تعرف شعبة إنتاج الحليب الطازج بولاية بومرداس، تراجعا كبيرا من حيث الإنتاج وتقلص عدد رؤوس الأبقار في السنوات الأخيرة، من 30 ألف رأس إلى أقل من 15 ألف رأس بسبب جملة من المشاكل والعراقيل، ربطها المربّون بارتفاع أعلاف الحيوانات التي تعدّت سقف 4500 دينار للقنطار، وتقلّص المساحة الزراعية المخصصة لهذا النشاط لصالح شعبة الخضروات وعنب المائدة بالخصوص، في حين يبقى مطلب رفع الدعم المقدر ب 12 دينارا عن اللتر الواحد يراوح مكانه منذ عدة سنوات. رغم أهمية هذا النشاط الذي تمّ الرهان عليه لضمان التموين الدائم لملبنتي ذراع بن خدة وبودواو بالحليب الطازج ومختلف وحدات الانتاج، ونقاط بيع وتوزيع مشتقات الحليب مع استحداث عشرات مناصب الشغل، وتوسع عدد المربين ليقفز إلى حوالي 1900 مربي بالولاية، استطاعوا رفع قدرة الإنتاج الى 47 مليون لتر سنويا في السنوات الماضية، إلا أن دوام الحال من المحال حسب تصريحات بعض المربين الناشطين في المثلث الخصب ومصدر ارتكاز الشعبة عبر دائرتي بغلية ودلس. أكّد المربّون ل «الشعب» أنّ العشرات من المربين تركوا الشعبة وغيّروا النشاط وتخلصوا من ما تبقى لهم من رؤوس نتيجة الارتفاع الكبير للتكاليف، وصعوبة الاعتناء بحاجيات البقرة الواحدة من السلالة الأصيلة التي تحتاج إلى هكتار واحد من المساحة الزراعية المخصصة للأعلاف، وهي شروط غير متوفرة حاليا بسبب تقلص المساحة، إضافة إلى ارتفاع سعر مادة «النخالة» لتناهز 2800 دينار ومحدودية حصة الدعم المخصصة للمربين المعتمدين، الذين وقعوا تحت طائلة التحايل الذي تمارسه بعض التعاونيات الفلاحية التي استفادت من إمتياز توزيع هذه المادة بالتنسيق مع الغرفة الفلاحية. وعرفت الشعبة حسب مصادر تحدثت ل «الشعب» عراقيل واحتوائها من قبل نشطاء انتهازيين ساهموا في اندثار جمعية مربي أبقار الحليب، التي كانت تنشط قبل عشر سنوات وساهمت في توسيع النشاط والدفاع عن المنتجين، ورفع انشغالاتهم إلى مديرية المصالح الفلاحية والوزارة الوصية وتحقيق مكاسب أبرزها حصة الأعلاف المدعمة من حيث الأسعار، ورفع قيمة الدعم المالي الى 12 دينارا للتر بالنسبة للمربي، تضاف إلى السعر المرجعي المحدد ب 50 دينارا، 5 دنانير لفائدة جامع الحليب و4 دنانير لصاحب المصنع. لكن كل هذه المكاسب والمحفزات تبخّرت وفق قول المربين، الذين ندّدوا «بطريقة تسيير ملف الدعم والمرافقة من قبل المصالح الفلاحية، وبروز جمعيات تفاوض باسم المنتجين مستفيدة من عدة امتيازات بما فيها إنشاء تعاونيات خاصة لصناعة وإنتاج الأعلاف مقابل صمتها عن الانشغالات المطروحة للفلاحين، والمطالب المرفوعة لتحسين ظروف الشعبة». وساهمت هذه الظروف الصعبة والمتراكمة بشهادة ممثلي مديرية المصالح الفلاحية لبومرداس بتراجع كبير لنشاط الشعبة، وتقهقر نسبة الإنتاج لتستقر في أقل من 15 مليون لتر من الحليب مع بقاء الولاية رهينة للولايات الغربية من حيث التموين بالأعلاف اليابسة