نقلت وكالة الأنباء الجزائرية الأحد الماضي عن الديوان الوطني للاحصاء تقديره للتضخم بالجزائر شهر فيفري الماضي بمؤشر قياسي تجاوز 5 بالمائة ليلامس سقف 5,3 بالمائة، رقم لم يكن متوقعا من قبل السلطات خاصة وأن توقعات بشأن التضخم في الاقتصاد الوطني الكلي تقضي بأن يظل مستوى الأسعار فوق توقعات ميزانية الدولة 2012 والتي ذهب إليها وزيرنا للمالية في تصريح أخير، فماذا يعني أن تتجاوز أرقام الديوان توقعات الحكومة بأكثر من نقطة مئوية واحدة بل بهامش يقارب النقطتين؟ وما المطلوب عمله حتى تظل وتيرة التضخم تحت المراقبة؟ هذا ما نشرناه منذ 6 سنوات في العام 2007 نشرت يومية جزائرية مقالنا عن الحوار الدائر في الجزائر حول شبكة الأجور، وفي هذا المقال دعونا إلى اصلاح ضريبي وجبائي باعتباره حلا ناجعا أمام تدهور القدرة الشرائية لأكثر من 8 مليون عامل يخضعون للعبء الجبائي. وكنا قبل ذلك حذرنا من عواقب الزيادات غير المدروسة في الأجور الاسمية في القطاعين الاقتصادي والوظيف العمومي، تحذير تمليه طبيعة الطلب الداخلي في الجزائر وتكوين سوق الاستهلاك، وبدلا عن ذلك مازلنا نرافع لصالح تعديل جدول الضريبة على الدخل الاجمالي للأجراء، إذ لم تعد انشغالات السكان متعلقة بالأجور في حد ذاتها، بل باستقرار القدرة الشرائية على المدى البعيد، تحد آخر لم تبدع الحكومات السابقة ولا الحكومة الحالية في رفعه على الرغم من الزيادات المستمرة في كتلة الأجور جراء تعديل الحد الأدنى المضمون، حقيقة، ليس أمام الحكومة خيار في أن تخفف من العبء الجبائي على دخل الأجراء بسبب المطلب التقليدي للجبهة الاجتماعية في رفع الأجور، مطلب يبدو أنه غالي الثمن لأنه يمس أسلاكا مهنية واسعة فضلا عن منتسبي الوظيف العمومي حيث ارتفعت كتلة الأجور في القطاع العمومي من ميزانية 2012 إلى 29 مليار دولار، رقم يكشف عن سيولة إضافية في السوق النقدية تضاف إلى اقتصاد يشكو من فائض هام في السيولة جراء قلة التوظيفات. ماذا يعني أن يرتفع أجر الموظف بعشرين بالمائة مثلا في حين يرتفع سعر التضخم بنقطتين؟ قد يؤدي ذلك إلى ارتفاع في الانفاق الاستهلاكي لنفس الموظف للحفاظ على سلته الحالية بأكثر من عشرة بالمائة بسبب آلية الطلب الداخلي في سوق غير منظمة، وتبقى العشرة المتبقية عرضة لتقلبات سوق شديدة الارتباط بالسوق الخارجية. منظور النجاعة في الاقتصاد ومن منظور النجاعة الاقتصادية تتمتع آلية خفض الضريبة بمزايا أفضل من تلك التي تتيحها آلية رفع الأجور، فهي أداة غير تضخمية لأنها تقتصر على تحويل السيولة من الميزانية العامة إلى ميزانيات الأفراد، ونجاعتها تبدو أوضح من خلال نسب الاعفاء من جهة والشريحة المعنية أكثر من غيرها من ذلك، لقد كتبنا بمناسبة اجتماع الثلاثية (الجزائر نيوز صيف 2006): لا ترفعوا الأجور خفضوا الضرائب، وكنا نعني يومها سلة الأجور الاسمية وتخفيضا جديا في الضريبة على الدخل، تخفيض تبرره الوضعية المالية الجيدة للميزانية العامة من جهة واستفادة الدولة من الضريبة على الأرباح الاستثنائية للشركات البترولية العاملة بالجزائر وهي ضريبة معتبرة قد تصل