تحتفل السلطنة في الثامن عشر من نوفمبر بالذكرى الخمسين لنهضتها، وأبناؤها يواصلون بعزمٍ تحقيق المزيد من الإنجازات تحت قيادة السلطان هيثم بن طارق المعظم، الذي أخذ على عاتقه مواصلة مسيرة البناء، في نهضة متجدّدة تشمل مناحي الحياة. تحل هذه الذكرى والعُمانيون يستذكرون فقيدهم وباعث نهضتهم السلطان الراحل قابوس بن سعيد بن تيمور، الذي أسس دولة حديثة اسمها عُمان. الانتقال السلس للحُكم في يوم رحيل السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور، في الحادي عشر من يناير من العام الحالي، شهدت عُمان انتقالًا سلسًا للحكم، عندما قرر مجلس العائلة المالكة عرفانًا وامتنانًا وتقديرًا للسلطان الراحل وبقناعة راسخة تثبيت من أشار إليه لولاية الحكم. وتنفيذًا لهذه الرغبة أوكل مجلس الدفاع القيام بفتح الرسالة التي أشار فيها «رحمه الله» إلى تثبيت هيثم بن طارق المعظم سلطانا للبلاد. وودع العُمانيون السلطان قابوس، بعد مسيرة طويلة من البناء والعطاء دامت لأكثر من 49 عامًا كان فيها الإنسان العُماني هو محور التنمية وأساسها. وقد تمكّن حضرة السلطان هيثم بن طارق المعظم خلال الأشهر العشرة الأولى منذ توليه مقاليد الحكم في البلاد، من تحقيق العديد من المنجزات بإرادة صلبة وعزيمة لا تلين في مختلف المجالات توجت بإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة لتتواكب مع «رؤية عُمان 2040»، التي شارك في رسم ملامحها جميع فئات المجتمع بما يلبي تطلعات جلالته إذ أسهم المشاركون في تحديد توجهاتها وأهدافها المستقبلية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لمستقبل أكثر ازدهارًا ونماءً. تنظيم العمل الإداري في السلطنة وقد شكل المرسوم السلطاني رقم 75/2020 في شأن الجهاز الإداري للدولة نقلة جديدة في ممارسة وتنظيم العمل الإداري في السلطنة، إذ أنه سيسهم في تبسيط الإجراءات والانتفاع من الخدمات المقدمة وانجازها بشكل أسرع، الأمر الذي يتوافق مع توجهات «رؤية عُمان 2040»، التي تعد أولوية لتنمية المحافظات والمدن المستدامة وبمثابة توجه استراتيجي من خلال اتباع نهج لامركزي نصّت عليه المادة الثانية، التي تذكر أن «الجهاز الإداري يتكون من وحدات مركزية كالوزارات والأجهزة والمجالس وما في حكمها ومن وحدات لا مركزية كالهيئات والمؤسسات العامة وما في حكمها». وسيسهم المرسوم السلطاني رقم 101/2020 المتعلق بنظام المحافظات والشؤون البلدية في تنمية متوازنة بين المحافظات واستثمار الموارد بشكل أفضل والاستفادة من المقومات السياحية والتراثية وتوفير الخدمات المطلوبة لكل محافظة، إضافة إلى إدارة مرافق البلدية.. كما أن مجلس شؤون المحافظات سيعمل على التنسيق بين المحافظات في ممارسة اختصاصاتها ومتابعة المشاريع الإنمائية بالإضافة إلى تقييم أدائها وتقدير الموازنات ومراقبة استثمار مواردها. من جانب آخر مثّل لقاء حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم بعدد من شيوخ ولايات محافظة ظفار بولاية صلالة في شهر سبتمبر الماضي تعميقًا للتواصل الدائم بين القائد وأبناء الوطن واستمرارًا لمدرسة السلطان الراحل. ورغم الدور الذي يقوم به «مجلس عُمان» بغرفتيه الدولة والشورى في الجانب التشريعي بالإضافة إلى دور مجالس البلدية في الجانب التنموي فإن هذه اللقاءات تمثل الممارسة العملية للشورى العُمانية وهي ثيمة أصيلة مستمدة من العادات والتقاليد العُمانية. مواجهة جائحة كوفيد 19 من جانب آخر، تجلى اهتمام السلطان المعظم بمعالجة أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد « كوفيد 19» التي بدأت منذ أواخر 2019 م في أغلب دول العالم بصورة واضحة وجلية، بأمر