بتنصيبه نهاية الأسبوع الفارط من طرف وزير الطاقة والمناجم، السيد يوسف يوسفي، يكون الرئيس المدير العام الجديد لمجمع سوناطراك، السيد عبد الحميد زرڤين قد تسلم رسميا رئاسة المجمع خلفا للسيد نور الدين شرواطي، المقال في ذات اليوم، بعد أقل من عامين عن تسييره لشؤون أهم شركة إقتصادية وتجارية في الجزائر. ويعد ابن ڤالمة، عبد الحميد زرڤين (61 سنة)، الرئيس المدير العام الرابع لشركة سوناطراك في ظرف زمني لا يتعدى العامين بعد فضيحة الفساد الكبرى التي هزّت المجمع وتورّط مسؤولون فيها، وكان في مقدمتهم الرئيس المدير العام الأسبق السيد محمد مزيان الذي أقيل من منصبه مباشرة بعد دخوله السجن في جانفي 2010، وخلفه بالنيابة عبد الحفيظ فغولي الذي لم يثبت رسميا في منصبه، بل أقيل ليخلفه السيد نور الدين شرواطي، إلى أن تمت إزاحته بطريقة أثارت الكثير من الجدل، خاصة وأن عشية إقالته كان يجهل أن أيامه أصبحت معدودة، بعد أن وصف الأخبار المتناقلة حول رحيله، بأنها مجرد إشاعات، وأن من يقف وراءها أشخاص، بدأ هذا الأخير يزعجهم ويهدد مصالحهم في الشركة على إثر القرارات الصارمة في تسيير المجمع والتي لم ترق للكثيرين على حد تصريحاته الصحفية، لكن شرواطي أقيل من طرف أعلى سلطة في البلاد، ولابد أن أسباب تنحيته كانت قوية، حتى يتخذ قرار بهذا الحجم في ظرف حساس وعصيب تمرّ به الشركة منذ أن تفجرت فضائح الفساد ولا تزال تداعياتها ماثلة للعيان. بغض النظر عن ما قيل حول وجود خلاف دائم بين المدير المقال ووزير الطاقة والذي كان مرده اتهام الثاني للأول بالانفراد في اتخاذ القرارات المصيرية في المجمع النفطي والغازي، وعدم الرجوع للوزارة الوصية للتشاور، حسب ما أشيع حول أسباب التنحية، فإن حصيلة عمل شرواطي في تسييره للشركة التي تعدّ عصب الحياة الإقتصادية بما أنها لاتزال توفر قرابة 98٪ من المداخيل بالعملة الصعبة، لا تبدو أنها قد أقنعت المسؤولين المباشرين عن القطاع، خاصة وأن النتائج المحصل عليها لم تكن في المستوى المطلوب في إطار المناقصات الدولية الأربعة التي صدرت من طرف سلطة الضبط، بعد أن تم منح ثلاثة حقول من بين العشرة المعروضة خلال المناقصة الأولى، ليتراجع العدد إلى حقلين فقط في كل من المناقصة الثانية والثالثة، بينما تبقى المناقصة الرابعة تنتظر من يهتم بها، لكن دون جدوى. هذه النتائج الهزيلة، أعطت الانطباع على أن القطاع يوجد في حالة من الجمود في ظل ما بات يعتقد أنه غياب للتحفيزات لحث المستثمرين الأجانب على الاستثمار في قطاع المحروقات بالجزائر، فضلا على أن القطاع واجه جملة من المطالب العمالية، خاصة في المناطق الحساسة بالصحراء التي تتواجد فيها أهم المصانع والمنشآت النفطية والغازية. من حيث المداخيل المباشرة بالعملة الصعبة، تبدو أن الأرقام في تزايد مستمر من سنة إلى أخرى، وهذا لا يعود في الواقع إلى زيادة الانتاج النفطي والغازي، بل إلى زيادة أسعار النفط بالدرجة الأولى في الأسواق العالمية خلال السنوات القليلة الماضية، حيث ارتفعت المداخيل الجزائرية إلى أكثر من 60 مليار دولار في العشرة الأشهر الأولى من السنة الجارية، وقد تتخطى حدود 70 مليار دولار مع نهاية العام. ارتفاع المداخيل النفطية، حجب إلى حد كبير الوضعية الحقيقية للشركة الوطنية، خاصة من حيث الإنتاج أو تطوير المشاريع التنموية للقطاع على الرغم من الغلاف المالي الذي رصد له والذي يتجاوز 60 مليار دولار على المدى المتوسط، وعليه ولتخطي هذه المرحلة الدقيقة، فإنه ينظر إلى تغيير شرواطي على أنه ضروريا من أجل تجسيد مخطط سوناطراك، لكن التغييرات المتتالية لمدراء الشركة قد يعطي الانبطاع على حالة عدم الاستقرار التي توجد عليها شركة سوناطراك، منذ أن هزتها أكبر فضيحة عرفتها منذ نشأتها. وعلى الرغم من أن سوناطراك لا تزال تمر منذ مدة بمرحلة دقيقة للغاية، إلا أن الوافد الجديد عليها يعتقد أنها لم تتأثر بفضيحة الرشاوي في القطاع، وأنها تظل تصنف من بين أهم الشركات العالمية باحتلالها المرتبة الإثنى عشر عالميا والأولى إفريقيا، فضلا على النتائج المتحصل عليها من حيث المراقبة الداخلية التي كانت غائبة في السابق في المجمع، حين عرف تطورا هاما من حيث التنظيم ومحاور عمله محددة في المخطط المتوسط المدى الذي أعدته الجمعية العامة للمالك الوحيد وهو الوزارة الوصية، أي الطاقة والمناجم. ومن أجل إعادة التنسيق والعمل المشترك لتطوير الشركة، حدد وزير القطاع عدة أوليات، قال انه يتعين على سوناطراك تحقيقها كرفع احتياطي المحروقات من النفط والغاز وبناء صناعة للبتروكيمياء على أعلى مستوى ودعم قدرات المجمع في ميدان الخدمات النفطية وتطوير تقنيات إنتاج وتسويق المحروقات وتحسين طرق التسيير الداخلي مع اعطاء الأهمية اللازمة للموارد البشرية وضرورة تأهيلها على نحو يسمح لها برفع التحديات التكنولوجية، فضلا على فتح جسور الحوار مع العمال والسعي إلى تحسين ظروف العمل والمعيشة على حد سواء، خاصة في المناطق التي تضمّ منشآت وحقول النفط والغاز. رفع احتياطي المحروقات الذي وضعته الوزارة ضمن أولويات سوناطراك، قد يعني إعادة النظر في بعض بنود قانون المحروقات من وجهة نظر بعض المختصين في القطاع لتحقيق هذا الهدف، لكن في نفس الوقت تواجه الشركة الوطنية إنتقادات ليست بالهينة، من حيث عدم الاستقرار في القوانين، خاصة وأن التعديل الأخير انعكس وفق هذه الانتقادات سلبا على النتائج المحققة في مجال المناقصات، التي اعتمدتها الجزائر على نطاق واسع لحث الأجانب على الاستثمار في القطاع، ويعتقد أن هذا النمط يكون قد وضع ضرورة الاستفادة من التكنولوجيا في المقام الثاني رغم أن الخطاب الرسمي سبق وأن ركز على العامل التكنولوجي في عملية انتقاء الشركاء ولا سيما الأجانب.