تراهن المجموعة الدولية على مسعى الجزائر في حل الأزمة الخطيرة التي تشهدها مالي وتداعياتها على منطقة الساحل التي تخترقها الجماعات الإرهابية، متخذة من الفجوات الأمنية والسياسية معابر للانتشار والتهديد. وبات مسعى الجزائر في هذه الأنزلاقات الخطيرة أكثر من ضرورة تمليه مسائل جيوإستراتجية وعلاقات الجوار واحتلال موقعا حساسا بين دول الميدان المعتمدة لاستراتيجيه أمنية مشتركة لمواجهة الإرهاب عابر الحدود والأوطان. وأصبح هذا الأمر ملحا خاصة في تسارع الأحداث بعد إعلان الأزواد تأسيس دولة لهم في الغاو، وتمركز عناصر القاعدة بقوة في الشمال أصبحت الجزائر ملزمة اليوم أكتر من ذي قبل، بحماية مواطنيها الطوارق من الخطر القادم من شمال مالي وحدودها من هجمات محتملة من عناصر القاعدة، وأخيرا من احتمال نزوح كثيف للمدنيين الماليين إلى ترابها، فرارا من المتطرفين. ما تشهده منطقة الساحل من تدهور خطير للأمن وتصعيد لنشاطات عناصر القاعدة، ليس بوليد الصدفة. فقد حذرت الجزائر مرارا وتكرارا من حلول أزمة لا مفر منها ومن انتقال عدوى الإرهاب والعنف إلى دول المنطقة، مؤكدة أنه لا يقف عند الحدود والأقاليم بل يتفشى كالمرض العضال، إذا لم يحارب في بدايته وبقوة دون تركه يتكاثر إلى درجة تصعب من تطويقه. كما أكدت الجزائر إثر أحداث ليبيا، من خطر انتشار الأسلحة، ووقوعها بأيدي عناصر الجمعات المسلحة للقاعدة . قد جاءت الندوات المتعاقبة حول خطر الإرهاب على دول الساحل والتي دعت إليها الجزائر وعدة دول غربية منها فرنسا، إنكلترا والوليات المتحدةالأمريكية، لتبين خطورة الوضع وضرورة اتخاذ كل التدابير اللازمة للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة . واحتضنت الجزائر معظم هذه اللقاءات، لكونها البلد الأكثر خبرة في هذا المجال وبحكم موقفها الاستراتيجي في المنطقة. غير أنه وأمام أي تصعيد خطير للوضع تجد الجزائر نفسها ملزمة للعب دور ''الإطفائي''، وهو الدور الذي تعوّل عليه الكثير من الدول الغربية واضعة مصداقيتها في جهود البلاد وتجربتها في مواجهة الخطر الإرهابي الذي يضرب الوحدات السياسية بلا استثناء وتمايز وانتقائية. هذا مع العلم أن جانبا هاما من المسؤولية في هذه الأزمة تتحمله الدول الغربية التي دعمت ثوار ليبيا بالأسلحة، وتلك التي اعتمدت المساومة مع الإرهابيين ودفع الفدية في حال اختطاف مواطنيها، موفرة بهذا للجماعات المتطرفة موارد مالية تمكنها من تقوية مخزونها من الأسلحة. الوضع في مالي يقلب الموازين أشادت الجزائر في كل لقاء حول مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل بضرورة العمل المنسق بين دول وحكومات المنطقة، مؤكدة على لزوم وضع إستراتجية تقوم على تبادل المعلومات والتجارب والتشاور حول خطط مكافحة الجريمة المنظمة، تجار المخدرات والأسلحة وعناصر القاعدة، هذا بعد أن بينت بحجج غير قابلة للنقاش الصلة الوطيدة بين الآفات الثلاث. اليوم تجد الجزائر نفسها أكثر الدول بمنطقة الساحل مهددة بما يجري بشمال مالي، حيت إن خطر تمركز العناصر المسلحة لما يعرف بتنظيم ''القاعدة'' بالقرب من الحدود تحت غطاء مجموعة الأزواد، يشكل بحد ذاته تهديدا للأمن الوطني الذي يعد الجنوب محوره الأساسي. نؤكد على هذا الطرح بالخصوص على ضوء الاعتداء الإرهابي على القنصلية الجزائرية واختطاف الدبلوماسيين الجزائريين بغاو من قبل عناصر إرهابية. وبالرغم من خطورة الوضع لا تزال الجزائر تتمسك وتطالب بحل أزمة مالي بالطرق السلمية، رافضة تماما اللجوء إلى خيار التدخل العسكري أو الإقبال على أي خيارات أخرى. فبعد أن قرعت مطولا ناقوس الخطر، لعبت دور الوساطة في الأزمة بين طوارق الأزواد والحكومات السابقة بمالي، ها هي اليوم حاضرة بصفة أو بأخرى في كل المشاورات والمساعي الإفريقية والدولية من أجل حل الأزمة بمالي، واحتواء خطر عناصر القاعدة بمنطقة الساحل الذي يحظى بسند دولي غير مسبوق.