عرف بأهدافه الغزيرة من الركنيات المباشرة والمخالفات الثابتة والقذفات القوية الدقيقة، تميز بسرعة فائقة بالكرة وبمراوغات استثنائية بيسراه الساحرة، شكل ثنائيا خرافيا رفقة الأيقونة لحسن ألماس في شباب بلوزداد والفريق الوطني; منذ سنة 1963 إلى غاية 1972، نتحدث هنا عن أسطورة نادي شباب بلوزداد وكرة القدم الجزائرية المرحوم عاشور لواحدي الملقب في محيطه الأسري باسم «حسان». «شباب بلكور.. لالماس عاشور.. البالون في الشبكة.. يصفر «لاربيت».. الطيح لا تريبون»، أغنية لطالما رددتها حناجر أنصار «الشباب الكبير» في الأيام الأولى للجزائر المستقلة التي عرفت ميلاد فريق شباب بلكور (بلوزداد حاليا)، الفريق الذي ولد كبيرا بعد دمج الوداد الرياضي لبلكور ونادي أتليتيك بلكور اللذان ناضلا خلال الحقبة الاستعمارية ضد الوجود الفرنسي الغاشم في الجزائر على غرار الكثير من الأندية الجزائرية. عاشور لواحدي أو»حسان»، كما كانت تسميه جدته، من عائلة جد متواضعة تنحذر من قرية الحامة بوطالب الثورية بولاية سطيف، رأى النور يوم 14 مارس 1938 بحي الزنوج، بولاية سطيف، التي سرعان ما فارقها بصحبة عائلته اتجاه العاصمة، بعدما ظفر والده بمنصب شغل بميناء الجزائر. أقام بحي «مونت فلوري» بالعناصر رفقة والديه وشقيقتيه، تتلمذ بمدرسة «لاكوردوري» التي تجانب مدرج «البولايي» بملعب 20 أوت، الملعب الذي ارتبط به ارتباطا وثيقا، هو الذي كان يدرس تحته ويطل عليه من شرفة المنزل. علاقته بالكرة كانت وطيدة منذ نعومة أظافره، أين تعلم أبجدياتها بغابة الأروقة التي تطل على العناصر، حيث كشف لنا أحد جيرانه السابقين عمي ملياني، أنه كان يصعد لغابة الأروقة لمشاهدة لاعبي مولودية الجزائر الذين كانوا يتدربون هناك تحت قيادة رائد كرة القدم الجزائرية المرحوم إسماعيل خباطو، وقال «عاشور في الصغر كان يصعد إلى أعلى الغابة لمشاهدة مثله الأعلى في كرة القدم لاعب مولودية الجزائر أسطورة كرة القدم الجزائرية أثناء الحقبة الاستعمارية منصور عبطوش رفقة أرمادة لاعبي العميد (دحمون، حميد، حداد، حموتان، عبد اللاوي.. والآخرين)»، وأضاف قائلا: «عاشور كان يلتقط الكرات للاعبي المولودية، ويختار دائما جهة عبطوش الذي كان جناحا أيسر ليسترجع له الكرة»، وختم حديثه «مثله الأعلى كان جناحا أيسر، وسنوات بعد ذلك صنع هو المعجزات في نفس المنصب، وكتب اسمه بأحرف من ذهب مع الشباب». بدايته مع الكرة كانت من نادي أتليتيك بلكور عاشور كان مرشحا في بداياته ليصبح حارس مرمى، لكن ابن حيّه لغويسي لاعب نادي أتليتيك بلكور، اقترح عليه في سن 15 عاما اللعب لنفس الفريق في صنف الأشبال، تحت قيادة المدرب عبد الجبّار مختار الذي كان زميله مع الأكابر. شاءت الصدف أن يكون أول ظهور رسمي للواحدي بملعب الزيوي بحسين داي ليس مع فئة الأشبال بل مع الآمال، لما خلف لاعبا للفريق غاب عن المواجهة، أين تم الاستنجاد به وتمكن يومها من تسجيل ثنائية كانت انطلاقته الفعلية في عالم الساحرة المستديرة، ومفتاح تجسيد أحلامه كونه كان مولعا بكرة القدم، منذ الصبا. سنة بعد ذلك، استدعى عبد الرحمن مفتاح المدرب القدير لفئة الأكابر «حسان» لخوض المباراة الأخيرة من الموسم الكروي ضد النادي العريق مولودية شرشال، وهولا يزال في صنف الأشبال، مباراة انتهت بفوز نادي أتليتيك بلكور بهدف نظيف كان من توقيع الجوهرة الصاعدة عاشور، وهي المباراة التي برهن بها علو كعبه وأكد أحقيته