عاد المنتخب الوطني لكرة القدم ليصنع الحدث من جديد بتوحيده لكل الشعب الجزائري تحت الراية الوطنية من خلال تألُّقه في الطبعة 32 لنهائيات أمم أفريقيا التي جرت وقائعها بأرض الكنانة من 21 جوان إلى 19 جويلية 2019، بسيره بخطى ثابتة طيلة عمر المنافسة مُحققا 7 انتصارات متتالية سمحت له بالتربع على العرش القاري والتتويج باللقب للمرة الثانية في تاريخه بعد انتظار طويل من الجزائريين دام 29سنة كاملة. خطف أشبال بلماضي الأنظار من كل المتتبعين داخل وخارج الوطن ومن كل أقطار المعمورة بأسماء شابة تلعب كرة نظيفة وجميلة تطبعها الروح الرياضية العالية، وكان هدفهم الأسمى إسعاد الملايين من الجزائريين الذين علّقوا عليهم آمالا كبيرة من أجل العودة بالكأس الأغلى على الصعيد القاري لبلد المليون ونصف المليون شهيد، حيث قدموا كل ما لديهم فوق الملاعب المصرية بإرادة عالية وروح تنافسية لا مثيل لها سمحت لهم بالوصول للنهائي بعدما أزاحوا كل المنافسين الذين تقابلوا معهم. تمكنت التشكيلة الشابة من كسب الرهان بقيادة مهندس طموح اسمه جمال الدين بلماضي الذي يمتلك رغبة كبيرة في النجاح والدليل كان واضح في العودة بكأس أفريقيا من خارج الجزائر رغم صعوبة المأمورية، مُحقّقين بذلك الوعود التي قطعوها لهذا الشعب الأبي الذي تابع كل كبيرة وصغيرة تتعلق بالمنتخب الوطني وآمن بقدرة هذا الجيل على تحقيق الحلم المُنتظر لقرابة ثلاثة عقود كاملة، قبل أن يتجدد العهد مع أجواء التتويج الذي صنع فرحة لا توصف وسط كل الجماهير من كل الأصناف العمرية. لا راية تعلو فوق العلم الوطني استطاعت الساحرة المستديرة أن توحد كل الجزائريين من خلال التفافهم وراء منتخب بلادهم في الموعد القاري طيلة شهر كامل تابعوا خلالها المباريات عبر شاشات عملاقة تم تنصيبها في الساحات العمومية في كل الولايات، رغبة منهم في مُشاهدة رفقاء محرز في أجواء عائلية خاصة أن الموعد تزامن مع الفترة الصيفية بهدف الرفع من معنويات اللاعبين لمواصلة المشوار بمستوى عالي منذ أول لقاء حتى النهائي، حيث تفاعلوا مع كل اللقطات التي كان يصنعها رفقاء بلايلي فوق المستطيل الأخضر بطريقة خيالية لدرجة أنهم تحوّلوا إلى مدربين من خلال التحليلات والتعليقات التي كانت تدور فيما بينهم بما فيهم الجنس اللطيف أصبح يفقه في شؤون الكرة. أدهش الشعب الجزائري كل العالم بالطريقة الحضارية التي كان يناصر بها منتخب بلاده من خلال الصور الرائعة التي صنعها في كل الساحات العامة والشوارع، والأكثر من ذلك أننا سجلنا سابقة في تاريخ الكرة من خلال الجماهير الغفيرة والعائلات التي توافدت على ملعب 5 جويلية الأولمبي بداية من الدور نصف النهائي لتفتتح أبواب كل من ملعب 20 أوت 1955 وملعب الرويبة بالعاصمة لمتابعة اللقاء النهائي لدرجة أنّ المدرجات لم تسعهم وكلهم حاملين للرايات الوطنية بمختلف الأحجام ومن كل الشرائح كبار السن، شباب وأطفال وحتى الحوامل وذوي الاحتياجات الخاصة كانوا حاضرين. كرة القدم تصنع ما تعجز عنه السياسة أجواء هستيرية لا تصنعها إلاّ كرة القدم محققة بذلك ما عجزت عنه السياسة بكل جدارة لأنها الوحيدة التي أخرجت كل الشعب الجزائري إلى الشوارع بداية من الدور ربع النهائي بعد الانتصار أمام كوت ديفوار، وبعدها المربع الذهبي أمام نيجيريا ليأتي الدور على السنغال في ثالث نهائي يلعبه الخضر ضمن هذه المنافسة حيث حسموا الأمور لصالحهم بهدف أكثر من رائع من بغداد بونجاح الذي أبكى من خلاله أكثر من 42 مليون جزائري. تلك