجماعية بما فيها الأجيال المتعاقبة، عن كل ما ارتكبته فرنسا الاستعمارية لإخماد المقاومات والثورات المتعاقبة، وتأبى فرنسا اليوم، وخاصة في عهد ساركوزي الاعتراف به، بل اهتدت إلى طريقة جديدة في مواجهة الضغوطات الجزائرية وتلك الداخلية بعد أن بدأت أصوات من الداخل ترتفع مطالبة الحكومة التخلي عن سياسة التعنت وتعترف أخيرا بجرائمها.. وتكمن هذه الطريقة في سن المزيد من القوانين الجائرة، تهدف إلى تمجيد الإستعمار من خلال ما يزعم من منجزات يكون قد تركها للجزائريين قبل طرده من الجزائر سنة ,1962. المغالطات والأكاذيب لم تتوقف عند هذا الحد. فرنسا ساركوزي اليوم، وبعد إذلال للحركى منذ طردهم من الجزائر وحجزهم في «كانتونات» بفرنسا واعتبارهم مواطنين من الدرجة السفلى، أرادت رد الاعتبار لهم، ليس من باب تأنيب الضمير، وإنما فعلت ذلك نكاية في الجزائر في مواجهة إصرارها المتزايد على تذكير فرنسا بجرائمها البشعة. وليس من قبيل الصدف، أن تستبق فرنسا مناسبات إحياء الجزائر لذكريات خالدة تمجد نضالها الطويل والمرير ضد فرنسا، لتتعمد هذه الأخيرة إحراجها من خلال طرح مشروع قانون يعاقب كل من يهين الحركى!!؟؟. حدث هذا قبل أسابيع قليلة ماضية، ومباشرة عقب إحياء الجزائر ذكرى مجازر 17 أكتوبر 1961، وقبل حلول ذكرى أول نوفمبر. وزير الخارجية الأسبق في حكومة ساركوزي المقال كوشنير ترك قبل رحيله سجلا آخر من عنصرية فرنسا الاستعمارية والحالية على حد سواء، عندما قال بأن الجزائروفرنسا ستتحسن علاقتهما الثنائية بعد رحيل جيل المجاهدين أو ما تبقى منه، هذه العبارة التي بدت حاقدة وفيها الكثير من التبجج الاستعماري، رد عليها أحفاد المجاهدين الجزائريين في فرنسا، أي في عقر دار المستعمر، عندما أصرّ أطفال صغار على مشاركة آبائهم وأجدادهم في إحياء ذكرى مجازر 17 أكتوبر، وكلهم إصرار على أن ما ارتكبته فرنسا من جرائم بشعة ومتعددة في مواجهتها للمظاهرات السلمية بباريس، لا ينبغي أن يمر دون أن تعترف فرنسا بأنها اقترفت جريمة ضد الإنسانية، وهو أضعف الإيمان. الوعي الذي تبديه أجيال الاستقلال تجاه جرائم فرنسا الاستعمارية وتعنّت فرنسا الحالية، وجب توظيفه في اتجاه ممارسة المزيد من الضغط الذي ينبغي أن لا يكون مناسباتيا فقط، وإنما في إطار مهيكل ومنظم توكل له مهمة إحراج فرنسا، أكثر مما هي عليه اليوم، وأن تفك عقدتها وتقرّ بهمجية الاستعمار، وتتخلى عن ازدواجية الخطاب، ولا يعتقد أن ما صرح به ساركوزي مؤخرا حول ضرورة اعتراف تركيا بمجزرة الأرمن، سيخدم طموحه الجامح في الظفر بعهدة رئاسية ثانية خاصة وأن الاشتراكيين يتربصون للإيقاع به في انتخابات العام القادم، وهو الذي يسعى إلى كسب ما يعتقده المزيد من الأوراق الرابحة، بعد أن داس في المستنقع الليبي وجلب لفرنسا حصة الأسد من الكعكة الليبية أو هكذا يعتقد...