بالترقية إلى الأكابر الموسم الذي بعده، الذي لعبه أساسيا منذ البداية. تلبية نداء جبهة التحرير لم يبعده عن موهبته تألق «عاشور» مع الأتليتيك سمح له من نيل شرف أول استدعاء لتشكيلة أفضل اللاعبين الآمال بولاية الجزائر العاصمة، سنة 1956، تشكيلة بمثابة منتخب لولاية الجزائر التي كان يشرف عليها المدرب الفرنسي جاسيرون الذي انتقل شخصيا لمعاينته في لقاء ناديه ضد الشباب الرياضي لنادي الدويرة، أين قدم أداء رائعا وأقلق كثيرا دفاع المنافس. التشكيلة التي اختارها المدرب الفرنسي كانت ستخوض مباراة ضد المنتخب المغربي لنفس الفئة، لكن عاشور رفقة مجموعة من اللاعبين الجزائريين لبوا نداء جبهة التحرير الوطني بضرورة مقاطعة لكل منافسات كرة القدم، وهو ما أجل خوضه أول مباراة دولية في مسيرته الكروية. فترة توقف الجزائريين عن ممارسة الكرة بقرار جبهة التحرير الوطني، رافقها انسحابه من الدراسة، منذ إضراب 1956 بطلب من جبهة التحرير، لينتقل بعدها إلى العمل رفقة والده بميناء الجزائر. قرار والده حال دون احترافه بنادي لوهافر لواحدي الذي كان في أوّج عطائه وعمره لم يتعدى سن 18 ربيعا، وبعد احتكاكه المبكر مع خيرة لاعبي البطولة من الجزائريين والفرنسيين وهو في بداياته في عالم الساحرة المستديرة، تلقى مقترحا لحمل ألوان نادي لوهافر الفرنسي لمزاملة الإخوة سوكان وبوشاش، من قبل المدرب جاسيرون الذي أعجب كثيرا بإمكانياته وعمل كي لا تنطفئ موهبته مبكرا، لكن والده رفض الفكرة جملة وتفصيلا، قرار حرم عاشور من تحقيق حلمه باللعب لأحد أكبر الأندية الأوروبية آنذاك. سنة 1956 كانت مليئة بالأحداث لصاحب الجسم النحيف وسيد التوزيعات الدقيقة، حيث بعد توقفه عن ممارسة الكرة ومزاولة الدراسة، وتوجهه لعالم الشغل رفقة والده، غيّر مقر إقامته من حي العناصر إلى مدينة القبة. في نهاية خمسينيات القرن الماضي التحق «عاشور» بفريق شكله الثنائي إسماعيل خباطو، وعبيد المدرب السابق لنادي رائد القبة، لخوض مباريات بين الأحياء كانت تلعب على ملاعب ترابية في مساحات شاغرة في مختلف بلديات العاصمة، وبخصوص هذه المرحلة تحدث «عاشور» في أحد حواراته عن مباراة مميزة في تلك الفترة، حيث قال بالحرف الواحد «لعبنا مباراة ضد نادي فوارول ببئر خادم بأعالي العاصمة، وهو الفريق الذي كان يلعب له لالماس، فزنا بذلك اللقاء بنتيجة (5-4)، سجلت الأهداف الخمسة لفريقي وتولى لالماس تسجيل رباعية فريقه»، وتابع «منذ ذلك الوقت لعبنا جنبا لجنب إلى غاية سنة 1972 التي وضعت فيها حدا لمشواري الكروي». وضع حجر الأساس ل «الشباب الكبير» عشية الاستقلال بعد الاستقلال أعادت الفرق الجزائرية تكوين نفسها من جديد لخوض موسم (1962 -1963)، واختار فريق أولمبي العناصر المدرب إسماعيل خباطو لقيادة العارضة الفنية للنادي، انتداب مدروس كان بمثابة ضرب عصفورين بحجر واحد، كون إدارة الأولمبي استهدفت معلم التدريب بالفريق الذي أشرف على تكوينه منذ أربع سنوات بقيادة عاشور ولالماس. في نهاية الموسم، سعى مسؤولو الشباب الرياضي لبلكور، منذ الأيام الأولى من تأسيسه، لضم الثنائي عاشور ولالماس لدخول البطولة من الباب الواسع وكتابة اسم الفريق مع الكبار، بعدما صنع الثنائي الفرجة والمتعة الكروية بفريق حي العناصر. «عاشور» قبل فكرة الانضمام إلى فريق شباب بلكور، عكس زميله لالماس الذي كان سنده فوق أرضية الميدان وخارجها، حيث فضل الولاء لعمي إسماعيل خباطو الذي منحه