إلى 50 بالمائة كلما جاوز سعر البرميل من النفط 30 دولارا، وهكذا يبدو أن تحسين نمط السكان لن يتحقق إلا إذا تزامنت الزيادات الاسمية في كتلة الأجور مع زيادة حقيقية في قدرة المستهلكين على الاستهلاك ما يعني التحول التدريجي نحو الادخار، فموضوع الرفاه الاقتصادي الذي تسعى جميع الحكومات الى توفيره للسكان يتجاوز حدود الاجراءات النقدية إلى التحكم في السيولة من جهة وفي السياستين النقدية والمالية للدولة من جهة ثانية. نحو سياسة نقدية ومالية أكثر نجاعة لقد تحققت توقعاتنا وزاد التضخم بنقطتين إلى أكثر من 5 بالمائة شهر فيفري الماضي، وعليه فلن يكون أمام السلطات النقدية لا بد من رفع سعر الفائدة بين البنوك على النحو الذي يمتص الزيادة في التضخم، نتيجة مناقضة لمطلب الباترونا وربما تفتح على الحكومة بابا آخر هي في غنى عنه، فالمقترضون لأجل الاستثمار مازالوا يشتكون من كلفة القرض ويعتبرون أسعار الفائدة الحالية فوق المستوى المناسب لاطلاق المشاريع الصغرى والمتوسطة، ولهذا يكون من الأنجع ادراج مسألة الأجور والجباية ضمن سياسة أوسع تشمل السياستين النقدية والمالية معا، كيف يمكن أن نراقب التضخم في ظل زيادة كتلة الأجور؟ هل هناك أداة أخرى للضغط على الأسعار من داخل السياسة المالية نفسها؟ هل لدى الحكومة رؤية محددة لتحويل السيولة من البنوك الى القطاع الاقتصادي؟ أو حفز الادخار الصغير عن طريق ايجاد منافذ أخرى لتوظيف النقود؟ استمعت مؤخرا إلى وزير المالية وتعليقه في موضوع الخفض من سعر الدينار الجزائري، وكان المسؤول الأول عن قطاع المالية في البلاد واضحا في دعمه لهذا الخيار وبالتالي رفضه لخيار آخر أكثر جدوى هو تحسين قيمة العملة المحلية أمام العملات الأخرى، وربما كان تعليقه مقنعا لو قدم لنا مبررات أكثر موضوعية حيث نجد الخيار الثاني أكثر مردودية لصالح التوازن الاقتصادي الكلي للبلاد لسببين اثنين: المتوفر لدى الخزينة من الاحتياطي من العملة الأجنبية والذي يجعل البلد ضمن مجموعة السبع الأوائل الأكثر احتياطي من النقد الأجنبي في العالم، والسبب الثاني ارتباطنا الشديد بالسوق العالمية عن طريق الواردات التي قد تصل إلى 50 مليار دولار نهاية العام الجاري، ومازالت القيمة المتدنية للعملة الوطنية تؤثر سلبا على ميزان البلد التجاري مع الخارج، ماذا يعني أن يفقد الدينار مرونة أسواق الصرف في ظل ضعف الصادرات الجزائرية خارج المحروقات؟ أية سلعة هاته التي ننافس بها في السوق الخارجية حتى نستخدم آلية خفض العملة؟ وما قيمة خسارة ميزانية الدولة من الجباية البترولية في حالة ضبط سعر صرف الدينار أمام خسارتها جراء رفع الأجور وخفض الضرائب؟ ثم كيف نقارن بين جباية مقدرة بدينار ضعيف وأخرى مقدرة بدينار أقوى حتى نجزم بالخسارة؟ وفي الأخير ما جدوى الجباية البترولية خارج النظام الجبائي العام التي بدأنا نشعر بعزم الحكومة على تعديله ضمن قانون مالية العام 2008؟ أسئلة تستحق أن تطرح في أجواء البحث عن حل مناسب لأزمة الأسعار العالمية وعن آلية ناجعة لتحسين نمط حياة الجزائريين لفترة غير محدودة من الزمن د.بشير مصيطفى.