بتشكيل لجنة عليا لبحث آلية التعامل مع هذا الفيروس والتطورات الناتجة عن انتشاره والجهود المبذولة إقليميًّا وعالميًّا للتصدي له ومتابعة الإجراءات المتخذة بشأن ذلك ووضع الحلول والمقترحات والتوصيات المناسبة بناء على نتائج التقييم العام. وعملت هذه اللجنة التي يترأسها السيد حمود بن فيصل البوسعيدي وزير الداخلية وتضم في عضويها عددًا من أصحاب المعالي والسعادة، وتعدّ في انعقاد دائم على تنفيذ التوجيهات السامية التي أكد عليها جلالة السلطان المعظم خلال ترؤسه اجتماع اللجنة في مارس الماضي من العام الجاري، وهي أن حكومة السلطنة «ستسخر كافة إمكاناتها ولن تألوَ جهدًا ولن تدّخرَ وسعًا في سبيل مجابهة هذه الجائحة والحد من تفشيها حفاظًا على صحة المواطنين والمقيمين « على حدٍ سواء. تأسيس «الصندوق الوقفي لدعم الخدمات الصحية» و»الصندوق الخاص بدعم جهود وزارة الصحة لمكافحة فيروس -كوفيد 19» من جانب آخر يعد تأسيس «الصندوق الوقفي لدعم الخدمات الصحية « و»الصندوق الخاص بدعم جهود وزارة الصحة لمكافحة فيروس -كوفيد 19» على مستوى عالٍ من الأهمية. وقد دعم جلالته، في إطار دعمه الشخصي لمكافحة هذه الجائحة، متبرعا بمبلغ عشرة ملايين ريال عُماني للصندوق المخصص للتعامل مع الجائحة وهو ما يؤكد على تضافر الجهود بين القائد والحكومة وأبناء الوطن والمقيمين من أجل القضاء على هذه الجائحة. واتخذت اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا «كوفيد 19» العديد من الإجراءات للحد من انتشار هذا الفيروس من بينها تكثيف الحملات الإعلامية التوعوية والتعريف بالإجراءات الاحترازية والغلق الجزئي والكلي لبعض المحافظات من خلال نقاط التحكم والسيطرة ومنع الحركة أثناء الفترة المسائية وإغلاق الجوامع والمساجد وتعليق الدراسة في المدارس والكليات والجامعات وتقليل نسبة الموظفين بمقر العمل للقطاعين وتفعيل «العمل عن بُعد» بالإضافة إلى غلق عدد من الأنشطة التجارية وفرض القوانين والأنظمة التي تضمن الالتزام بالإجراءات التي تحول دون انتشار الجائحة. ونظرًا لما أفرزته هذه الجائحة من آثار اقتصادية ألقت بظلالها على مختلف دول العالم، أمر جلالة السلطان المعظم بتشكيل لجنة منبثقة عن اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا كوفيد 19 تتولى معالجة الآثار الاقتصادية الناتجة عنها على المستوى المحلي وقد صدرت عنها جملة من القرارات تمثلت في حزم وتسهيلات تقدمها الحكومة لمؤسسات وشركات القطاع الخاص إضافة إلى برنامج القروض الطارئة لمساعدة بعض الفئات الأكثر تضررًا من رواد ورائدات الأعمال. السياسة الخارجية وفيما يتصل بالسياسة الخارجية العُمانية فقد أكد حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم في أول خطاب لجلالته على ثوابت هذه السياسة وهي التعايش السلمي بين الأمم والشعوب وحُسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الغير الداخلية .. كما أكد جلالته انتهاجه خُطى السلطان الراحل قابوس بن سعيد بن تيمور. وجاء في خطابه في هذا الخصوص: «وعلى الصعيد الخارجي فإننا سنرتسم خطى السلطان الراحل مُؤكدين على الثوابت التي اختطها لسياسة بلادنا الخارجية القائمة على التعايش السلمي بين الأمم والشعوب وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير واحترام سيادة الدول وعلى التَّعاون الدولي في مختلف المجالات». وأكدت حكومة السلطنة في شهر سبتمبر الماضي أمام الدورة ال75 للجمعية العامة للأمم المتحدة في الكلمة التي ألقاها معالي السيد بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي وزير الخارجية أن جلالة السلطان المعظم «أكد بما لا يدع مجالًا للشك