فرصة البروز والتألق وتعلم منه الكثير فوق المستطيل الأخضر، لكن لواحدي كان له رأي آخر، وأكد لمسؤولي الشباب أنه سيعمل على إقناع ظله فوق الميدان بحمل ألوان الشباب، أين لجأ بحسب مقربيه لتسوية خفية، آخذا على عاتقه تكاليف تقمصه اللونين الأحمر والأبيض، خصوصا بعدما كان مطلوبا بشدة من قبل أندية مولودية الجزائر ونصر حسين داي. أوّل جناح أيسر في تاريخ الشباب والأفضل على مر التاريخ، لم يخطئ أبدا لما ألح على مسؤولي الشباب بضرورة انتداب لالماس لبلوغ أهداف النادي، حيث شكل الثنائي نواة «الشباب الكبير» الذي هيمن على أطوار المنافسات المحلية والمغاربية لسنوات الستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضي، رفقة عدد من النجوم على غرار (زرار، زيتون، مدهبي، عمار)، بالإضافة إلى أرمادة المهاجمين التي دكت شباك الخصوم يتقدمهم (سالمي، كالام، شنان وبوجنون)، تحت قيادة المدرب اللاعب أحمد أعراب الذي دون اسمه هوالآخر بأحرف من ذهب في كرة القدم الجزائرية وفريق شباب بلكور تحديدا، بعدما قاده لنيل 10 ألقاب كاملة خلال 9 مواسم، بصرامته الكبيرة وفرضه ثقافة الفوز التي جعلت من أبناء لعقيبة فريقا كبيرا عشية استقلال الجزائر. أفضل هداف في البطولة الوطنية لموسم (1964 - 1965) أفضل هداف في البطولة الوطنية لموسم (1964- 1965) ب 19 هدفا، وفي إحدى حواراته تحدث عن جوهرة أخرى لعبت إلى جانبه يتعلق الأمر بأسطورة نادي باريس سان جيرمان مصطفى دحلب، حيث قال بشأنه «في سنة 1972 انتدب المسيرون مصطفى دحلب لكي يخلفني في منصب جناح أيسر، لكنه قال لهم يوجد لاعب مهاري في هذا المنصب، الأمر الذي دفعهم لإعادته لمنصبه الحقيقي كوسط ميدان هجومي، وهنا فجر إمكانياته كاملة»، وأضاف «أداءنا تطور أكثر بقدومه وهو ما دفع العربي بن بارك الذي تنقل إلى الدار البيضاء المغربية، خصيصا لمشاهدتنا في نهائي الكأس المغاربية يقول، أشكر الله الذي أطال عمري لأشاهد فريقا جزائريا موهوبا يمكنه منافسة كبرى الفرق عبر العالم». انجازاته تواصلت مع المنتخب الوطني تألق «عاشور» في البطولة الوطنية جعله لاعبا مهما في النهج التكتيكي لكل المدربين الذين أشرفوا على قيادة العارضة الفنية للمنتخب الوطني، وعددهم 7 مدربين بين 1963 إلى غاية 1972، يتقدمهم مدربه الأسبق في أولمبي العناصر إسماعيل خباطو، وكان ينافسه على منصب اللاعب الأساسي الأنيق بوعلام عميروش اللاعب السابق لنادي رائد القبة. لواحدي كان له الشرف في لعب أول مباراة رسمية للفريق الوطني بعد الاستقلال بتاريخ 06 جانفي 1963 في ودية بلغاريا التي تمكن خلالها أشبال أول مدرب في تاريخ المنتخب قادر فيرود من الفوز بواقع هدفين لواحد، حيث أهدى أسطورة كرة القدم الجزائرية وفريق جبهة التحرير الوطني مصطفى زيتوني الفوز ل «الخضر». صاحب القدم اليسرى الساحرة حمل القميص الوطني في 33 مناسبة وتمكن من تسجيل 8 أهداف، بينها أول هدف للمنتخب في التصفيات المؤهلة لكأس أمم إفريقيا 1968 ضد منتخب مالي بباماكو، وهو اللقاء الذي قاد الجزائر إلى الدور الثاني من التصفيات ضد منتخب بوركينافاسو. أعاد الشباب لمعانقة الألقاب حتى بعد اعتزاله... في سن 34، وتحديدا بعد نهاية موسم (1971 – 1972) بتتويج الشباب بثالث كأس مغاربية تواليا ضد الصفاقسي التونسي بنتيجة هدفين لواحد بمدينة الدار البيضاء (المغرب)، قرر «السلاح الفتاك» لهجوم الشباب تعليق حذائه والخروج من الباب الواسع، قرار