يرى أستاذ القانون الدستوري رشيد لوراري، أن مشروع قانون النظام الانتخابي المعروض على الأحزاب للإثراء والنقاش، ينهي عهد الكوطة الذي كرس منذ سنة 2012، لعدة اعتبارات منها الالتزام بالمواثيق الدولية، ويمنح من خلال نمط الاقتراع بالقائمة المفتوحة أو التمثيل النسبي حرية أكبر للناخب في اختيار من يمثله في المجالس المنتخبة المحلية والتشريعية، في حين يبقي نظام الانتخاب الفردي بالأغلبية المطلقة في دورين بالنسبة للرئاسيات، لأن التنافس يتم على منصب واحد. في بداية عرضه، أبرز أستاذ القانون الدستوري رشيد لوراري، لدى نزوله ضيفا على “الشعب”، أهمية قانون الانتخابات، الذي قال إنه يأتي نتيجة ظروف وبيئة معينة، ويتم مراجعته في كل مرحلة حتى يتلاءم مع طبيعة المرحلة التي تمر بها البلاد، مؤكدا أن الانتخاب يبقى الوسيلة التي تمكن الشعب من اختيار ممثليه في مختلف المجالس المنتخبة المحلية والتشريعية، وفي أعلى منصب في الدولة وهو رئيس الجمهورية. كما أن الانتخاب تبرز أهميته في رسم وتحديد الاتجاهات السياسية الموجودة في أي بلد، خاصة عندنا في الجزائر، في ظل عدم وجود معهد أو مرصد لدراسة ما يسمى بالرأي العام. والنظام الانتخابي بالنسبة للأستاذ لوراري، يعكس واقعا معينا، وابتداء من القانون ساري المفعول كرس انتخاب المجالس المحلية أو التشريعية، وفق نمط القائمة المغلقة، ونظام الانتخاب الفردي بالأغلبية المطلقة في دورين بالنسبة للرئاسيات، لأن التنافس يتم على منصب واحد. ونتيجة لمجموعة من المعطيات والمستجدات على مستوى الساحة السياسية، وانطلاقا من الوعود التي قدمها رئيس الجمهورية أثناء حملته الانتخابية، وبعد مراجعة الدستور، تمت مراجعة هذا القانون العضوي، وقد تضمن عدة محاور جديدة، يمكن تقسيمها إلى أربعة: أولها، السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، ورفض الخوض في تفاصيلها أكثر، لأنها مسألة تقنية أكثر ولا تهم المواطن كثيرا، واكتفى بالقول إنها تم إدراجها لأول مرة وحددت طرق وكيفية تشكيلها أو من حيث هيئاتها أو من حيث المهام والصلاحيات المخولة لها، والأدوات التي ينبغي توفيرها للقيام بدورها. إنهاء عهد المتاجرة بالقوائم الانتخابية يشير الأستاذ لوراري، إلى التخلي عن نمط الاقتراع الذي كان معتمدا في القانون السابق، خاصة في المجالس الشعبية البلدية والولائية والمجلس الشعبي الوطني، لأن نمط انتخاب رئيس الجمهورية لم يتم تغييره وبقي كما هو عليه وهو نظام الانتخاب الفردي، وبالأغلبية المطلقة في دورين. وكذا نفس الأمر بالنسبة لمجلس الأمة لم يتغير نمط الانتخاب فيه وبقي على مرحلتين، بحيث يقوم مجموع الناخبين على مستوى الدائرة الانتخابية (الولاية) باختيار ممثليهم في هذا المجلس. أما الجديد فهو على مستوى المجلس الشعبي الوطني كهيئة وطنية، والمجالس البلدية والولائية كهيئات محلية، حيث تم الانتقال من نظام القائمة المغلقة إلى نظام القائمة المفتوحة، وليس هذا فقط، بحسب لوراري، بل أكثر من هذا، حيث أعطى المشروع حرية أكبر للناخب أثناء قيامه بعملية اختيار ممثليه، إذ يسمح له باختيار قائمة ما والقيام بعملية ترتيب داخلها وفق النظام التفضيلي؛ بمعنى في قائمة بها 20 مترشحا في قائمة (أ) و(ب)، يقوم المنتخب باختيار قائمة (ب)، في السابق كان الاختيار بالترتيب الموجود داخلها على مضض، والاختيار ليس على الأشخاص بقدر ما كان على قائمة تنتمي إلى حزب أو إلى مجموعة من المترشحين الأحرار، والتصويت الجديد سيكون وكأنه على برنامج معين، وهذا لم يأت من فراغ بل جاء نتيجة الانتقادات العديدة التي وجهت للنمط السابق للاقتراع، بحيث أن هذه العملية أدت بالفاعلين السياسيين إلى المتاجرة بالقوائم وترتيب المترشحين، حسب من يدفع أكثر. ويرى لوراري، أن نظام الانتخاب