كشف المعرض الدولي للفلاحة في طبعته السابعة المنعقد بقصر المعارض من 21 الى 24 نوفمبر الجاري عن امكانيات زراعية كبيرة بامكانها ان تندمج في الديناميكية التنموية غير ان المسألة تتطلب اعادة قراءة دقيقة للمعطيات ضمن رؤية شاملة تتجاوز الاطار القطاعي للفلاحة ليكون القاطرة التي تنشط مخطط اعادة التوزيع السكاني والتهيئة الوطنية. المؤشرات النظرية في مجال الحبوب او الذهب الاخضر وفي افق سنة 2014 تسطر اهداف كبيرة تتلخص في التوصل الى انتاج 5 ملايين طن من الحبوب منها 34،3 مليون طن من القمح وتحقيق معدل انتاج ب40 قنطار في الهكتار مع توسيع مساحة السقي التكميلي على مساحة 342300 هكتار. ويرافق هذا البرنامج الطموح بجملة من الاجراءات منها بالاخص دعم ب30 بالمئة لتعبئة مياه السقي التكميلي وب60 بالمئة لتجديد آلات الحصاد والدرس وضمان ب20 بالمئة من سعر بيع الاسمدة وقروض بدون فوائد لشراء المدخلات. للإشارة تقدر حاجة الاستهلاك ب7 ملايين طن من الحبوب واساسا القمح للسكان غير ان الانتاج الحالي لا يغطي سوى 50 بالمئة من حجم الطلب ويتم تغطية الباقي باللجوء الى الاستيراد الذي يكلف غلافا ماليا بحدود مليار دولار سنويا كمتوسط وهنا يكمن الخلل الذي لا ينبغي القفز على تداعياته ومن ثمة من المطلوب التوقف عند الخلل وامتلاك القدرة على تصور البدائل للحد من خطورة التبعية الغذائية. مثلا في مجال إنتاج مادة البطاطس او خبز الفقراء فقد خصت هذه المادة بعناية غير مسبوقة خاصة بعد ازمة ندرتها في الماضي القريب مما ادى الى استيرادها من كندا واسالت حينها حبرا كثيرا خاصة بشأن مدى سلامتها الغذائية للبشر فقد تبدو العزيمة قوية لبلوغ هدف انتاج ما يقدر ب1،3 ملايين طن من البطاطس الموجهة للاستهلاك وفقا لمعادلة حماية مداخيل المنتجين وضبط السوق. وقد بلغت المساحة المزروعة بالجملة لموسم 2009 الى 2010 مساحة 121996 هكتار بانتاج 33003115 قنطار بمردود يقدر ب270 قنطار في الهكتار الواحد. الماء هو اللب في اشكالية الأمن الغذائي الاستراتيجي فالماء الزراعي هو شريان الامن الغذائي في ظل التغيرات المناخية والتوسع الديمغرافي والعمراني والصناعي الذي يضغط على هذه المادة الحيوية والتي تدفع العالم في المستقبل إلى مواجهات قد تتطور بشكل من الأشكال إلى حروب على مصادر الماء خاصة في منطقة البحر الأبيض المتوسط حيث الدراسات تفيد بان ندرة المصادر المائية خطر نائم يهدد المنطقة برمتها مما سينعكس على إشكالية الأمن الغذائي محليا وإقليميا. وفيما يخص الوضع في الجزائر فان تداعيات هذا الملف برزت في السنوات الماضية مما دفع بالسلطات العمومية قبل عشرية تقريبا إلى تدارك المسألة واتخاذ جملة من الإجراءات في صيغة مشاريع قاعدية ذات أبعاد إستراتيجية ترتبط بمصير أجيال بكاملها ويتعلق الأمر بتجسيد برامج ملموسة في شكل سدود كبيرة الحجم ضمن شبكة ربط مندمجة ومحطات لتحلية مياه البحر تمتد على الساحل البحري للبلاد لتغطية كافة مناطق العجز المائي. وضمن هذا التوجه ذي الأبعاد الاقتصادية والتنموية بمتطلباتها الاجتماعية يستفيد قطاع الفلاحة من برامج مائية في إطار السقي الزراعي بهدف بلوغ تغطية مساحة تقدر ب280000 هكتار في أفق سنة 2014 منها 183000 هكتار بأنظمة مقتصدة للمياه ويرتقب أن تغطي هذه الأنظمة المقتصدة 810000 هكتار في نفس الموعد فيما يتم التوجه إلى تشغيل محطات تطهير المياه المستعملة لفائدة الفلاحة والسقي بإنتاج 550 مليون متر مكعب السنة القادمة فقط وهذا مؤشر لتوقع دفع جديد للنمو الزراعي. على خلفية المعطيات المسجلة في هذا القطاع الحيوي الذي يراهن عليه في إرساء اقتصاد بديل للمحروقات وضمان التنمية المستدامة فان العمل لا يزال يتطلب الكثير ليس من حيث جوانب التمويل والتحفيز ولكن من حيث وضع التصورات والمشاريع الكبرى التي من شأنها أن تعطي دفعا للاقتصاد برمته وذلك بالعمل وبسرعة لإطلاق أسس مشاريع فلاحيه على مستوى مختلف المناطق المؤهلة في الصحراء والهضاب العليا بحجم يستوعب الأعداد الكبيرة من اليد العاملة البسيطة والمتخصصة وذلك في إطار تصور لمشاريع مندمجة بالاستثمار الوطني المباشر أو بالشراكة مع أجانب لديهم الخبرة والتجربة في تسيير المؤسسات الفلاحية الضخمة في أنشطة ذات أهمية حيوية مثل الحبوب وتربية الأبقار الحلوب. إن إستراتيجية التنمية الريفية التي أعطت بلا شك ثمارا وكلفت أيضا موارد معتبرة في إطار الدعم يمكن أن تعرف تطويرا في المضمون يكمن التحدي الأكبر الذي يتطلب إقحام كافة الطاقات الموجودة وهي معتبرة يقتضي القدرة على تجنيدها وجمعها حول مسار يرتبط بأجيال قادمة من حقها أن تحاط بأمن غذائي هو أيضا في صلب الأمن الوطني بمفهومه الشامل والاستراتيجي.