تزامن مع نهاية «الشباب الكبير». بعد نهاية مسيرته الكروية تحوّل إلى تكوين البراعم الشابة بفريق القلب، حيث أشرف على تدريب جيل (كويسي، حماي، معزيز، عبد الغفور، بوحليسة، طالبي، لعريبي وآخرين)، من الأصناف الدنيا إلى غاية الآمال، أين بلغ معهم نهائي كأس الجمهورية وانهزم ضد إتحاد العاصمة الذي كان يقوده صديقه جمال زيدان، أشبال عاشور انتقموا للهزيمة سنة بعد ذلك مع الأكابر، حين تمكنوا من إعادة الشباب إلى معانقة التتويجات بعد ثمان سنوات عجاف، حيث نالوا لقب كأس الجمهورية لسنة 1980 في أول موسم لهم مع الأكابر. عاشور أشرف كذلك على تدريب أكابر شباب بلوزداد في مرحلة انتقالية، سنة 1976، كما درب كل من نادي المدنية لمدة ثلاث سنوات، تمكن خلالها من تحقيق الصعود مع الفريق وبلوغ الدور 16 من منافسة كأس الجمهورية، بعدها انتقل إلى تدريب نادي الشركة الوطنية للنقل البحري الذي ارتقى معه، ثم نادي شبيبة الشراقة الذي أنقذه من السقوط. في الحياة العملية، وبعدما كان يعمل في ميناء الجزائر في الحقبة الاستعمارية، انتقل إلى سلك الأمن الوطني، سنة 1966، أين تدرج في مختلف المناصب إلى أن بلغ منصب محافظ شرطة، أخذ تقاعده سنة 1999 بعد مسيرة شرطية دامت 23 سنة. رغم بلوغه سن التقاعد، إلا أنه لم يتقبل أن يبقى فريقه بعيدا عن منصة التتويجات، وهو ما دفعه للعودة كمسير رفقة زميله سالمي الذي عمل رئيسا للنادي موسم (1999 –2000)، الموسم الذي حصد فيه الفريق ثنائية البطولة وكأس الرابطة، ليقرر الابتعاد مجددا عن كرة القدم إلى الأبد، بعدما تأكد أن مفاهيم الكرة عند اللاعبين والمسيرين وحتى الأنصار تغيرت، وأيقن أن اللعبة التي تمتع الجمهور باتت مستنقعا للربح السريع للكثيرين على حساب الأداء واللعب النظيف. ساهم في تأسيس نادي نجم عين آزال لواحدي كانت تربطه علاقة خاصة بمسقط رأسه بقرية الحامة التي كان يزورها كلما أتيحت له الفرصة، بحسب ما أكده ابن أخيه جمال الدين، الأخير أكد لنا أنه ساهم في تأسيس فريق نجم عين آزال رفقة ابن خاله العياشي نكال رئيس النادي، وتحدث عنه قائلا: «من ميزات عمي عاشور أنه كان بسيطا متواضعا، محب للشعر الشعبي والموسيقى الشعبية، كان يستمع كثيرا لرواد الموسيقى الشعبية على غرار عمّار الزاهي» وتابع حديثه «كان يطالع كثيرا باللغة الفرنسية، وأتذكر يوم كان يسرد علينا قصيدة كتبت عليه عندما كان لاعبا، كان يرددها بفخر كبير». جمال الدين، تحدث لنا عن علاقة عمه بنادي وفاق سطيف، حيث كشف لنا بأنه حاول حمل ألوان النسر الأسود في العديد من المرات، لكنه لأسباب عائلية وارتباطه بالعمل بالعاصمة لم يتمكن من حمل ألوان الكحلة والبيضاء. عاشور الإنسان، كان أبا لخمس أطفال وجدا لتسع أحفاد، وعلى عكس ما يتوقعه الجميع لم يشجع أحدا منهم يوما على ممارسة لعبته المفضلة، بل حثهم دائما على مزاولة الدراسة. خفيف الظل، هادئ، قليل الكلام، لا يتحدث كثيرا لكن كلماته كانت قوية ومعبرة، مثلما أكده لنا ابنه سيد علي، الذي أكد بأنه كان شغوفا بلعب «الدومين» في مقهى الشباب المتواجد بقلب بلوزداد مع رفيقه الأزلي لالماس. أول لاعب سجل أهداف من ركنيات مباشرة في تاريخ كرة القدم العالمية، رحل عنا يوم 17 سبتمبر المنقضي عن عمر ناهز 82 عاما، بعد صراع مع المرض، تاركا وراءه تاريخا حافلا بالأمجاد والألقاب الكروية، ونقش اسمه بأحرف من ذهب إلى الأبد في تاريخ نادي شباب بلوزداد وكرة القدم الجزائرية.