أن السلطنة ستواصل السياسة الحكيمة التي وضعها السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور باني نهضة عُمان الحديثة ومهندس سياستها الخارجية وعلاقتها الدولية على مدى الخمسين عاما الماضية». وتتمثل المبادئ والأسس التي قامت عليها السياسة الخارجية العُمانية في نهضتها المباركة انتهاجها طرق الحوار لحل المشكلات المختلفة ودعم قيم التسامح والعدل والمساواة وحسن الجوار وسيادة القانون واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير والتسوية السلمية للنزاعات على أسس أحكام ومبادئ ميثاق الأممالمتحدة وقواعد القانون الدولي «والذي عزز بدوره من مكانتها إقليميًّا وعالميًا حتى غدت منارة للأمن والسلام». «رؤية عُمان2040» وعند الحديث عن الجانب الاقتصادي فإنه لابُد من التطرق إلى «رؤية عُمان2040» وإلى اقتراب موعد انطلاق الخطة الخمسية العاشرة في شهر يناير المقبل مع انخفاض أسعار الذهب الأسود وتأثيرات انتشار فيروس كورونا المستجد «كوفيد 19» السالبة على اقتصاد دول العام جميعها ومن بينها السلطنة. وقد شكلت هذه الظروف تحدّيًا حقيقيًّا للحكومة الأمر الذي دفعها إلى اتخاذ عدد من الإجراءات المهمة يأتي في طليعتها الإعلان عن خطة التوازن المالي متوسطة المدى (2020 - 2024) التي تتضمن عدة مبادرات وبرامج تهدف إلى «إرساء قواعد الاستدامة المالية للسلطنة وخفض الدين العام ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي بتوجيهه نحو الأولويات الوطنية وزيادة الدخل الحكومي من القطاعات غير النفطية، وتعزيز الاحتياطات المالية للدولة وتحسين العائد على استثمار الأصول الحكومية بما يضمن تعزيز قدرتها على مواجهة أي صعوبات وتحديات مالية وبما يضعها على مسار النمو والازدهار الاقتصادي». وعملت حكومة السلطنة ممثلة في وزارة المالية على إصدار منشورات بهدف ترشيد الإنفاق للعام الحالي منها تخفيض موازنات الوحدات الحكومية بنسبة 5 بالمائة وتعديل الموازنات التشغيلية والخطط المالية للشركات الحكومية بنسبة 10 بالمائة كحد أدنى بالإضافة إلى إجراءات أخرى تتمثل في ترشيد النفقات الخاصة بالإيفاد في المهام الرسمية والتدريب وتخفيض مكافآت وأتعاب مجالس إدارة الهيئات والمؤسسات العامة والشركات الحكومية واللجان التابعة لها ب50 بالمائة وتطبيق ضريبة القيمة المضافة التي ستبدأ في شهر أبريل من العام المقبل بنسبة 5 بالمائة ومن المتوقع أن ترفد الميزانية ب 400 مليون ريال عُماني. وبلغت جملة الإيرادات المقدرة للموازنة العامة للدولة لعام 2020 نحو 10 مليارات و700 مليون ريال عماني باحتسابها على أساس سعر النفط 58 دولارًا أمريكيًّا للبرميل حيث قدر إجمالي الإنفاق العام 13 مليارًا و200 مليون ريال عماني بعجز تقديري يبلغ نحو 2.5 مليار ريال عماني أي 8 بالمائة من الناتج المحلي. ولقد أكد السلطان المعظم في خطابه التاريخي الذي ألقاه في شهر فبراير الماضي وتطرق فيه إلى عدد من ملامح المرحلة القادمة من البناء على مراجعة أعمال الشركات الحكومية مراجعة شاملة بهدف تطوير أدائها ورفع كفاءتها وتمكينها من الإسهام الفاعل في المنظومة الاقتصادية. لقد أوجدت منظومة القوانين والتسهيلات المتعلقة بالاستثمار في السلطنة بيئة جاذبة ومشجعة للاستثمارات الوطنية والأجنبية ومن هذه القوانين قانون استثمار رأس المال الأجنبي. وتعول حكومة السلطنة على الاستثمار في الموانئ العُمانية خاصة ميناءا صحار وصلالة إضافة إلى المناطق الاقتصادية الخاصة والصناعية كالمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم (ميناء الدقم) في رفد الاقتصاد العماني وحفزه والاستفادة المثلى منها كما يعد قطاع السياحة أحد