والاقتراع على القائمة مع الترتيب أو التفضيل داخلها، لديه أهمية، لأنه يأخذ بالترتيب النسبي، وستكون القائمة الفائزة ممثلة على مستوى هذه الهيئات بعدد من المقاعد المناسبة للأصوات التي تحصلت عليها أثناء العملية الانتخابية، رغم ما قد يقال عن هذا النمط والانتقادات الموجهة له، لأنه سيكون في صالح الأحزاب الكبرى، والقوائم التي تملك من الإمكانات والوسائل ما يسمح لها بالترويج لمرشحيها أكثر من غيرها، لأن الحملة الانتخابية أصبحت تتطلب إمكانات مادية وبشرية. شروط إعداد القوائم الانتخابية يقول لواري، إن مشروع قانون الانتخابات الجديد، وضع جملة من الشروط يتعين على كل قائمة من القوائم المتنافسة الالتزام بها في إعداد قوائمها وضبها، ويستلزم التقيد بشرطين، أولهما شرط المناصفة بين الجنسين، إذا كانت تضم 20 مترشحا، يجب أن يكون فيها 10 رجال، و10 نساء، وهذا بالنسبة له تطور نوعي، ويؤدي بنا إلى التخلي على نظام الكوطة الذي تم اعتمادها وفق قانون 12-03 الصادر سنة 2012، الذي كان يفرض 30 بالمائة من نسبة النساء داخل المجالس المنتخبة. وذكر أن نظام الكوطة جاء نتيجة لمجموعة من العوامل، منها الالتزام بالاتفاقيات التي انضمت إليها الجزائر وكانت تفرض على الدول (المتخلفة) ضرورة أخذ بعين الاعتبار هذا العنصر الموجود داخل المجتمع، وهو عنصر هام، إذ أصبحت المرأة تحتل مناصب صدارة وأغلبية في قطاعات عدة كالتعليم والعدالة والصحة وهي قطاعات أساسية واستراتيجية في المجتمع. ووضع شرط المناصفة سيقضي، بحسب لوراري، على ما أسماه “ظاهرة النفاق” وازدواجية الخطاب السياسي، ويقضي على السلوكات التي أفرزها تطبيق نظام الكوطة، لأن الأحزاب وجدت نفسها أمام أمر واقع، وأصبحت كل امرأة تقدم ملفا توضع في القائمة، خاصة لما صاحب القانون تعليمة لتجسيد القانون أثناء عملية الفرز، ومنح المرأة منصبا حتى ولو كانت في ذيل القائمة. أما الشرط الثاني، فيتمثل في ضرورة تمثيل الشباب الذين تقل أعمارهم عن 35 سنة، بنسبة 30 بالمائة في قوائم الترشيح، لأن الرئيس كان قد وعد بأنه سيضع جملة من الآليات من خلال مراجعة هذا القانون لتمكين هذه الفئة الاجتماعية من تولي المناصب السياسية، وعدم احترام هذين الشرطين سيؤدي إلى رفض هذه القوائم. آليات وضوابط مراقبة الحملة الانتخابية من بين العمليات التي عمل مشروع قانون الانتخابات على ضبطها بآليات جديدة لمراقبتها الحملة الانتخابية، وأضاف عنصرا جديدا بالنسبة لتمويل الدولة 50 بالمائة من تكاليف الحملة بالنسبة لعنصر الشباب الذين تقل أعمارهم عن 35 سنة لإيجار القاعات، إعداد الملصقات وغيرها من العمليات التي تدخل في هذا الإطار. والعامل الثاني إلزام كل قائمة حزبية أو أحرار، باختيار شخص يسمى أمين المال يتولى السهر على ضبط جميع الأموال التي تدخل في إطار الحملة الانتخابية، من حيث الموارد ومصدرها، ومن حيث المجالات التي صرفت فيها. كما تم إنشاء هيئة على مستوى السلطة الوطنية للانتخابات، مهمتها مراقبة أموال هذه الحملة الانتخابية تتشكل من قاض لدى المحكمة العليا، قاض من مجلس الدولة، قاض من مجلس المحاسبة، ممثل عن وزارة المالية، ممثل عن الهيئة العليا للشفافية ومكافحة الفساد. أما فيما يخص التبرعات، فحدد القانون الجديد، أي تبرع مالي يتجاوز 1000 دينار، لابد أن يتم بموجب صك بريدي أو بنكي أو عن طريق الاقتطاع الآلي أو البطاقة البنكية أو غيرها، لأن مثل هذه الآليات تمكن الهيئات المعنية بالقيام بدور المراقبة على مصادر هذه الأموال، وهو ما سيضع حدا للتعامل ب«الشكارة”، مثلما وقع في الحملة الانتخابية السابقة بشهادة منتخبين، ومن هنا جاءت قضية تعيين أمين مال واعتماده رسميا وتقديم قرار تعيينه للجهات المعنية، حتى لا يبقى تسيير الأموال بيد مدير الحملة.