الصور والأجواء التي صاحبت تألّق المنتخب الوطني ضمن أكبر محفل كروي في القارة السمراء وضعت حدا لكل المشككين في وحدة أبناء هذه الأمة، وأكدت في نفس الوقت سلمية المسيرات التي كان يقوم بها الجزائريين كل جمعة والتي أسكتت كل الناقمين والحاقدين على هذا الوطن المسقي بدماء الشهداء الأبرار الذين ضحوا بالنفس والنفيس من أجل أن ننعم نحن اليوم بنعمة الأمن والأمان في كنف الحرية والاطمئنان. صور حضارية أسكتت كل الحاقدين على هذا الوطن الأبيض والأخضر والأحمر هي الألوان التي تزينت بها كل رقعة من الجزائر وكل ما له علاقة بالعلم الوطني من أوشحة وقبعات وألبسة خاصة بالفريق الوطني تم اقتناؤه من عند الباعة الذين نصبوا طاولات في كل الأماكن، والإقبال كان منقطع النظير من طرف الأولياء والشباب وحتى الفتيات من أجل تشجيع زملاء أفضل لاعب في الدورة إسماعيل بن ناصر صاحب التمريرات الحاسمة ما يعني أن اللاعبين كانوا يصنعون الحدث في مصر والجمهور الجزائري كان يصنع الحدث في الجزائر وفي كل دول العالم بطريقة تشجيعهم الحضارية مزينين بالألوان الوطنية. شعارات موحدة بين الجميع كلها تتغنى بوحدة الجزائر وتعلُّق الجزائريين بكل ما يرمز لهذا الوطن بما فيها المنتخب الوطني الذي رفع الراية الوطنية عاليا خلال البطولة الأفريقية في أرض الكنانة، وتجاوز الأمر الحدود الجزائرية لأن الأنصار الذين رافقوا المنتخب نقلوا معهم تلك الأجواء الحماسية والهتافات إلى مصر وصنعوا من خلالها صور مماثلة لتلك التي كانت هنا بالجزائر والتي أعجبت المصريين والكل المتواجدين في مكان الحدث، وانظموا للمناصرين الجزائريين ما يعكس الأسلوب الحضاري للشعب الجزائري في التشجيع أينما كان وحيث ما حل. تناغم كبير بين الشعب وجيشه والحكومة ما يعني أن كرة القدم تعد وسيلة حوار لا مثيل لها لأنها تفوّقت على كل المجالات وكسرت كل الحدود والفوارق باختلاف الأطياف والتخصصات وحتى اللهجات، ما يؤكد أنها وسيلة من وسائل الحوار بين الشعوب والمجتمعات مهما تباعدت المسافات واستغلها الجزائريون بالطريقة الصحيحة من خلال مناصرة المنتخب داخل الوطن وخارجه، جعل كل المتتبعين ينبهرون في تلك الصور التي تملك أكثر من دلالة عن هذا الشعب المسالم الذي شرف بلاده أفضل تشريف مثلما كان عليه الحال في كل مرة يتعلق الأمر بالنخبة الوطنية. دور كبير للسلطات العمومية يرجع النجاح الكبير في الأجواء الاحتفالية إلى العمل والدور الكبير الذي قامت به وزارة الشباب والرياضة من أجل ضمان تنقل المناصرين في أفضل الظروف والدليل واضح من خلال تواجد الوزير رؤوف برناوي في مكان الحدث ومتابعته لكل الجزئيات عن قرب طبقا لتعليمات الوزير الأول، حيث تم توفير كل الإمكانيات المادية والبشرية لإنجاح هذا العرس الرياضي بالتنسيق مع أفراد الجيش الوطني الشعبي الذي كان في الموعد من خلال تقديم الدعم المتمثل في وضع الطائرات تحت تصرف وزارة الشباب والرياضة من أجل نقل أكبر عدد من الراغبين في التنقل إلى مصر وسهر على ضمان سلامتهم إلى غاية عودتهم إلى أرض الوطن. تناغم كبير بين الشعب وجيشه والحكومة برعاية وزارة الشباب والرياضة من خلال العمل الكبير والرائع للحفاظ على الأمن والسلم خلال متابعة المباريات ومنع حدوث أي تجاوزات وفي نفس الوقت لتسهيل وتنظيم حركة المرور، كل هذا يعد إنجاز في حد ذاته بين أبناء الوطن الواحد مهما اختلفت المهام والمناصب والمسؤوليات لأن الهدف واحد وهو الحفاظ على وحدة هذا البلد ومواصلة بنائه كلٌّ في مجاله.