القطاعات الأساسية في تعزيز النمو والتنويع الاقتصادي إذ وضعت الحكومة رؤى استراتيجية واضحة لهذا القطاع الحيوي حيث «إن الاستثمار في السياحة كان ولا يزال يعتبر من أفضل أنواع الاستثمار ربحية». التعليم والبحث العلمي أولى السلطان المعظم اهتمامًا بالغًا بقطاع التعليم وجعله في مقدمة الأولويات الوطنية كما أنه «أيده الله» وجّه بتوفير البيئة الداعمة والمحفزة للبحث العلمي والابتكار باعتباره الأساس «الذي من خلاله سيتمكن المواطن العماني من الإسهام في بناء متطلبات المرحلة المقبلة» كما أنه يعتبر ركنا أصيلا في النظام الأساسي للدولة لتقدم المجتمع بهدف «رفع المستوى الثقافي العام وتطويره وتنمية التفكير العلمي وإذكاء روح البحث». فعلى صعيد البحث العلمي والابتكار فيسهم «تحديث الإستراتيجية الوطنية للبحث العلمي والتطوير 2040 لتتواكب مع رؤية عُمان 2040» في إيجاد مجتمع معرفي وقدرات وطنية منافسة تركز على تحويل المعرفة إلى عائد اقتصادي ويعد إنشاء جامعة التقنية والعلوم التطبيقية في شهر أغسطس الماضي التي ضُمت لها كل من كلية التربية في الرستاق وكليات العلوم التطبيقية وكلية التقنية العليا والكليات التقنية دليلا يؤكد على مواكبة التوجه نحو تشجيع البحث العلمي والابتكارات في إطار الذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة والتقنيات المصاحبة لها .. كما أن تعديل مسمى وزارة التعليم العالي إلى مسمى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار سيعمل بدوره على تكريس أهمية هذا القطاع. المرأة العُمانية ومن الجوانب المشرقة في عهد النهضة المتجددة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم «حفظه الله ورعاه» جانب الاهتمام بالمرأة العُمانية وتأكيد دورها الحيوي في بناء الوطن أسوة بأخيها الرجل على مختلف الأصعدة وقد شدد عليه جلالته «أيده الله» بقوله «ونحرص على أن تتمتع فيه المرأة بحقوقها التي كفلها القانون، وأن تعمل مع الرجل جنبا إلى جنب، في مختلف المجالات خدمة لوطنها ومجتمعها». وقد تفضل السلطان المعظم في أكتوبر الماضي فأنعم بوسام الإشادة السلطانية على عدد من الشخصيات النسائية العُمانية وقامت السيدة الجليلة حرم السلطان المعظم بتسليمهن الأوسمة خلال تفضلها برعاية الاحتفال بمناسبة يوم المرأة العمانية بقصر البركة العامر الذي يصادف ال 17من أكتوبر من كل عام. اهتمام أصيل بالبيئة عملت السلطنة منذ بواكير النهضة المباركة على تطبيق سياسة تأمين سلامة البيئة ومكافحة التلوث والمحافظة على النظم البيئية المختلفة في إطار الأهداف الأساسية للتنمية المستدامة وحماية الحياة الفطرية وصون الطبيعة والحفاظ على الموارد المتجددة والعمل على استغلالها بصورة مستدامة. وعملت الحكومة ممثلة في عدد من المؤسسات الهيئات البيئية المتعاقبة على تطوير آفاق البحث العلمي في المجالات البيئية وتبادل الخبرات وجمع البيانات العلمية والاستفادة منها وتتولى مسؤولية نشر الوعي وغرس مفاهيم متطلبات التعامل مع البيئة لدى فئات المجتمع وترسيخ مبادئ المحافظة على البيئة وموارده الطبيعية والإسهام في دعم الجهود المبذولة وفقا لأهداف التنمية المستدامة. وتتولى «هيئة البيئة» مهمة إصدار القوانين والتشريعات البيئية بحسب ما تقتضيه المصلحة البيئية وتنفيذ القوانين والتشريعات المختصة بالمحميات الطبيعية والبيئة البحرية والتنوع الأحيائي وإدخال مبدأ الادارة البيئية كوسيلة أساسية لرفع كفاءة المشاريع التنموية في كافة المجالات والاهتمام بالرقابة والتفتيش البيئي باعتبارهما المرصد الاساسي للتعرف على الوضع البيئي وتقييم التأثيرات البيئية واتخاذ الاجراءات اللازمة لمواجهتها.