وارتفاع سعر الأعلاف المعلبة المستوردة من الخارج. مرافقة «أونساج» و»كناك» في مهب الريح عاشت شعبة إنتاج الحليب الطازج لولاية بومرداس أحسن فترتها الإنتاجية خلال سنوات 2010 / 2011 بفضل مشاريع الدعم والمرافقة التي استفادت منها، وانخراط وكالتي «أونساج» و»كناك» لتمويل ومرافقة عشرات المشاريع التي تقدم بها الشباب بما فيهم خريجو الجامعات، وحتى من العنصر النسوي من أجل اقتناء أبقار ذات جودة عالية، وفئة أخرى توجهت نحو إنشاء مشاريع ومؤسسات مصغرة متخصصة في جمع الحليب من المنتجين وتموين ملبنات الولاية عن طريق الاستفادة من قروض بنكية لاقتناء مركبات نفعية وصهاريج، وهو ما ساهم في ارتفاع مردودية الشعبة وتوسعها، وارتفاع عدد رؤوس الأبقار من 15 ألف الى أكثر من 30 ألف بقرة منها 16 ألف بقرة حليب، إلى جانب تضاعف عدد المجمعات المعتمدة إلى حدود 40 مجمعا متخصصا في تسويق المنتوج لفائدة ستة ملبنات ووحدات تحويل عمومية وخاصة لذراع بن خدة، بودواو، العاصمة والبليدة. لكن وبسبب قلة المتابعة والمرافقة المستمرة، لم تستطع الشعبة والناشطون فيها المحافظة على المكاسب المحققة في الميدان نتيجة العراقيل المذكورة، وفشل أغلب المؤسسات المصغرة التي تأثرت بتراجع الإنتاج وتخلي الفلاحين عن النشاط، وهوما دفع أيضا بالشباب المستثمر إلى التوقف وتغيير نشاط المركبات وصلت بعدد منهم الى بيع الصهاريج والدخول في نزاعات قضائية مع وكالات الدعم. إلى جانب هذه العوامل، تبقى مقترحات الشراكة مع المتعاملين الاقتصاديين ووحدات الإنتاج منها ملبنة بودواو التي بادرت إليها المصالح الفلاحية، إلى جانب المجلس المشترك لشعبة الحليب وجمعية المنتجين المتعلقة بمرافقة المنتجين، وقيام الوحدة باقتناء رؤوس أبقار لفائدة المربين مقابل دفع ثمنها تدريجيا بمادة الحليب معلقة، وحتى مقترحات أخرى للشراكة مع ملاك الأراضي داخل وخارج الولاية للمساهمة في إنتاج الأعلاف الخضراء واليابسة. 1 % نسبة تأمين الماشية قضية أخرى مشعبة ومعقّدة تعاني منها شعبة تربية الأبقار والماشية وقطاع الفلاحة بولاية بومرداس على العموم، شكّل حجرة عثرة أمام تطور أساليب النشاط هي «غياب ثقافة التأمين» رغم الخسائر السنوية التي يتكبدها الفلاحون والمزارعون في مختلف النشاطات بدءاً من تربية الماشية، زراعة الأشجار المثمرة من كروم وزيتون، تربية النحل وغيرها نتيجة التقلبات الجوية، الفيضانات والحرائق وحتى ظاهرة السرقات التي يتعرض لها المنتجون في غياب عملية التأمين عن النشاط الذي لا يتعدى 2 بالمائة بشهادة ممثل الصندوق الجهوي للتعاون الفلاحي، الذي تحدث ل «الشعب» في آخر تظاهرة لصالون زيت الزيتون ببلدية بني عمران، في حين لا تتجاوز واحد بالمائة بالنسبة لشعبة الماشية وتربية أبقار الحليب حسب ذات المصدر رغم المخاطر التي تتعرض لها هذه الثروة الحيوانية من أمراض ونفوق أعداد كبيرة كل سنة بسبب قلة المتابعة وعدم قدرة المربين ضمان التكاليف.